اخبار تركيا

تركيا وتصفية الاستعمار: مشروع ثوري بقيادة أردوغان

اخبار تركيا

تناول مقال تحليلي للكاتب والمفكر التركي سلجوق تورك يلماز، الصراع السياسي في تركيا منذ احتجاجات “جيزي بارك” عام 2013، مركزًا على محاولات المعارضة المتكررة للإطاحة بالرئيس رجب طيب أردوغان، والتي ارتبطت بشبكة تنظيم “غولن” الإرهابي.

كما يسلط الكاتب في مقاله بصحيفة يني شفق الضوء على السياسة الخارجية التركية تحت قيادة أردوغان، خاصة في المناطق المتأثرة بالاستعمار مثل إفريقيا والبلقان، ويرى أن تركيا تقود مشروعًا ثوريًا لإنهاء الاستعمار.

بالإضافة إلى ذلك، يشير المقال إلى تراجع تأثير الأفكار الغربية في الشرق وصعود تركيا كمصدر إلهام جديد، مع نقد المعارضة الداخلية لافتقارها إلى رؤية ثورية حقيقية واعتمادها على دعم القوى الخارجية.

وفيما يلي نص المقال:

منذ احتجاجات “جيزي بارك” عام 2013، نزل المعارضون مرارًا وتكرارًا إلى الساحات والميادين في محاولات صاخبة لإسقاط الرئيس أردوغان. ورغم تغيّر الشخصيات والجماعات التي برزت في المشهد بعد تلك الأيام، فإن الفكرة التي جمعتهم جميعًا كانت واحدة: الإطاحة بأردوغان. قد تُطرح عدة أسباب لتفسير هذه الظاهرة، لكن العامل الحاسم الذي جمع تلك الأحداث في سلسلة مترابطة كان شبكة العلاقات التي ضمت تنظيم “غولن” الإرهابي. فعندما اتخذ الرئيس أردوغان خطوات لتفكيك هذه الحركة الدينية الجديدة، التي كان على اتصال بمعظم المراكز الإمبريالية، تكاتفت قوى لم يكن يُتصوَّر أن تجتمع يومًا. ولم يكن هذا وضعًا مألوفًا، حتى الصحف الليبرالية المحافظة لم تتردد في التصريح بأنها تأسست لخدمة هذا الهدف فقط. ولم يكن لدى هؤلاء أي فكر ثوري، لكنهم كانوا يؤمنون بأنهم قادرون على الإطاحة بأردوغان من خلال تحالفهم.

وفي نفس السنوات تقريبًا، وتحت قيادة السيد أردوغان، شرعت تركيا في تنفيذ فكرة جديدة في جميع أنحاء منطقتنا المجاورة. كانت هناك حملة جديدة تجاه دول شرق إفريقيا التي تواجه خطر المجاعة والجفاف، وعلى رأسها الصومال والسودان، فوسعت تركيا نطاق العمل الإنساني الذي بدأته في البوسنة، وانطلقت نحو المناطق المظلومة والمضطهدة. من المؤكد أن توسيع هذا النطاق الجديد لم يكن بالأمر السهل. وتحت قيادة السيد أردوغان، تم قطع شوط كبير منذ عام 2002، ولكن لم يكن من المتوقع في تلك السنوات أن يتحول هذا إلى فكرة ثورية تنطلق من الشرق. وبالطبع كان هناك اعتقاد بأن أنشطة المساعدات الإنسانية قد تخفف نسبيا من معاناة المجتمعات التي مزقتها الإمبريالية، ولكن لم يتوقع أحد أن تؤدي هذه الجهود إلى تفكيك المنظومة الاستعمارية نفسها.

بالنظر إلى الوراء من اليوم، يمكننا أن نرى أن هذين المسارين تجسدا في اتجاهين سياسيين منفصلين في قطبين متعارضين. واليوم يمكن القول إنه بات هناك تياران سياسيان مختلفان في تركيا.

وتحت قيادة أردوغان، تخوض تركيا صراعًا حادًا في منطقة الهلال الخصيب وشرق البحر الأبيض المتوسط، وخاصة في البلقان وجنوب القوقاز، كما تمتد هذه المواجهة إلى شمال إفريقيا، وساحل إفريقيا الممتد من شرقها إلى سواحلها الغربية، حيث كانت الإمبراطوريات الاستعمارية مثل فرنسا وبريطانيا تفرض سيطرتها لعقود طويلة. واليوم، تمضي تركيا بخطوات ثابتة نحو تصفية الاستعمار في تلك المناطق. لا شك أن هذه التحركات تستند إلى أفكار قوية للغاية. فعملية إنهاء الاستعمار، بوصفها مشروعًا ثوريًا، لا يمكن أن تُفهم أو تُنفّذ دون امتلاك رؤية فكرية عميقة. ولهذا، فإن كل خطوة تخطوها تركيا في هذا السياق تثير ردود فعل عنيفة في الداخل. والتيارات المعارضة تعلن صراحة رغبتها في “إحداث ثورة” في الداخل التركي. حتى الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن لم يُخفِ موقفه المعادي لأردوغان، لكنه لم يكن يمتلك أي أفكار ثورية حقيقية.

قبل الألفية الجديدة، كان أي رئيس أمريكي يريد الإطاحة بالحكومة في تركيا يتمكن من تحقيق ذلك بسهولة. وآخر مثال على ذلك كان في عهد نجم الدين أربكان، حيث جرت عملية انقلابية ضده، كما كانت إسرائيل أيضًا ترغب في ذلك إسقاطه، ونجحوا بالفعل في تحقيق ذلك. وللأسف في ذلك الوقت كان مصدر الأفكار الثورية لا يزال هو الغرب. كانوا يعتقدون أنهم يجلبون الديمقراطية والليبرالية إلى الشرق، ووجدت هذه الأفكار جمهورًا واسعًا في تركيا. أما اليوم، فقد فُقدت الثقة في أفكار الغرب بشكل ملحوظ. وها نحن نرى كيف أن أكرم إمام أوغلو قدّم نفسه لمراكز النفوذ الإمبريالية، وانخرط في شبكاتها، كما فعل تنظيم غولن من قبل. غير أن هذه الشخصية الجديدة التي قدموها للجمهور، لا تملك رؤية ثورية، إن اعتمادهم على شخصية ضعيفة مليئة بالعيوب عكس مدى تدهور مستوى البدائل المطروحة.

وكما أسلفت سابقا، لقد سعوا إلى الإطاحة بأردوغان، لكنهم يفتقرون إلى أفكار ثورية حقيقية. ومن اللافت أن الحشود التي نزلت إلى الشوارع لم تعبر عن أي خطاب ثوري واضح، بل سادت بينها لغة التهجم والشتائم.

على مدار قرنين من الزمن، كانت الأفكار الثورية تتدفق من الغرب إلى الشرق. وبالنسبة لنا، كانت باريس مركز الحضارة الجديدة، ثم أضيفت إليها مدن أخرى كلندن ونيويورك. أما اليوم، فنقرأ عن غزو الفئران للعاصمة الفرنسية، وهذا يحمل دلالة رمزية عميقة. واليوم لم يعد الغرب قادرًا على تقديم أي شيء للعالم، سوى التواطؤ في كل الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني ضد فلسطين. ورغم ذلك، لا يزال البعض في الداخل التركي يعول على الغرب، الذي لم يعد مصدرًا للأفكار الثورية التي تلهم العالم.

في المقابل، أصبحت تركيا اليوم مصدر إلهام لمختلف الشعوب والأقاليم. ويمكننا رؤية انعكاس مفهوم “قرن تركيا” في مختلف بقاع العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *