حمد الناصري
في عام 1945 وبعد الحرب العالمية الثانية تم تأسيس منظمة الأمم المتحدة ومعها مجلس الأمن لضمان حقوق الدول والشعوب ولمنع النزاعات والحروب وتم تشريع قوانين تلك المُنظمة ومنها منح خمسة دول فقط هي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وروسيا والصين حقا لإيقاف أي اتفاق أو معاهدة قد تسبب ضررًا لتلك الدول أو غيرها أو من وجهة نظرها وهو ما سُمي بحق النقض او Veto وفيتو كلمة لاتينية تعني “أنا أمنع”!
أصبح الفيتو جزءًا أساسياً من ميثاق الأمم المتحدة، وقد تمّ إقراره في مؤتمر سان فرانسيسكو، بعد الحرب العالمية الثانية، ونصت المادة 27 من ميثاق الأمم المتحدة، أنه من حقّ إحدى الدول الخمس منع أي اتفاق حتى ولو أجْمعت عليه بقية الدول.!! ويعتبر ذلك النص أو الميثاق قانونًا مُجحفًا وغير عادل بكل المعايير استغلته الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن لتمرير وتسهيل مصالحها بحيث أنه أصبح مبررًا لإشعال الحروب واحتلال الدول وقد تحوّل إلى سيف مسلّط على رقاب الشعوب.. بمعنى آخر أنه فقدَ جوهره وأصبح يخدم مصالح الدول الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن ويضر باستقرار وسلامة وسيادة الدول الأخرى غير دائمة العضوية بمجلس الأمن، رغم أنّ كل تلك الدول تمتلك نفس العضوية في الأمم المتحدة.. وينص البند/ الفصل السادس من الميثاق، على عدم التحيّز في استخدام حق النقض في المسائل الأساسية لكنه استخدم مرارًا وتكرارًا لصالح قوى ظالمة ومُضرة كـاستخدامه عشرات المرات لصالح إسرائيل رغم مُعارضة الأغلبية لإجراءات وأفعال تلك الدولة.
وفي كلمة السلطنة في الجمعية العامة في الأمم المتحدة بـنيويورك، أكّد معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية العُمانية على تلك القضية الخطيرة بوضوح وشفافية فقد ذكر في مُستهل خطابه ما نصه ” أنّ السلام العادل يُعدُّ ركيزة أساسية لاستدامة الأمن والاستقرار والتنمية”. ثم أشار معاليه لمعاناة أشقائنا الفلسطينيين بسبب الحرب غير المُتكافئة التي تشنّها قوات الاحتلال الإسرائيلي قائلا “حان أوان إنهاء الاحتلال ورفع الظلم، وإعادة الاعتبار للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، من خلال تنفيذ حلّ الدولتين؛ باعتباره السبيل العادل والوحيد نحو سلام دائم وشامل يُنهي عقودًا من الصراع والحرمان”. وأكّد معاليه أنّ سلطنة عُمان تُؤمن بأنّ السلام العادل يُعدُّ الركيزة الأساسية لاستدامة الأمن والاستقرار والتنمية. وقد ذكر معاليه وهو يعتلي منصة الاحتفال بمرور ثمانين عاماً على تأسيس منظمة الأمم المُتحدة “إننا نؤكد التزامنا الجماعي بالعمل من أجل السلام، وتسوية النزاعات عبر الحوار والوسائل السلميّة والقانونية، وأنّ إسرائيل لا تزال تمعن في تجاهل نداءات المجتمع الدولي، وترفض الانخراط في حوار جاد يفضي إلى حلًّ عادل وشامل، وبذلك فإنّ استمرارها في استخدام القوة وتغييب صوت العقل يُهدد مصداقية النظام الدولي، ومن هنا فإنّ مسؤوليتنا المشتركة تحتّم علينا مضاعفة الجهود، وبذل الضغوط الفاعلة، لدفع إسرائيل إلى طاولة الحوار، وإفهامها أنّ طريق السلام لا يمكن أن يرسم بالإملاءات أو فرض الأمر الواقع، بل بالتفاهم والاحترام المتبادل للقانون الدولي وحقوق الشعوب”.
وفي خطاب الرئيس الفنلندي على هامش اجتماعات الجمعية العامة أعلن توافقه مع ما ذهب إليه معالي وزير الخارجية العُماني على “أهمية إلغاء حق النقض الفيتو بمجلس الأمن لأنه يمنح القوة لبعض الدول فقط”.
فمنذ تأسيس الأمم المتحدة في أكتوبر عام 1945 والدول الأعضاء الدائمين بمجلس الامن، تستخدمه لفرض مصالحها حتى ولو أضرّت بمصالح بقية الدول والشعوب إذ بلغ استخدامه من الدول الخمس، دائمة العضوية 292 مرة بمعدّل أعلى، كان الاتحاد السوفياتي سابقاً (روسيا حالياً) 143 مرة، ثم أمريكا 83 مرة بريطانيا 32 مرة، فرنسا 18 مرة، الصين 16 مرة.
ومن ذلك المُنطلق دعا معاليه، الأسرة الدولية وفي مقدمتها الدول الدائمة العضوية بمجلس الأمن وفي عدة مناسبات عام 2023 و 2024 وهذا العام لإلغاء ذلك القانون الجائر وتمكين الأمين العام من القيام بدوره في الوفاء بمقاصد ميثاق الأمم المتحدة في مجال الأمن والسلم الدولييْن، وذلك من أجل بلوغ أهداف السلام العادل والشامل في لجميع الدول وتحفيز النمو الاقتصادي للأمم، وتوفير فرص العمل، وتشجيع الابتكار، بما يُسهم في تنشيط الشراكة العالمية من أجل التنمية، ومُكافحة الفقر والمرض وتحقيق الأمن الغذائي والأمن الصحي وأمن الطاقة، وترسيخ منظومة الحماية والعدالة الاجتماعية والأمان الوظيفي.
الخلاصة.. إنّ قرار التصويت بـ”أمنع” أي الفيتو غير عادل ولا يسهم في للسّلم والأمن والاستقرار؛ بل يُعرقل مساعي السلام ويُهدد الأمن الدولي، لذا فإنّ تمكين السلام يجب أن لا يستند على فرض دول معينة لقراراتها ومصالحها على بقية الشعوب والأمم، وإنّ إلغاء ذلك الحق هو إحقاق للحق العالمي لجميع الشعوب وتحقيق الهدف الذي يضمن السلام، وإذا كان صوت الأغلبية الساحقة لم يحفظ السّلم ولم يصون الأمن بسبب استخدام إحدى الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن للفيتو فما الفائدة من وجود منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
إنّ ذلك الحق ـ Veto ـ هو باطل يُقوّض نزاهة الأمم المُتحدة ويعيق تحقيق السّلم الدولي.