فاطمة سالم

 

منذ القدم، ارتبطت رياضة الفروسية بثقافة المجتمع العُماني ارتباطًا وثيقًا، لما تحمله من دلالات الشرف والقوة والشجاعة. فقد شكّلت الخيل جزءًا أصيلاً من حياة العُمانيين، وتجلّى هذا الارتباط في الأدب العربي؛ حيث تغنّى بها الشعراء على مر العصور، مثلما قال المتنبي: “الخيل والليل والبيداء تعرفني”؛ لتصبح الخيول رمزًا للبطولة والنبل.

وفي هذا الإطار العريق، لم تكن المرأة العُمانية غائبة عن المشهد؛ بل سطّرت حضورًا مميزًا في عالم الفروسية، خصوصًا في ظل الدعم الذي حظيت به من القيادة الرشيدة، وأخص بالذكر السلطان الراحل قابوس بن سعيد طيب الله ثراه الذي آمن بقدرة المرأة على الإسهام في كافة الميادين، بما في ذلك الرياضات التراثية.

وقد كان السلطان قابوس مُحبًا للفروسية منذ صغره؛ إذ يقول: “منذ طفولتي كانت لدي هواية ركوب الخيل، فقد وُضعت على ظهر الحصان وأنا في الرابعة من عمري، ومنذ ذلك الحين وأنا أحب ركوب الخيل”.

شغف منذ الطفولة… وبداية الرحلة

“منذ صغري وأنا أحلم بركوب الخيل واعتلاء صهوتها”، هكذا بدأت إحدى الفارسات العُمانيات حديثها عن تجربتها في عالم الفروسية. ورغم تردد والدتها في البداية خوفًا عليها، إلّا أن الدعم الذي وجدته من والدها، وإصرارها المستمر لمدة ثلاث سنوات، مهّد لها الطريق للبدء رسميًا في هذه الرياضة في 7 يونيو 2020، حين كانت في سن الرابعة عشرة، مُستغلةً عُطلتها الصيفية للتدريب والاستمرار لمدة أربعة أشهر متواصلة.

تحديات لا تُثني العزائم

لم تكن الطريق مفروشة بالورود؛ فقد واجهت الفارسة الشابة العديد من التحديات، بدءًا من الخوف المجتمعي، ووصولًا إلى إصابة خطيرة أثناء التدريب. غير أنها لم تجعل من الألم أو كلام الناس عائقًا أمام طموحها؛ بل وجدت في ذلك دافعًا للاستمرار. فتقول: “وجدتُ يد الأمل تمتد لي عبر مدربين ومجتمع داعم، علمني الصبر، وغرس في نفسي الإصرار”.

ومع الوقت والتدريب، استطاعت تجاوز المرحلة الصعبة، لتعود أقوى وأكثر شغفًا، مستندةً إلى هدف واضح رسمته منذ البداية، وواصلت السعي لتحقيقه بكل عزم وإرادة.

التمكين المجتمعي.. ودور البيئة الداعمة

إنَّ قصة هذه الفارسة ليست مجرد تجربة شخصية؛ بل هي مرآة تعكس ما وصلت إليه المرأة العُمانية من تمكين في مختلف المجالات، بدعم من المجتمع والقيادة، لا سيما في المجالات التراثية كالفروسية. ولقد أثبتت المرأة العُمانية حضورها القوي في ساحات كانت يومًا ما حكرًا على الرجال؛ لتؤكد أن الإرادة لا تعرف جنسًا؛ بل طموحًا وإصرارًا.

وختامًا.. الفروسية بالنسبة للمرأة العُمانية لم تعد مجرد هواية، وإنما أصبحت ساحة تعكس شجاعتها وطموحها وقدرتها على تخطي التحديات. ومع استمرار هذا الزخم والدعم المجتمعي، فإن مستقبل الفروسية في عُمان، لا سيما بوجود فارسات مُلهمات، يُبشِّر بمزيدٍ من الإنجازات التي تليق بتاريخ هذا الوطن العريق.

شاركها.