تشو شيوان
في مؤتمر العمل الحضري المركزي الذي عقد في بكين قبل أيام قليلة، ألقى الرئيس الصيني شي جين بينغ كلمة تاريخية؛ أجدها تاريخية لأنها حددت ملامح المرحلة المقبلة من التنمية الحضرية في الصين، والتي تُعد أحد أعمدة النموذج الصيني للتحديث، و جاء المؤتمر بحضور أبرز قادة الحزب الشيوعي الصيني، مما يؤكد الأهمية الاستراتيجية لملف التحضر في اخبار عمان الصينية للتنمية الشاملة، وأجد الكلمة تاريخية أيضًا لكشفها عن التوجيهات المعلنة والطموحة لبناء مدن ذكية، خضراء، وإنسانية بالمقام الأول، تركز على حياة الناس وتخدم مصالحهم، وهذا ما يعكس فلسفة “اشتراكية ذات خصائص صينية” في العصر الجديد.
شهدت الصين تحولًا غير مسبوق في تاريخها الحديث، من مجتمع زراعي إلى دولة ذات أغلبية حضرية، حيث تجاوزت نسبة سكان المدن 67% في 2024، مقارنة بأقل من 20% في ثمانينيات القرن الماضي، ومع ذلك ينتقل النموذج الصيني الآن من مرحلة “الكم” إلى “الكيف”، كما أكد المؤتمر، فبعد إنشاء بنية تحتية حضرية ضخمة تستوعب مئات الملايين تتركز الأولويات اليوم على تحسين جودة الحياة، وتعزيز الكفاءة، وضمان استدامة المدن، وهذا التحول يتوافق مع أهداف “الصين الجديدة” التي أطلقها الحزب الشيوعي الصيني، والتي تهدف إلى تحقيق “الازدهار المشترك” بحلول منتصف القرن الحالي.
مدن للشعب، هكذا يمكن عنونة المرحلة القادمة من التحديث الحضري، أن يكون الإنسان في قلب اخبار عمان وقلب التغيير، ولعل أبرز ما ميز خطاب الرئيس شي هو التأكيد المتكرر على مفهوم “المدن للشعب”، وهو نهج يعكس التزام القيادة الصينية بجعل التنمية الحضرية أداة لتحسين رفاهية المواطن، فخلال العقد الماضي، تم توفير أكثر من 150 مليون وظيفة حضرية جديدة، إلى جانب توسيع نطاق الخدمات العامة مثل التعليم والصحة، وفي المرحلة المقبلة، ستتركز الجهود أولًا على البيئات المعيشية المريحة: عبر تحسين الإسكان الميسر وزيادة المساحات الخضراء، والابتكار والحيوية الاقتصادية: بتحويل المدن إلى مراكز للإبداع التكنولوجي، مما يعزز تنافسية الصين العالمية، والمرونة في مواجهة التحديات: مثل التغير المناخي والأزمات الصحية، عبر بنى تحتية ذكية قادرة على التكيف.
الاستدامة والذكاء الاصطناعي هما أدوات التنمية المستقبلية، إذ تعد الاستدامة البيئية إحدى الركائز الأساسية في اخبار عمان المعلنة، وقد شدد المؤتمر على ضرورة أن تكون المدن الصينية “منخفضة الكربون” و”جميلة” بنفس الوقت، وهذا يتطلب تعزيز استخدام الطاقة النظيفة، وزيادة مساحات الغابات الحضرية والأشجار، وفي وقت يُتبنّى فيه تقنيات البناء الأخضر، ستلعب التكنولوجيا دورًا محوريًا عبر تحويل المدن إلى “منظومات ذكية” تستخدم البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي لإدارة الموارد بكفاءة، مثل النقل العام وأنظمة الطاقة، ليعمل كل هذا بشكل مستدام ومتناغم يحقق الكفاءة والرفاهية والجمال، وَضَع تحت الجمال ألف خط، فالجمال صفة إنسانية يجب أن نحافظ عليها في مدننا المستقبلية والصين تعي ذلك وتريد انتهاجه في قادم المراحل.
الثقافة والحوكمة أسس المجتمع المتحضر، فلم تغفل اخبار عمان الصينية الجانب المعنوي للتحضر، حيث أكد المؤتمر أهمية تعزيز “النزاهة الأخلاقية” و”التحضر الاجتماعي” في المدن، وهذا يشمل الحفاظ على التراث الثقافي المحلي مع دمج القيم الاشتراكية، مثل المسؤولية المجتمعية، كما تم التركيز على تحسين “الحوكمة الحضرية”، عبر تعزيز التنسيق بين الحكومات المحلية والمركزية وتبني سياسات شفافة تقلل من الفساد
ختامًا، أكد المؤتمر أن نجاح هذه الخطة الطموحة، يعتمد على القيادة الشاملة للحزب الشيوعي الصيني، الذي يوجه سياسات التنمية منذ عقود، فالتجربة الصينية أثبتت أن التخطيط المركزي طويل الأمد، الممزوج بالمرونة المحلية، هو سر نجاح التحضر الصيني وبينما تواجه العديد من الدول تحديات مثل التمدن العشوائي، تقدم الصين نموذجًا فريدًا يربط بين التخطيط العلمي والأهداف الإنسانية.
في النهاية يمكننا القول بأننا أما نموذج حضري صيني للعالم، حيث لا تقتصر رؤية الصين للتحضر على حدودها فحسب، بل تقدم إجابات عالمية لتحديات القرن الحادي والعشرين، مثل الازدحام والتلوث، فبينما تبنى مدن المستقبل في الصين، قد تصبح هذه التجربة مصدر إلهام لدول نامية التي تسعى لتحقيق توازن بين النمو الاقتصادي والاستدامة والرسالة الأهم من بكين هي أن التحضر الناجح يجب أن يكون دائمًا في خدمة الإنسان وليس العكس، فالإنسان هو محور التحضر، وهو المستفيد الأول من هذا التحضر، لذلك يجب أن تبنى اخبار عمان بما يتوافق مع الإنسان ويخدم مصالحه.