علي بن سالم كفيتان
شعور حزين ينتابني لما يحدث لأهل غزة، فقد غاب الجميع عن المشهد الأليم؛ فلم تشفع العروبة التي طالما تغنى بها العرب وطنطنوا عليها ولا زالوا، ولا عروة الإسلام التي ينتسبون إليها ظلمًا وبهتانًا ومنح الظالم كل الأدوات لممارسة ظلمه وطغيانه؛ ففي الوقت الذي يسلم فيه بن غفير عشرات آلاف من قطع السلاح للصهاينة، يطالب العرب بتجريد الفلسطينيين من سلاحهم، كيف لنا فهم هذه النظرة المعكوسة وهذا الانبطاح الذليل للمحتل؟!
تبقَّى لدى قوى المقاومة 20 أسيرًا صهيونيًا أحياء، يتحرك من أجل إطلاقهم العرب والعجم، بينما مليوني أسير ومُشرَّد ومكلوم لا يتحدث عنهم أحد، واليوم تتحرك بقايا كتائب وألوية بني صهيون للإجهاز على ما تبقى من أهل غزة، والجيوش العربية ترابط على حدود فلسطين لمنع كل ثائر أو حُر من الدخول إلى ساحة المعركة، إنهم ينتظرون حتى ينتهي نتنياهو من مهمته الأخيرة لينعموا بالسلام معه، إنهم يرون في حماس خطرًا داهمًا على عروشهم، ويرون نتنياهو وعصابته الدموية حاميًا للمنطقة ومُخلِّصًا لها من بقايا ما بات يُعرف بحركات الاسلام السياسي، التي دلفت إلى السلطة عبر صناديق الانتخابات في كثير من الدول؛ فحماس أطاحت بسُلطة أوسلو في أول انتخابات حرة ونزيهة في فلسطين، وعكست ثقة الشعب في المقاومة، ثم يأتي من يقول إنَّ حماس ارتهنت القرار السياسي واختطفت السلطة، بينما سلطة أوسلو رفضت تسليم السلطة وتمكين الديموقراطية الوليدة، ولا زال عرَّابوها ينسقون سياسيًا وأمنيًا مع المحتل للإطاحة بخيار البندقية والعزة والكرامة. هكذا فعلت الدولة العميقة في جمهوريات “الربيع العربي”؛ حيث قاومت خيار الشعوب وأعادت خيار إسرائيل، وهُم من يشرفون اليوم على ذبح الشعب العربي في غزة من الوريد إلى الوريد، بخُذلانهم مقابل الاستمرار في السلطة، وبحجة عدم نقل الفوضى والدمار لبلدانهم التي بات شعوبها يتسولون لقمة العيش فيها.
لن يغفر التاريخ هذه الجريمة الشنعاء وستظل وصمة عار على جبين كل دولة عربية ألجمت شعبها عن نصرة أهل غزة، وأغلقت كل الطرق المؤدية إليها. سيكتب التاريخ في صفحاته أن المروءة والشهامة والنجدة ماتت في أرض العرب؛ فالشعوب خنعت واستكانت للظلم، ولم تُنكر على حكامها هذا الفعل المشين.
في عهود الظلم الحالكة على مر التاريخ الإسلامي، أنكر علماء المسلمين ومشايخهم الظلم، ولم يقفوا إلى جانب الظالم؛ فدفعوا ثمنًا باهظًَا مقابل عدم المداهنة في قيمهم الدينية؛ فمنهم من ولج السجون حتى مات فيها، ومنهم من قتل على نطع في مجالس الحكام دون أن يتراجعوا قيد أنملة عن الحق، بينما نجد بعض علماء اليوم يفتون بجواز حصار أهل غزة والتنكيل بهم؛ لأنهم طائفة إسلامية يهابونها ويخافون نفوذها، ورغم كل هذا الصمت المشين فإنَّ غالبية الشعوب المتخاذلة الصامتة تعلم أنهم على حق وأنهم يواجهون الظلم، ومع هذا ظل علماء السُلطة على غيِّهم يمنعون فتواهم في الجهاد عن إخوانهم المنكوبين ويتلذذون بسفك دماء بريئة مقابل متاع الدنيا.
كل من لم تؤلمه صرخات النساء والأطفال والمكلومين في غزة؛ فهو براء من العروبة والإسلام، وكل من يعتقد أن الصهاينة سيحمون عرشه، فهو واهمٌ، وكل شعب صمت عن الحق في هذا الوقت العصيب سيشرب من نفس الكأس قريبًا؛ فاليوم لا زلنا نمتلك مجاهدين ومحاربين شديدي المراس يخبرون الصهاينة ويعلمون مكامن ضعفهم ولا يطلبون مِنَّا المدد بالرجال؛ فهُم أسود الوغى، فقط يريدون بعض السلاح والمأكل والمشرب وسيتكفلون بتركيع زبانية الغرب الظالم وعلى رأسهم نتنياهو لمطالب عادلة تعترف بها كل أمم الدنيا إلّا أمريكا.
ليتكم تفهمون ما سيحل بكم بعد دمار غزة؛ لتبقوا على جذوة النار الحُرة هناك!