حاتم الطائي يكتب:
◄ حرب الإبادة في غزة تطبيق حرفي لأبرز بروتوكول صهيوني
◄ السيطرة على المال والإعلام وتغييب الوعي.. بروتوكولات صهيونية
◄ صحوة “جيل زد” حول العالم تؤكد قرب انهيار الصهيونية العالمية
المُتتبِّع لمسار كيان الاحتلال الصهيوني منذ غرسه نبتة خبيثة في قلب العروبة، يُدرك تمام الإدراك أنَّ القوى الاستعمارية تريد الحفاظ على هيمنتها ونفوذها الخفي حتى جلاء هذا الاستعمار ولو شكليًا عن منطقتنا، غير أن الذي يؤسف له أنَّ هذا التوغل الصهيوني في منطقتنا وحتى حول العالم تجذّر خلال العقود الماضية وأوجد له العملاء والمُوالِين؛ بل والمُدافعين عنه!
وبعيدًا عن أتون حرب الإبادة التي ما تزال رُحاها تدور في قطاع غزة، رغم اتفاق وقف إطلاق النار، ورغم التزام المقاومة بإعادة الأسرى، فإنَّنا عندما نُحلِّل وندرُس الظاهرة الصهيونية نكتشف أنها بنت سفاح لظواهر استعمارية سابقة، منذ الرومان والتتار والحملات الصليبية الإجرامية والاحتلال البريطاني والأمريكي لدول عربية في الإقليم، ولذلك عندما أرادت هذه القوى الاستعمارية صاحبة مخططات الإبادة لكل الشعوب التي تحتلها لم تجد سوى الصهيونية العالمية لتكون الوريث الرسمي لها، وتكشف ذلك وتؤكده “بروتوكولات بني صهيون”، ونحن هنا لسنا بصدد الحديث عن دقة أو حقيقة هذه البروتوكولات، وإنما في تطابقها التام مع ما يُعانيه الشرق الأوسط منذ أن أُقحِم هذا الكيان المجرم في منطقتنا. وأي مُحلِّل حصيف لمُجريات الأحداث خلال العقود الماضية، يُدرك دون أدنى مجهود أن الصهيونية هي المسؤول الأول والأخير عن الخراب الذي حلَّ بعالمنا العربي؛ بل وبالعالم أجمع، فأينما نولي وجهنا شطر أي جهة في المعمورة، يتضح أن جوهر الأزمة والمشكلة والصراع وراؤه هذا الكيان المارق، وأجهزته الاستخباراتية الإجرامية، التي تعيث في الأرض فسادًا وإفسادًا.
ولقد كان لهذا الكيان دور مُدمِّر حول العالم، وهذا التدمير انعكاس صارخ لتطبيق تلك البروتوكولات الإجرامية، والتي لا يهمنا أبدًا من وضعها ولا من كتبها، لكن يعنينا بالدرجة الأولى من نفّذها بكل وقاحة ووحشية، في حرب فلسطين عام 1948 وفي مصر في عدوان 1967، وفي منطقتنا العربية عامةً على مدى أكثر من 80 عامًا، أي قرابة عقد من الزمان، وهذا الكيان السرطاني الفاشي ينتشر في أنحاء وطننا العربي، مُدبِّرًا للمكائد ومُنفِّذًا للعدوان الغاشم ومُستهدفًا قيادات المقاومة في كل أقطار المواجهة.
وتطبيق “بروتوكولات بني صهيون” بدأ بالسيطرة على المال، ولعل من أبرز وأوائل الأمثلة على ذلك، عائلة روتشيلد والتي كان لها دور فاعل في تأسيس وترسيخ الحركة الصهيونية العالمية، وألقت بثقلها في دعم المشروع الصهيوني ماليًا وسياسيًا منذ القرن التاسع عشر، وهي عائلة صهيونية أسسها ماير أمشيل روتشيلد في فرانكفورت في أواخر القرن الثامن عشر، ومارست دورًا إجراميًا في تمويل الاستيطان في فلسطين.
ولا ننسى عائلة ساسون، والتي تُلقَّب بـ”روتشيلد الشرق”، وهي عائلة يهودية عاشت في الهند ثم انتقلت إلى بريطانيا، وكانت العقل المُدبِّر والممول الرئيس لمشاريع صهيونية في فلسطين، لا سيما في مجالات التجارة.
ولم يتوقف الأمر عند حدود السيطرة على المال، ولكن ينتقل ذلك بالتحكم في الفكر السياسي والتنظيمات الحزبية السياسية، وهنا نُشير إلى ثيودور هرتزل، مؤسس الصهيونية العالمية الحديثة، وتطور الأمر ليتحول إلى كيانات مؤسسية، مثل الوكالة اليهودية التي تتولى منذ نشأتها استمالة اليهود حول العالم وتشجيعهم على الهجرة إلى فلسطين المحتلة، ولعبت دورًا شديد الخطورة في هجرة آلاف اليهود من أوكرانيا، عقب اندلاع الحرب مع روسيا. هذا إلى جانب منظمات أخرى لا تقل خطوة مثل منظمة المرأة الصهيونية “الهداسا”، ولجنة العلاقات اليهودية الأمريكية “AJC”، ولجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية “آيباك”.
وإذا ما ألقينا نظرة على هذه البروتوكولات الصهيونية، نستطيع أن نقرأ المشهد الإقليمي والعالمي من حولنا، فهناك بروتوكول يقضي بـ”إثارة الفوضى والحروب والثورات”، وما حدث من حروب في منطقتنا مثل حرب الخليج الأولى والثانية، واحتلال العراق وتدمير مقدراته، لم تكن سوى صنيعة صهيونية لزرع الشقاق والخلاف وتأجيجه بدماء الأبرياء من العرب والمسلمين. تمامًا كما حدث في أفغانستان وتدمير هذا البلد الزاخر بالموارد الطبيعية والكفاءات البشرية، وكذلك الحروب في قارة إفريقيا وما نجم عنها من مجاعات وأوبئة وصراعات قبلية مُميتة.
ولا شك أنَّ “ثورات الربيع العربي” استغلتها الحركة الصهيونية، وتحولت من كونها حركات تحرر وطنية ضد الاستبداد والظلم، إلى حروب أهلية أودت بحياة مئات الآلاف في سوريا وليبيا وغيرهما.
كما تنص البروتوكولات على السيطرة على مقاليد الحكم والتعليم والإعلام، وهنا لا نحتاج لبراهين ووقائع لنؤكد أن دولًا مثل بريطانيا وأمريكا وبعض دول الاتحاد الأوروبي، يتحكم اللوبي الصهيوني في صناعة القرار بها، وفي التلاعب بالانتخابات وترجيح كفة مرشح على آخر. يكفينا مثلًا التصريحات العلنية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن حجم التبرعات اليهودية التي حصل عليها من اللوبي اليهودي من أجل الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال.
ويكفي أيضًا أن نطلع على مستويات التعليم في عدد من دول المنطقة، لنُدرك مدى التراجع الشديد في مستويات الخريجين. أما الحديث عن الإعلام فحدِّث ولا حرج؛ إذ بات الإعلام في كثير من دول العالم تحت هيمنة الحركة الصهيونية، ولقد كشفت حرب الإبادة على قطاع غزة مدى الانحياز الإعلامي السافر في الغرب خاصة شبكات مثل “سي إن إن” و”فوكس نيوز” و”بي بي سي” و”سكاي نيوز” و”واشنطن بوست” وغيرهم للسردية الصهيونية، والهجوم على كل ما هو فلسطيني.
ومن بين البروتوكولات: تدمير الدين، من خلال صناعة تنظيمات إرهابية متطرفة تدعي أنها تُطبق الشريعة، لكنها في حقيقة الأمر تعمل جاهدة على تشويه صورة الدين وتحويله إلى دين دموي، ولا أدل على ذلك من الوحشية التي مارسها تنظيم “داعش” في العراق وسوريا وليبيا.
تنص البروتوكولات كذلك على تدمير الأخلاق ونشر العملاء، وهذا واضح كالشمس على منصات التواصل الاجتماعي والفضاء الإلكتروني؛ حيث تنتشر المواقع المخلة بالآداب، وتتزايد مساعي تطبيع المجتمعات البشرية مع الشذوذ الجنسي وتضمينه في “الحقوق العالمية”، فضلًا عن ترسيخ صورة سيئة عن المرأة باعتبارها سلعة تُباع وتُشترى. أما فيما يتعلق بنشر العملاء، فقد كشفت حرب غزة عن طابور خامس مغروس في أرجاء الوطن العربي، صف طويل من العملاء والمرتزقة الذين يُبررون كل شيء للكيان الصهيوني، وفي المُقابل يهاجمون كل ما ينتمي للعروبة والإسلام والمقاومة الشريفة ضد المحتل.
أما بروتوكول تغييب وعي الجماهير، فهو للأسف الشديد الأقوى تأثيرًا والأسرع انتشارًا، خاصة في ظل انتشار المخدرات والتي تقف وراءها عصابات عابرة للحدود لكنها تخضع في النهاية للصهيونية العالمية، التي تستفيد كذلك من مبيعات هذه المخدرات لتمويل أنشطتها الإجرامية حول العالم.
كل هذه البروتوكولات وغيرها، تؤكد حقيقة واحدة وهي أن إسرائيل شرٌ كامن في منطقتنا والعالم، وهي المجرم الأول والمسؤول المباشر عن كل الحروب والصراعات التي نراها في المنطقة والعالم. وهنا استدعي ما ذكره معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية في “حوار المنامة”، عندما أكد أنَّ “إسرائيل هي المصدر الرئيسي لغياب الأمن في المنطقة”، بسبب الأعمال التخريبية التي تقوم بها والتي تمثل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي.
ويبقى القول.. إنَّ الصهيونية العالمية مهما حققت من مُؤامرات وخططت لدسائس، لن تتمكن من الانتصار على الحق؛ إذ إنَّ حبل الشر قصير مهما امتد وحقق أهدافه الخبيثة؛ فالشعوب اليوم في كل العالم وخاصة “جيل زد” أدركت الحقيقة المروعة لهذا الكيان المُجرم؛ بل وانتفضت على الظلم والعدوان في قلب العواصم والمدن التي كُنا نظُن يومًا أنَّها لن تنتفض.
