◄ الجهوري: القانون يسمح بإنهاء عقد العمل وفق شروط.. والفصل يكون تعسفيًا في حالات مُعينة
◄ رئيس “شباب الشورى”: المجلس لم يتوقف عن مخاطبة الجهات المعنية للحد من ظاهرة “التسريح”
◄ تسريح العاملين العُمانيين يُسفر عن تبعات اجتماعية واقتصادية تمس العديد من الأُسر
◄ “الشورى” يؤكد متابعة العديد من حالات التسريح.. والحل يكمن في تضافر الجهود
◄ مقترحات بعدم تحديد فترة الحصول على “منفعة الأمان الوظيفي”
◄ على الحكومة دعم الشركات التي تعاني من ضغوط مالية حقيقية لضمان استقرار العامل
اخبار عمان ريم الحامدية
تسارعت وتيرة تطورات قضية العاملين السابقين لدى الشركة العُمانية القطرية للاتصالات “أوريدو”؛ حيث أصدرت وزارة العمل بيانًا كشفت فيه رسميًا لأول مرة أن شركة “أوريدو” قدّمت عروضًا للعاملين لديها لتقديم استقالاتهم مقابل منحهم أجرًا شاملًا عن 24 شهرًا، وقد وافق 114 عاملًا على العرض المقدَّم، بينما رفض 11 عاملًا العرض، وهم يمثلون نحو 9% من العدد الإجمالي.
وأكدت وزارة العمل أنها وجّهت استدعاءً لإدارة المنشأة والنقابة العمالية بها والاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان، للحضور إلى الوزارة للتفاوض وإيجاد حل توافقي بشأن الموضوع.
وتفجّرت نقاشات واسعة على منصات التواص الاجتماعي خلال الأيام القليلة الماضية، بعدما تواترت أنباء عن “تسريح أعداد كبيرة” من العاملين لدى الشركة؛ الأمر الذي أعاد أزمة التسريح إلى الواجهة، في ظل ما يواجهه سوق العمل من تحديات وزيادة في أعداد الباحثين عن عمل، وسط دعوات مجتمعية لاقتلاع الأزمة من جذورها، مقترحين دعم الشركات المُتعثرة لضمان استمراريتها وعدم فقدان المواطنين لمصدر رزقهم.
“اخبار عمان” سعت للوقوف على تفاصيل القضية، واستعرضتها مع الدكتور أحمد بن سعيد الجهوري، الخبير القانوني والرئيس التنفيذي لشركة الدكتور أحمد بن سعيد الجهوري وشريكه للمحاماة والاستشارات القانونية، الذي أكد أن تسريح 125 موظفًا دفعةً واحدةً لا يتوافق، من حيث المبدأ، مع أحكام قانون العمل العُماني، مؤكدًا أن المُشرِّع وضع ضوابط دقيقة تحكم مشروعية إنهاء عقود العمل، وأن أي خروج عنها يُعد فصلًا تعسفيًا يستوجب المساءلة القانونية. وأوضح أن المادة (12) من قانون العمل اعتبرت إنهاء عقد العمل فصلًا تعسفيًا إذا كان مبنيًا على أسباب تتعلق بالجنس أو الأصل أو اللون أو اللغة أو الدين أو العقيدة أو المركز الاجتماعي أو الإعاقة أو الحمل أو الولادة أو الرضاعة بالنسبة للمرأة العاملة، أو بسبب انتماء العامل إلى نقابة عمالية أو مشاركته في أنشطتها المشروعة أو تمثيله النقابي، أو نتيجة تقديمه شكوى أو بلاغًا أو دعوى ضد صاحب العمل ما لم تكن كيدية، أو إذا كان الإنهاء لأسباب تأديبية دون مراعاة أحكام القانون أو أنظمة العمل أو لائحة الجزاءات المعمول بها، أو بسبب تغيّب العامل نتيجة حجزه أو حبسه لدى السلطات المختصة وانقضاء مدة الحجز أو الحبس دون إحالته إلى المحكمة المختصة أو صدور حكم ببراءته.
الفصل دون إخطار
وأضاف الخبير القانوني أن قانون العمل أجاز، بموجب المادة (40)، فصل العامل دون سبق إخطار وبدون مكافأة نهاية الخدمة في حالات محددة على سبيل الحصر، من بينها: انتحال العامل شخصية غير صحيحة أو لجوؤه إلى التزوير للحصول على العمل، أو ارتكابه خطأً ترتب عليه ضرر مادي جسيم لصاحب العمل شريطة إبلاغ الجهة المختصة خلال 30 يوم عمل من تاريخ العِلم بالواقعة، أو مخالفته تعليمات السلامة رغم إنذاره كتابةً بما يُلحق ضررًا جسيمًا بمكان العمل أو العمال، أو تغيبه دون عذر مقبول أكثر من 7 أيام متصلة أو 10 أيام منفصلة خلال العام الواحد وفق الضوابط المحددة، أو إفشائه أسرار المُنشأة، أو صدور حكم نهائي ضده في جناية أو جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، أو وجوده أثناء ساعات العمل في حالة سُكر أو تحت تأثير مادة مخدرة أو مؤثر عقلي، أو اعتدائه أثناء العمل أو بسببه على صاحب العمل أو من يمثله أو أحد الرؤساء أو العمال بما نتج عنه مرض أو تعطيل عن العمل، أو إخلاله إخلالًا جسيمًا بالتزامه بأداء العمل المتفق عليه.
وبيّن الجهوري أن المادة (43) من قانون العمل أجازت، مع عدم الإخلال بأحكام المادة (40)، لصاحب العمل إنهاء عقد العمل بعد إخطار العامل في حالات محددة، من بينها بلوغ العامل سن كبار السن الموجب لاستحقاق معاش تقاعدي وفق قانون الحماية الاجتماعية، أو إنهاء خدمة العامل غير العُماني تطبيقًا لخطة التعمين شريطة تعيين عامل عُماني بديل في المهنة ذاتها، أو إخفاق العامل في بلوغ المستوى المطلوب من الكفاءة بعد منحه مهلة لا تقل عن ستة أشهر مع مراعاة تعيين بديل عُماني إذا كان العامل المنهى عقده عُمانيًا، أو في حال إغلاق المنشأة كليًا أو جزئيًا أو إفلاسها أو تقليص حجم نشاطها أو استبدال نظام الإنتاج بما يمس حجم العمالة، مع وجوب عدم إنهاء عقد العامل العُماني الذي يتمتع بالكفاءة والخبرة ذاتها مقارنة بالعامل غير العُماني، أو عند توفر السبب الاقتصادي، على أن يلتزم صاحب العمل بإخطار وزارة العمل قبل ثلاثة أشهر من تاريخ الإنهاء. كما نصت المادة (44) على عدم جواز تقليص عدد العمال بسبب اقتصادي إلا بعد موافقة اللجنة المختصة، وبالقدر اللازم فقط للمحافظة على استمرارية عمل المنشأة وتجنب مخاطر الإفلاس.
حقوق المُسرَّحين
وفيما يتعلق بحقوق الموظفين المُسرَّحين، أكد الجهوري أن قانون العمل كفل حماية واضحة للعامل؛ إذ نصت المادة (11) على أنه إذا ثبت للمحكمة المختصة أن الفصل كان تعسفيًا أو مخالفًا للقانون، وجب الحكم إما بإعادة العامل إلى عمله أو بإلزام صاحب العمل بدفع تعويض لا يقل عن أجر 3 أشهر ولا يزيد على 12 شهرًا يُحسب على أساس آخر أجر شامل كان يتقاضاه العامل، وذلك بالإضافة إلى مكافأة نهاية الخدمة وجميع المزايا الأخرى المقررة قانونًا أو بموجب عقد العمل أيهما أكبر، والأجر الشامل عن مدة الإخطار، والاشتراكات التأمينية عن الفترة من تاريخ الفصل وحتى صدور الحكم النهائي، فضلًا عن الحقوق الأخرى مثل بدل الإجازة السنوية وساعات العمل الإضافية والتعويض عن الضرر متى ما ثبت ذلك.
وأوضح الخبير القانوني أن إجراءات الاعتراض والتقاضي تبدأ، وفق المادة (9) من قانون العمل، بتقديم طلب تسوية إلى التقسيم الإداري المختص بوزارة العمل، حيث لا تُقبل دعوى منازعة العمل أمام المحكمة المختصة ما لم تُستنفد هذه المرحلة، على أن تتم مساعي التسوية خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يومًا من تاريخ تقديم الطلب. وفي حال التوصل إلى تسوية، يُثبت الصلح في محضر يُوقع من الأطراف ويكون له قوة السند التنفيذي، أما إذا فشلت التسوية، فيتعين على الوزارة إحالة النزاع إلى المحكمة المختصة خلال سبعة أيام، مشفوعًا بمذكرة تتضمن وقائع النزاع وطلبات الأطراف وبيانات الأجر والمستندات المؤيدة. كما أجازت المادة (10) للعامل المفصول التقدم بشكواه خلال ثلاثين يومًا من تاريخ إخطاره بالقرار، مع التأكيد على سقوط الحق في المطالبة بمضي سنة من تاريخ استحقاقه.
وحول مسؤولية الجهات الإشرافية والرقابية، أشار الجهوري إلى أن قانون العمل منح النقابات العمالية والنقابات العامة القطاعية والاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان شخصية اعتبارية مستقلة، وكفل لها حرية ممارسة نشاطها في الدفاع عن حقوق العمال وتمثيلهم، وحظر فصل ممثلي العمال أو معاقبتهم بسبب نشاطهم النقابي، ونظم آليات المفاوضة الجماعية وتسوية النزاعات العمالية الجماعية. كما أوضح أن المواد (137) و(138) من قانون العمل منحت موظفي وزارة العمل المختصين صفة الضبطية القضائية، وأجازت لهم دخول أماكن العمل وفحص السجلات والدفاتر للتحقق من الالتزام بأحكام القانون، مع إلزام أصحاب العمل بتقديم البيانات الصحيحة والتسهيلات اللازمة، وحظر أي تعطيل أو عرقلة لعملهم، مؤكدًا أن أي تقصير أو إخلال من الشركات الكبرى، بما في ذلك شركات الاتصالات، بهذه الالتزامات، يضعها تحت طائلة المساءلة القانونية والرقابية.
مسؤولية الجهة التنفيذية
من جهته، قال سعادة يونس بن علي المنذري، رئيس لجنة الشباب والموارد البشرية بمجلس الشورى، إن قانون العمل الصادر مؤخرًا تضمّن عددًا من المواد التي تستوجب الوقوف عندها بعناية، ولا سيما تلك المرتبطة بموضوع التسريح وإنهاء الخدمات، مؤكدًا أن الدور في هذه المرحلة يقع على عاتق الجهات التنفيذية في متابعة تطبيق هذه المواد، وتتبع حالات التسريح التي ترد إلى الساحة، بما في ذلك ما أُثير مؤخرًا حول قيام إحدى شركات الاتصالات على إنهاء خدمات مجموعة من الشباب العُمانيين العاملين لديها، ومعالجة هذا الوضع وفق ما نص عليه القانون القائم.
وأوضح سعادته أنه لا يعتقد بوجود فجوات جوهرية في قانون العمل ذاته، بقدر ما تكمن الإشكالية في متابعة الشركات، والتحقق من أسباب التسريح، ومعرفة مدى مشروعيته، وما إذا كان يستند إلى مبررات حقيقية، مشيرًا إلى أن هذا الدور مناط بالجهات التنفيذية، بدءًا من وزارة العمل، فضلًا عن الدور الذي يقوم به القضاء فيما يتعلق بالأحكام الصادرة في مثل هذه القضايا.
وفيما يخص توقيت حالات التسريح، أشار سعادته إلى أنه لا يرى أن للتوقيت سببًا بعينه، مؤكدًا أن هذه الواقعة ليست الأولى من نوعها؛ إذ سبق أن شهدت الساحة حالات تسريح في شركات أخرى خلال فترات غير بعيدة، لافتًا إلى أن هذا الأمر مزعج ومقلق لجميع الأطراف، سواء للمسرّحين أنفسهم، أو لأسرهم، أو للمتابعين للشأن العام، أو حتى للجهات المعنية.
وشدّد المنذري على أهمية مراقبة هذه الظاهرة بصورة أوسع، والوقوف على مكامن الخلل التي تدفع بعض الشركات إلى اللجوء للتسريح؛ سواء كانت أسبابًا مالية أو ناتجة عن خسائر في جوانب محددة، مؤكدًا ضرورة التحقق من هذه المبررات بشكل دقيق. كما رأى أن للحكومة دورًا مهمًا في التعامل مع مثل هذه الحالات، من خلال تقديم الدعم المؤقت لبعض الشركات المتعثرة، إن ثبت حاجتها إليه، بما يسهم في تجنيبها خيار التسريح إلى أن تتحسن أوضاعها، مؤكدًا أن حضور الحكومة في هذا الجانب أمر بالغ الأهمية.
وبيّن سعادته أن مجلس الشورى ليس جهة تنفيذية، وأن دوره ينحصر في الجانب التشريعي والرقابي، ولا يمتد إلى اتخاذ قرارات تنفيذية مباشرة في مثل هذه القضايا، موضحًا أنه على مستوى اللجنة، تم التواصل معه من قبل أحد المُسرَّحين المشمولين بقرار التسريح؛ حيث تم توجيههم إلى رفع رسالة رسمية إلى المجلس، مؤكدًا أنه فور وصول الموضوع، ستقوم اللجنة بدورها من خلال الاجتماع مع المسرّحين، والاطلاع على تفاصيل القرار، والجلوس مع الجهات المعنية، ورفع تقرير متكامل إلى مكتب المجلس، ليُحال لاحقًا إلى مجلس الوزراء، وذلك وفق ما نص عليه قانون مجلس عُمان.
وأضاف رئيس لجنة الشباب والموارد البشرية بمجلس الشورى أن المجلس، وعند ورود مثل هذه الملفات، يقوم عادةً باستدعاء جميع الجهات ذات الصلة؛ بما في ذلك المواطنين المتأثرين من التسريح، والشركات التي أقدمت على هذه الخطوة، وكذلك الجهات المختصة بمتابعة ملف التسريح، مؤكدًا أن المجلس يستند في نقاشاته إلى المواد القانونية الواردة في قانون العمل العُماني، والتي تكون حاضرة عند مناقشة مدى قانونية هذه الإجراءات. كما أشار إلى الدور المهم الذي ينبغي أن يضطلع به اتحاد عمال السلطنة في مثل هذه القضايا، وإبداء موقفه حيالها.
وأوضح سعادته أن قضية تسريح العُمانيين ليست وليدة اليوم؛ بل تعود إلى ما قبل عام 2014، إلا أنها بدأت بالظهور بشكل أوضح منذ ذلك العام فصاعدًا، مشيرًا إلى أن المجلس سبق أن قدّم تقريرًا متكاملًا حول هذه الظاهرة في عام 2019، وكان من بين الحلول التي طُرحت آنذاك نظام الأمان الوظيفي، والذي تم اعتماده والحمد لله، إلا أن ظاهرة التسريح لا تزال تمثل إشكالية تؤرق الجميع.

مُخاطبات عديدة
وأكد أن مجلس الشورى لم يتوقف عن مخاطبة الجهات المعنية من أجل إيجاد حلول تحد من هذه الظاهرة، لا سيما في الحالات التي تشهد تسريح أعداد كبيرة من الموظفين، تتجاوز في بعض الأحيان 200 موظف من شركة واحدة؛ بل وصلت في بعض الحالات إلى 300 أو 400 موظف أو أكثر، معتبرًا أن هذا النوع من التسريح له أثر بالغ على المجتمع، لما يترتب عليه من تبعات اجتماعية واقتصادية تمس أسرًا كثيرة تعتمد في معيشتها على دخل هؤلاء الموظفين.
وأشار إلى أن المجلس يتابع حتى اليوم العديد من الحالات لمواطنين تم تسريحهم ولا يزالون دون عمل، معربًا عن رفضه لأن يصبح التسريح أمرًا معتادًا في المجتمع، أو أن يصل الوضع إلى مرحلة لا يجد فيها المواطن العُماني وظيفة مناسبة في وطنه. وشدّد على أن هذه الظاهرة تتطلب تضافر جهود جميع الجهات لإيجاد حلول عملية ومستدامة.
وفي هذا السياق، دعا المنذري إلى تطوير نظام الأمان الوظيفي بحيث لا يكون محددًا بفترة زمنية قصيرة، وإنما يستمر إلى أن تتوافر وظيفة مناسبة للمسرّح، مؤكدًا أنه في حال ثبت أن بعض الشركات تلجأ إلى التسريح لأسباب مالية حقيقية ومؤثرة، فمن الأجدى أن تتدخل الحكومة لدعم هذه الشركات، وإيجاد حلول تضمن بقاء المواطنين في وظائفهم، وتحقيق الاستقرار الوظيفي المنشود.
