حاتم الطائي
◄ فلسطين قضية الإنسانية وجميع الشرفاء حول العالم
◄ غزة تنتصر بدماء الشهداء وتضحيات المقاومة طيلة عامين
◄ غزة الكاشفة فضحت الجُبناء والعملاء والمنافقين والخونة وعديمي الكرامة
عامان بالتمام والكمال، وقطاع غزة يئن وحيدًا مُنعزلًا عن العالم، ينزف الدم بلا توقف، يتوجّع سكانه، ويتجرعون الآلام صنوفًا وأشكالًا شتى، يفقدون كل عزيزٍ وغالٍ، ويُحرمون من أبسط حقوقهم: العيش في أمان وكسرة خبز تسد جوعهم، وذلك كله بسبب احتلال مُجرم جبان تُحيطه الخسة والنذالة من كل جانب، مدعوم على نحو فاضح من زُمرة مُنافقين حول العالم، تقودهم زعيمة الشرور والآثام الولايات المُتحدة الأمريكية، وتتواطأ معها أنظمة وحكومات شرقًا وغربًا، عربًا وعجمًا.
في غزة، صوت الكرامة يرتفع ويعلو إلى عنان السماء، بينما نعيق الخيانة والخذلان يدوّي في المنطقة وحول العالم، في مشهد لم يسبق له مثيل في عالمنا المُعاصر الذي يرفع أوهام الحرية والحق في الحياة الكريمة، والتي لم تعد سوى شعارات زائفة في عالم يعج بالنفاق.
انتصرت غزة، بدماء الشهداء الأبرار، وبالتضحيات الجِسام التي قدَّمها قادة المُقاومة الفلسطينية، من يحيى السنوار إلى إسماعيل هنية، وغيرهم الكثيرون، حملوا لواء العزة والصمود في وجه عدو مُجرم لا يتوانى عن ارتكاب أبشع الجرائم. قادة المُقاومة رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ومعظمهم قد قضى نحبه، وهناك بلا شك من ينتظر، لأنَّهم يعلمون جيدًا أنَّ الدماء هي المداد الحقيقي الذي يكتب الحرية على صفحات التاريخ. انتصرت غزة بصبر أهلها الذين تحملوا القصف ليل نهار، صيفًا وشتاءً، مئات الآلاف من الأطنان من المُتفجِّرات سقطت فوق رؤوسهم، لكنهم لم ينحنوا لحظةً، وظلوا مرفوعي الرأس، نزحوا مراتٍ ومراتٍ عديدة، داخل أرضهم، عاشوا في الخيام وبين الأنقاض، افترشوا الأرض في العراء، شربوا من مياه البحر شديدة الملوحة، أكلوا الرمال وبقايا المُخلَّفات، علّها تُنجيهم من الموت جوعًا.
في المُقابل، هُزِم الصهاينة شرَّ هزيمة، دُكّت حصونهم التي كانوا يزعمون أنَّها منيعة، زُلزلت الأرض من تحت أقدامهم، هُرعوا إلى الملاجئ في كل وقت وحين، لم تنم أعين الجنباء لحظة، لأنهم كمن يتحسَّس رأسه، يخشى على حياته في كل دقيقة. شهدت دولة الاحتلال أكبر موجة هجرة عكسية في تاريخها الأسود، فرَّوا مثل الفئران من جحورهم التي كانت تأويهم، لم تنفعهم ملاجئهم ولا قُبتهم الحديدية، ولم توفر لهم آلة الحرب والإبادة الأمان الذي ينشدونه. هُزمت إسرائيل لأنَّها كيان غاصب، يقوم على الخداع والتضليل، لأنها دراكولا هذا العصر، يتغذى على دماء الأبرياء، ولن تنتصر إسرائيل، لأنَّ الباطل كان وسيظل زهوقًا، وهذا وعد الله للمؤمنين.
غزة الكاشفة، فضحت الجُبناء والعملاء والمنافقين والخونة وعديمي الكرامة وفاقدي الشرف.. فقد شهدنا على مدار عامين، المُرجفين في الأرض وهم يتخاذلون عن نصرة المُستضعفين، قرأنا وسمعنا عبارات مثل “مُغامرة غير محسوبة العواقب” في حديث البعض عن “طوفان الأقصى”، وهناك من ردد تُرَّهات عن “تواطؤ” المُقاومة مع مجرم الحرب بنيامين نتنياهو لمساعدته على الإفلات من العقاب على فساده الداخلي!
غزة كشفت مدى الضعف العربي والإسلامي في مواجهة الطغيان الصهيوني، وأبانت للجميع كم هي ضعيفة الحكومات في منطقتنا العربية والشرق الأوسط، فبينما انتفضت شعوب أوروبا وأمريكا لمُناهضة الإبادة الجماعية في غزة، ودعمًا للحق الفلسطيني، ظلَّت المظاهرات والتجمُّعات الشعبية المُؤيِّدة لغزة في الدول العربية محلك سِر، باستثناء مظاهرة هنا أو تجمع صغير هناك! لقد فضحت غزة الوهن العربي المُتجسِّد في حكومات تخشى أن تسمح للشعوب بالتعبير عن رأيها خشية غضب الغرب وأمريكا عليها، رأينا أنَّ الشعوب العربية من شدة بؤسها وخذلانها، منشغلة بالحصول على لقمة العيش؛ لأنَّ الحكومات تُنفِّذ سياسات تتسبب في إفقار المجتمعات وجعلها تدور في فلك العوز والحاجة، لضمان عدم انشغالهم بالحقوق والالتزامات الإنسانية تجاه المُستضعفين.
ولذلك يجب أن نظل نُثني على الشعوب الحُرة في أوروبا وأمريكا وغيرها من الدول، وأخص بالذكر إسبانيا وإيطاليا وأيرلندا وهولندا وغيرهم، وكذلك طلاب الجامعات الأمريكية الأحرار، وعمَّال النقابات، الذين عبروا عن غضبهم المكبوت في الساحات والميادين، وأعلنوا رفضهم التام لجرائم الإبادة الجماعية التي ينفذها جيش العدوان والبربرية الإسرائيلي. لا بُد أن نرفع أسمى آيات الشكر إلى الحكومات الحُرة العزيزة التي قادت معارك دبلوماسية وقانونية لمُعاقبة الاحتلال وردعه عن جرائمه، وفي المُقدمة حكومة جنوب أفريقيا الشريفة، وقادة البرازيل وكولومبيا والإكوادور وبيرو والسلفادور، إلى جانب كل الدول التي تعترف بالدولة الفلسطينية.
ولعله من نافلة القول، إنَّ هذه المقاومة الشريفة وبعد صمود أسطوري دام عامين تحت قصف وحشي على مدار الساعة، قررت أن تضع مصلحة شعبها فوق كل اعتبار، واتخذت القرار الصائب الذي يحمي الشعب الفلسطيني من الإبادة والقضية الفلسطينية من التصفية، بأن وافقت على الخطة الأمريكية لوقف الحرب؛ لتقطع السبيل على المجرم نتنياهو وحكومته اليمينية الإرهابية التي تريد إبادة الفلسطينيين.
اليوم.. أصبحت القضية الفلسطينية قضية الإنسانية جمعاء، بفضل صمود شعبها وقوة مقاومتها، بعد أن كاد العالم ينسى كلمة “فلسطين” قبل 7 أكتوبر 2023.
ويبقى القول.. إنَّ حرب الإبادة الجماعية وجرائم التطهير العرقي التي يُنفِّذها الصهاينة في غزة ستظل شاهدًا على حقبة مريرة في تاريخ الإنسانية، حقبة كشفت عورات العرب وفضحت خذلانهم للشعب الفلسطيني.. حقبة تُؤكد أنَّ ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلّا بالقوة. وتبقى غزة عزيزة مُنتصرة مرفوعة الهامة، عصيّة على كل مُتجبِّرٍ ومجرم، أبيٌّ شعبها يرفض الهوان، ويدفع حياته ثمنًا للكرامة التي لا يملك سواها..
تحية إلى أرواح الشهداء الطاهرة، والمجد للأبطال المغاوير الذين صنعوا التاريخ في ملاحم العزة والصمود، والعار والذل للضعفاء والخونة وعبدة المال والسُلطة.