فايزة بنت سويلم الكلبانية
يتفق جميع الخبراء والمعنيين بالشأن الاقتصادي أن التمويل شريان الحياة لأي نشاط اقتصادي، وأن غياب التمويل اللازم يتسبب في تجميد الأفكار والمشاريع، فتظل حبيسة الأدراج، مهما كانت جدواها أو العوائد المتوقعة منها!!
وفي الوقت الذي تسعى فيه الدول إلى تمكين القطاع الخاص ليكون محركًا للتنمية وخلق فرص العمل، يظل توفير مصادر تمويل مرنة ومبتكرة هو التحدي الأكبر أمام رواد الأعمال والمستثمرين على حد سواء. وفي عُمان، برزت هذه الإشكالية بوضوح مع سعي السلطنة إلى تنويع مصادر الدخل وتعزيز دور القطاع الخاص، الأمر الذي يفرض ضرورة مراجعة المنظومة التمويلية القائمة وتطويرها بما يتماشى مع متطلبات المرحلة المقبلة وتوجهات رؤية “عُمان 2040”.
ومن المؤسف أن جميع البنوك التجارية تتشدد في منح القروض، حيث تعتمد على اشتراطات قاسية مثل الرهن العقاري أو ضمانات مرتفعة لا تتناسب مع طبيعة المشاريع الناشئة أو المبتكرة، وغالبًا ما يُطلب من صاحب المشروع رهن منزل أو ممتلكات شخصية، في حين أن الأصل المنطقي هو رهن المشروع التجاري ذاته باعتباره مصدر الإيراد والضمان المستقبلي.
هذا التباين بين متطلبات البنوك واحتياجات رواد الأعمال يخلق فجوة تمويلية تحدّ من قدرة الشباب العُماني على المساهمة الفاعلة في الاقتصاد، ويجعل الكثير من الأفكار الخلّاقة حبيسة الأدراج لعدم توفر الدعم المالي المناسب.
ولا ريب أن تجاوز هذه الإشكالية يتطلب إيجاد بدائل تمويلية تتكامل مع عمل البنوك ولا تقتصر على قوالبها التقليدية، ومن هنا تتعاظم الحاجة لإنشاء مركز مالي وطني للتمويل في سلطنة عُمان يعمل تحت إشراف البنك المركزي العُماني ليكون منصة شاملة توفر حلولًا تمويلية مبتكرة.
هذا المركز يمكن أن يفتح المجال أمام أدوات حديثة مثل التمويل الجماعي عبر المنصات الرقمية، ورأس المال الجريء الذي يركز على دعم الشركات الناشئة عالية المخاطر، إضافة إلى شركات التمويل المتخصصة التي تركز على قطاعات محددة كالسياحة والإعلام أو الطاقة المتجددة أو التقنية، إلى جانب الصكوك والسندات التنموية التي يمكن أن تشكل رافدًا أساسيًا لتمويل مشاريع البنية الأساسية والشركات الكبرى.
ويُنتظر من البنك المركزي العُماني أن يؤدي دورًا محوريًا في صياغة السياسات والرقابة على القطاع المالي؛ بما يعزز الشفافية ويوازن بين الاستقرار المالي والابتكار في التمويل. ومن بين الأدوار المأمولة من البنك المركزي أن يُعاد النظر في التشريعات لتشجيع دخول شركات تمويل جديدة إلى السوق، وتحفيز البنوك التجارية على تبني نماذج أكثر مرونة تقوم على دراسة التدفقات النقدية المستقبلية للمشاريع بدلًا من الاعتماد على الضمانات التقليدية فقط.
علاوة على أن دعم التحول الرقمي في المجال المالي وتوسيع خدمات التكنولوجيا المالية سيسهمان في تسهيل وصول الأفراد والشركات إلى التمويل بطرق أسرع وأقل تعقيدًا، إلى جانب أهمية بناء شراكات بين البنوك والمؤسسات الحكومية لتمويل المشاريع الاستراتيجية ذات الأولوية الوطنية.
إن تمكين القطاع الخاص عبر منظومة تمويلية متكاملة سيعزز قدرته على الاستثمار والتوسع وخلق فرص عمل نوعية للشباب العُماني، وسيسهم في تحويل القطاع المالي من مجرد وسيط مالي إلى شريك استراتيجي في تحقيق التنويع الاقتصادي وتحويل الطموحات الوطنية إلى واقع ملموس.
ومن هنا فإن من الضروري، بل والحتمي إنشاء مركز مالي للتمويل، يكون مدعومًا بسياسات مرنة وإرادة حقيقية من المؤسسات المصرفية، من أجل أداء دور محوري في دعم التوجهات المستقبلية لعُمان وبناء اقتصاد مزدهر ومستدام يتوافق مع أهداف رؤية “عُمان 2040”.