العدالة من أجل السلام | جريدة الرؤية العمانية
د. قاسم بن محمد الصالحي
السلام يحمل دلالات عميقة تتعلق بالعلاقة الوثيقة بين تحقيق العدالة وإحلال السلام، والسلام الحقيقي لا يمكن أن يتحقق دون معالجة الظلم وإعادة الحقوق إلى أصحابها، فغياب العدالة يؤدي إلى استمرار التوترات والنزاعات.
العدالة والسلام لا يمكن أن يتحققا إلا من خلال جهود مشتركة.. الشعب الفلسطيني يمتلك واحدة من أكثر قضايا العدالة إلهامًا في العصر الحديث، والمقاومة الفلسطينية في ميدان المواجهة وعلى طاولة المفاوضات السياسية، توجه رسالة قوية تدعو فيها إلى العمل إلى بناء مستقبل قائم على أسس متينة من العدالة والسلام، حيث يمكن لشعوب المنطقة أن تعيش في استقرار وازدهار.. كانت المقاومة الفلسطينية في الأساس تفتقر لعاملي المواجهة والإسناد والحراك السياسي معًا.. لسنوات عديدة، أثناء مسار عمليات التفاوض وبعدها.. دخلت قضية فلسطين خلال العقود الماضية في متاهات غريبة، دفعت الشعب الفلسطيني إلى اليأس، مارس فيها الكيان اللقيط كي الوعي العربي وتدجينه، لما يخطط له من قبل النظام الدولي الظالم، والاكتفاء بالكلام والتمنيات، ورسم خرائط لشرق أوسط جديد أو كبير، وأي أدوار يمكن أن يجدها الكيان اللقيط للحفاظ على أحلامه في أن يصبح القوة الإقليمية التي تتحكم في مقدرات دول المنطقة ومصائر شعوبها.
صراع تعانيه المنطقة لعقود عديدة، صراعٌ استمرّ في الواقع لمدّة ستة وسبعين سنة، كان يحصل فيها الشعب الفلسطيني على فتات السياسة ليبقى حيًا، من خلال أدوار صغيرة في القليل من المنابر الإقليمية والدولية لاستعادة بعض من حقوقه الإنسانية العادلة، بيْدَ أنَّه لم يحظَ بشيء مهم بما يكفي لبدء حريته واستقلاله على ترابه المسلوب فلسطين.
خلال تلك العقود السبعة الطويلة من الكفاح والصبر.. كان على بعد خطوات قليلة من إعلان شطب كل ما هو فلسطيني من على وجه الأرض، وبسبب اليأس الشديد الذي أصاب الفلسطينيين في كل فلسطين التاريخية، نتيجة الانتظار على منابر السياسة، اضطرت إلى حمل السلاح في غزة وتصعيد العمليات الميدانية.. بل سأم الشعب الفلسطيني أيضًا هجران الأخ وابن العم الذي لم يستطع حتى ادخال الطعام.. وصل مرحلة أضحى فيها بلا مأوى، اضطر للنوم في العراء يصارع برد الشتاء ولهيب الصيف.
لكن إيمانه بعدالة قضيته، كشعب مكافح أيامه الصعبة لن تدوم إلى الأبد! حيث إنه وبعد مواجهة ظروف قاسية لا تخطر على بال أحد لأكثر من سبعة عقود، حصل أخيرًا على فرصة كبيرة.. وأتت هذه الفرصة بعد أن تمكَّنت المقاومة المسلحة من التحكم في الميدان رغم الكلفة الباهظة، وكتبت ملحمة في موجة من الإلهام يوم 7 أكتوبر.. لاتزال مستمرة أمام جيوش الغرب مجتمعة.. كانت هذه اللحظة الحاسمة التي من شأنها أن تقلب الموازين بالنسبة للقضية الفلسطينية، وازدهرت مسيرتها بعد أن تفاوضت على المكانة التي يجب أن تكون عليه القضية، التي تحمل رسالة قوية تدعو إلى العمل لتحقيق العدالة كوسيلة أساسية لإرساء سلام دائم مستدام.