سعيد حميد الهطالي
منذ أن بدأ الإنسان يخوض معاركه الأولى في الحياة أدرك ولو بفطرته أنه لا يقدر على السير في كل طريق للنهاية، إن بعض الطرق تحتاج إلى مخرج آمن إلى مساحة للتفكير إلى “خط رجعة”.
أن تترك احتمالا للعودة، نافذة للصفح، أو زاوية للهدوء بعد العاصفة يعني أنك تفهم طبيعة النفس البشرية بأنها متقلبة، متأثرة، سريعة الغضب، لكنها أيضًا قادرة على الندم، والمراجعة، والتوبة، والحنين!
في العلاقات مثلًا نخطئ كثيرًا حين نغلق الأبواب تمامًا، حين نحرق الجسور ونكتب نهايات قاسية لا تسمح بالرجوع، ننسى أن كثيرًا من الخلافات كانت لحظات، وكان يمكن أن تمر لو أننا فقط أبقينا خطًا واحدًا للرجعة كلمة طيبة، أو بابًا لم يغلق بإحكام.
ما أجمل أن نعيش بخفة ،أن نترك في كل شيء مساحة “للرجوع الجميل”، ليس التراجع من كل شيء لكن الرجوع النبيل، الرجوع حين نكتشف أننا أخطأنا، أننا قسونا، أننا فقدنا أعصابنا في لحظة، أو تسرعنا في قرار، أو ظننا ظن السوء بشخص لا يستحق!
حتى مع الله جل في علاه أبقى لنا أبوابًا لا تغلق (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله…) فإذا كانت أبواب السماء تفتح دائمًا للتائبين، أفلا نفتح نحن أبوابًا للغائبين، للتائبين، للعائدين، ولأنفسنا كذلك؟
الحياة علمتني أن أترك دائمًا خط رجعة حتى في أبسط الأمور، لا أستعجل الحسم، ولا أغلق قلبي على أحد، ولا أقول “لن أعود” أو “لن أسامح”، لأنني لا أعرف ما تخبئه لي الأيام، ربما أحتاج يومًا إلى من رفضته، وربما يحتاجني من أغلق الباب في وجهي، وربما نكتشف معًا أن كل ما حدث لم يكن يستحق كل هذا الافتراق!
وحتى مع الأحلام، اترك لنفسك خط رجعة لا تتمسك بحلم يستنزفك، ولا تحمل نفسك فوق طاقتها إذا تغيّر المسار فغير خطتك، وابدأ من جديد ما دامت روحك تنبض فما زالت لك أكثر من بداية.
“خط الرجعة” فكرة لا تليق إلا بالناضجين أولئك الذين يدركون أن الكبرياء لحظة، وأن المحبة عمر، وأن الكلمة التي تقال في لحظة غضب قد تفسد ما بني في سنوات، اترك دومًا أثرًا جميلًا خلفك حتى لو مضيت فقد يعود أحدهم يومًا، ويبحث عنك فيه!
فكم من خيطٍ ظنناه انقطع إلى الأبد، فعاد والتأم لأننا تركنا له خيط رجعة، ولو بسيطًا، وكم من قلوب عادت لتتصالح، وأرواح تقاربت من جديد، فقط لأن أحدهم لم يغلق الباب تمامًا.
اجعل من “خط الرجعة” مبدأ حياة في حبك، في صداقتك، في خصامك، وحتى في حديثك مع الله ومع نفسك، فلا أحد منا كامل ولا أحد يستحق أن يحبس في خط النهاية دون فرصة رجوع، دع في قلبك متسعًا، وفي مواقفك رحابة، وفي قراراتك حكمة، ففي الرجوع أحيانًا نكمل ما عجزنا عن إنهائه في المرة الأولى.
في الأخير: لا تقطع الخيط كله، اترك طرفا منه، ربما ستحتاجه!