علي بن سالم كفيتان 

لم يهنأ نتنياهو بانتصارات أجهزته المخابراتية (الموساد والشاباك) التي اخترقت أنظمة ووصلت لعواصم وباتت تصطاد القادة والعلماء في بيئة تعوّد الصهاينة على العمل فيها وتحقيق النجاح تلو الآخر، فالخوف ولَّد الخضوع والخضوع فتح الباب واسعًا لتغلغل الأيادي الشيطانية إلى الداخل.

 ولا شك أن عدم تحصين الشعوب ومنحها حقوقها في العيش بكرامة هي الخاصرة الرخوة التي دخل منها الصهاينة وسيدخلون إن لم تنتبه الأنظمة وتستفيد من تجربة طهران والضاحية الجنوبية في لبنان، فالاختراق السافر للأجهزة الأمنية الوطنية واختيار الأهداف الأكثر حساسية بدقة يوحي بما لا يدع مجالا للشك بتواطؤ داخلي مع الكيان الصهيوني عبر وكلاء من جاليات منتشرة دون أي رقيب أو حسيب أو عبر فئات مقهورة من تلك الأوطان عاشت حقبا من الخوف والحروب والعداء، وباتت على رصيف الزمن، فلم تنل التعليم الكافي ولا الوظيفة المناسبة التي تكفل العيش بكرامة، فهل تتعظ بقية الأنظمة في المنطقة من هذه الدرس القاسي أم تستمر في فتح أراضيها وسماواتها ومقدراتها لكيان لا يعرف إلا الغدر.          

لم يكن هناك مناصر عبَّر بكل وضوح عن دعم غزة، كما عبَّر اليمن، ولم ينفذ أحد وعوده بالانتصار لغزة والعمل على فك الحصار عنها كما فعل اليمن رغم الإمكانيات المحدودة والحصار المضروب على صنعاء من أبناء جلدتهم ومن إخوان وأشقاء عرب، إلا أنهم تبنوا نهج فك الحصار ودخول المساعدات إلى غزة عبر ضرب سفن الكيان في البحر الأحمر وخليج عدن والاستمرار في إقلاق الداخل الصهيوني بصواريخ تدك كل شبر في أراضي فلسطين المحتلة، فالمختلف في اليمن أنهم اتفقوا مع أمريكا على عدم استهداف سفنها فقط، بينما تركو الباب مواربا للحرب مع الصهاينة ووافقت أمريكا، لذلك فإن الجبهة الأخيرة التي لا تزال مناصرة الآن في الميدان هي جبهة صنعاء وهي تتحمل بلا شك ثمنًا باهضًا لهذا الموقف الشجاع عبر قصف مطاراتها وموانئها ومراكزها الحيوية من قبل الكيان المخرب والمتواطئين معه في المنطقة.

 نحنا هنا نعبر عن تضامننا مع كل من يقف مع إخواننا الفلسطينيين العزل المنكوبين في فلسطين، لا تهمنا المذاهب ولا الأيدولوجيات ولا التنظير السياسي الذي لم يفض إلى نتيجة غير افتراس إخواننا بوحشية ونحن ننظر غير قادرين على نصرتهم، ومن حقنا كذلك أن نعبِّر عن تضامننا مع جبهة صنعاء الصامدة أمام جبروت الصهاينة منفردة كجبهة عربية خالصة ترمي لإرباك العدو وإقلاقه، فبعد اتفاق وقف إطلاق النار مع طهران لم تصمت الصواريخ اليمنية، بل ظلت مدوية تستهدف سفن العدو وتدفع بالصهاينة للهجرة والهروب من الجحيم، وأكبر دليل على ذلك اكتظاظ مطارات قبرص بالفارّين إلى أوروبا وأمريكا.

إن إضعاف كل قوى المقاومة وتدجين المنطقة وتغلغل المخابرات الصهيونية عبر الجاليات الأجنبية والأمن السيبراني والاتفاقيات المشبوهة سيقود إلى هيمنة صهيونية على كل ما تبقى من معنى الدولة الوطنية في المنطقة، وسيخضع الجميع لنظام رأسمالي جشع لا يرحم، هدفه السيطرة على الثروات الطبيعية وإذلال الشعوب والسطو على مقدراتها من بوابة التطبيع مع من لا تزال أيديهم ملطخة بدماء الأطفال والنساء والعزل في فلسطين.

 أرى أن خطيئة العرب في عدم دعم حركات المقاومة الفلسطينية بعد السابع من أكتوبر 2023 لا تغتفر في الوقت الذي نصر فيه الغرب الظالم إسرائيل ووقف معها وأمدّها بكل سبل الدمار، والأمر ذاته في السعي إلى تجريد إيران من كل قوتها، والسعي لوأد جبهة صنعاء وحصارها، فما الذي تبقى للعرب ليواجهوا به أو يتفاوضوا عليه مع هذا العدو الذي لا يعترف إلا بالقوة.

غادر نتنياهو إلى واشنطن، وسيقابل ترامب لإقرار وقف إطلاق النار مع المقاومة الفلسطينية، ليس بسبب خنوع العرب وسكوتهم وتواطئهم المخزي على كل ما يحدث، بل مدفوعا بصمود أسطوري للمقاومة الفلسطينية التي لا تزال تزف إلى تل أبيب عشرات الجنائز من معركة غزة واستمرار القصف اليمني وحظره للسفن الإسرائيلية من العبور عبر خليج عدن، هاتان هما الورقتان اللتان ما زالتا على الطاولة، فليتكم دعمتموهما وتركتم الهرولة خلف وعود ترامب ونتنياهو!!    

نعلم يقينًا أن اليمنيين سيتصالحون وسيبنون دولتهم الوطنية على كامل ترابها، وعند حدوث ذلك سيفتخر كل أبناء اليمن السعيد بما تفعله صنعاء اليوم في إسرائيل، وسيدخلون ذلك في مناهجهم الدراسية، لأنهم شعب حر لا يقبل الضيم… فسلامي لصنعاء كما سلامي لعدن وكامل الترب اليمني الطاهر أرضًا وإنسانًا، فأنتم أصل العرب ومهد حضارتهم، وأنتم البندقية الأخيرة على خط النار، دفاعًا عن كرامتهم وعزتهم.

         

       

شاركها.