ناجي بن جمعة البلوشي

تُعرَّف القوة الشرائية على أنها كمية السلع والخدمات التي يكون بمقدور فرد ما في مجتمع أن يشتريها بواسطة دخله المتاح خلال مدة زمنية محددة، ولمعرفة القوة الشرائية لا بُد من مراقبة العوامل المؤثرة فيها من خلال مؤشرات عدة، منها معدل التضخم، ومعدل سعر الصرف، ومستوى دخل الفرد، والضرائب.

ويمكن لنا تعريف القوة الشرائية بأنها الإعلان الظاهر للقوة الاقتصادية الصريحة للداخل المحلي لكل دولة، أو لنقل هي انعكاس حالة الدولة الاقتصادية على أفراد المجتمع. وفي كل الأحوال، تظل هي العلامة الظاهرة لكل مراقب ومهتم أو مستثمر، فعلى ضوء مؤشراتها الإيجابية تتدفق رؤوس الأموال، لترتفع بها الاستثمارات في الجانب النشط من الأنشطة الاقتصادية التي ارتفعت فيها مؤشرات القوة الشرائية، وبدورها تتنوع الخدمات ويتحسن مستواها بزيادة الابتكار فيها، ومعها تزيد نسبة تشغيل القوى العاملة، وترتفع إيرادات الدولة، وتظهر علامات الثروة على أفراد المجتمع.

وعلى العكس من ذلك، فالمؤشرات السلبية تكون فيها بيئة الاستثمار طاردة أو متوقفة عند حدها الأدنى الموجود عليه منذ زمن، فتقل الاستثمارات الحقيقية، ويقل التصنيع والإنتاج، وتبقى الخدمات كما كانت عليه دون ابتكار، ليتوقف معها نشاط الخدمات الأخرى. ويمكن لأيٍّ منا قراءة مشهد القوة الشرائية من خلال مؤشرات تُنشر مفصلة بشكل دوري من الجهات المعنية، وفي حالة انعدامها كما في معظم دولنا؛ فمن خلال السوق والعلامات الدالة عليه في المشهد اليومي المعتاد.

ويمكن التعرف على مؤشرات القوة الشرائية من خلال نشاط منافذ البيع للمنتجات والسلع والخدمات؛ فلو وُجد نشاط في المبيعات على قطاع البيع بالتجزئة للمواد الغذائية والاستهلاكية في السوق، فإن كثيرًا من المستثمرين بإمكانهم التوجه لفتح صالات بيع أو فروع جديدة، ليزيد الطلب على العقارات، وتجد المطورين العقاريين ومالكي العقارات يعمِّرون الصالات أو يتملكونها. ومعها يزداد الاستثمار في مصانع تصنيع تلك المنتجات والمواد الداخلة في تصنيعها، ومن خلالها يرتفع استيراد المواد التصنيعية والأجهزة الخاصة بالتصنيع، ويزيد الطلب على المصممين، وينشط سوق المؤتمرات والمعارض المختصة وغيرها من الفعاليات، ومعها تبدأ الحركة على ذات النشاط الاقتصادي الذي لا يتوقف عند حد معين.

ومن أمثال ذلك “الهايبر ماركت” المنتشرة، والتي تزداد يومًا بعد يوم. وحيث إن النشاط الاقتصادي في بعض الأحيان هو من يحرك القوة الشرائية، فإن المنتجات هي التي تحرك التصنيع والإنتاج. كما أنه ليس غريبًا على المختصين من خبراء الاقتصاد الإقرار بأن سلوك المستهلكين يتحكم في بعض مؤشرات القوة الشرائية، وفي توجيهه إلى الإيجاب أو السلب، كدفع المحال إلى تخفيض أسعار السلع والخدمات، أو الإغلاق (المقاطعة مثلًا)، أو في دفع المستثمرين على ابتكار السلع والخدمات ابتكارًا لا هوادة فيه، تضع من خلاله سعر الصرف ضعيفًا أو ترفع به معدل التضخم في السلع والخدمات (ترند سلعة ما).

وإذا كان سلوك المستهلكين قد دفع المستثمرين إلى التوسع والاستثمار، فإن الحال لا يختلف في دفعهم إلى تقليص أعمالهم وإغلاق بعض محالهم وفروعهم، كمثال مقاطعة الشركات العالمية المتخصصة في الوجبات السريعة.

ومن مراقبتنا للسوق وقاطرة الأنشطة الاقتصادية مؤخرًا، فإنه لا يخفى على أحد أن المؤشرات تشير إلى أن النشاط الاقتصادي لمراكز التخفيضات والخصومات يسوق الوضع الذي نراه اليوم من شمال عُمان إلى جنوبها، في دفع المستثمرين للاستثمار في أسواق الخصومات والتوفير، ومحال بيع سلع قيمتها تبدأ من 100 بيسة إلى 3 ريالات. وهو وضع طبيعي كونها مدفوعة دفعًا من قبل المستهلكين، محرِّكة معها أنشطة أخرى مثل نشاط اللوجستيات كالنقل، والمخازن، والتعبئة، والتحميل، والتفريغ، والمنافذ الحدودية، وغيرها. لكن هذا الإقبال على هذا النشاط الاقتصادي أمسى شيئًا فشيئًا يأخذ حصة معقولة من السوق، وخاصة من المستهلكين من الطبقة المتوسطة، وبدأ تأثيره يظهر على المراكز التجارية (المولات) أو الأسواق التقليدية (سوق روي).

ومع ذلك، يظل السوق هو الوعاء المتنوع للمستهلكين. ومن مثالنا السابق يمكن لنا قياس المنتجات والخدمات التي حصلت على اهتمام المستهلكين، ومنها يمكن فهم وضع المستهلكين من مجرد معرفة القوة الشرائية فيها، وذلك بمراقبة السوق وبارتفاع أو انخفاض مؤشر نشاط المنتجات والخدمات فيه من قبل المستهلكين، ولا يُشترط بذلك نشاطها بمجملها.

شاركها.