مسقط العُمانية

تبرز الابتكارات الطلابية كأحد المحركات الأساسية نحو مستقبل أكثر استدامة، ومن قلب الجامعات العُمانية ظهرت شركة “بَليل” لتعمل على تطوير جهاز تنقية ذكي وآمن يعتمد على مكونات طبيعية وفعّالة وقابلة للتحلل وصديقة للبيئة، مثل الطحالب الحية لتبدأ الشركة مشوارها من الفكرة إلى النموذج وما بعدها من طموحات يجمع بين العلوم البيئية والهندسة الحيوية لتقديم حل عملي وصديق للبيئة في آنٍ واحد.

وقالت هاجر بنت جمعة العامرية، الرئيسة التنفيذية لشركة بَليل: إن الفكرة وُلدت من حادثة واقعية مؤلمة، وهي وفاة طفل داخل مركبة نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وتراكم الغازات السامة، الأمر الذي دفعنا للتفكير في حل حقيقي يجنب وقوع هذه الحوادث، ويحسّن من جودة الهواء داخل المركبات فبدأنا العمل على تطوير جهاز تنقية ذكي وآمن يعتمد على مكونات طبيعية وفعّالة.

وذكرت أن الشركة تأسست في عام 2023 كجزء من مشاركتها في برنامج “إنجاز عُمان” لريادة الأعمال الطلابية، وأنه بعد الدعم والتوجيه أصبحت شركة ناشئة رسمية وحصلت على براءة اختراع وتقييم علمي وتقني.

وبينت أن ما يميز هذه التقنية عن أجهزة تنقية الهواء التقليدية هو اعتمادها في الفلتر على مكونات طبيعية قابلة للتحلل وصديقة للبيئة، مثل الطحالب لأنها كائنات طبيعية فعّالة في امتصاص ثاني أكسيد الكربون وإنتاج الأكسجين، مما يجعلها مثالية لتنقية الهواء بشكل طبيعي، بالإضافة إلى أنها قابلة للاستزراع بسهولة في البيئة المحلية، مما يقلل الاعتماد على الموارد المستوردة ويعزز من استدامة المنتج بيئيًّا واقتصاديًّا.

وأشارت إلى أن التقنية لا تقوم فقط بتنقية الهواء، بل تضيف خاصية التبريد والتعطير، كما أن الجهاز لا يعتمد على فلاتر صناعية لذلك فهو ليس بحاجة لتغيير مستمر، مما يجعله أكثر استدامة وأقل تكلفة على المدى الطويل.

أما عن آلية عمل الجهاز فوضحت أنها تجمع بين التقنية والاستدامة، حيث يعمل الجهاز بفلتر طبيعي يحتوي على الطحالب للتنقية، ويُشحن عبر منفذ TypeC أو باستخدام بطارية قابلة للشحن، ولا يحتاج لطاقة كبيرة لتشغيله، كما يعمل الفريق حاليًّا على إضافة خاصية الشحن بالطاقة الشمسية، لجعل الجهاز أكثر استقلالية وملاءمة للبيئة.

وذكرت أن الجهاز يحتوي على مستشعر لدرجة الحرارة، حيث يقوم بقياس حرارة المركبة من الداخل، وفور ارتفاعها عن حد معين، يبدأ بالعمل تلقائيًّا لتبريد وتنقية الهواء، مما يوفر حماية إضافية خصوصًا في المركبات المغلقة أثناء أوقات الذروة، كما أن صيانته سهلة ولا تتطلب تدخلًا تقنيًّا، فقط يتم استبدال الفلتر بعد فترة الاستخدام.

وأفادت أن البيئة الأكاديمية ساعدت في تلقي الدعم والاستشارات والتوجيهات من قبل الخبراء والأساتذة الأكاديميين فيما يخص الجانب التقني والاستدامة.

وفيما يخص التجارب المخبرية، قالت الرئيسة التنفيذية لشركة بَليل: إن البدايات كانت في مختبرات جامعة السلطان قابوس خلال الاستعداد للمشاركة في المهرجان العلمي العشرين، حيث كانت فرصة لإجراء التجارب العلمية الأولية وتحليل أداء الفلتر والمواد الطبيعية المستخدمة.

وعن أعضاء الفريق والتخصصات التي تعاونت لإنجاز هذا الابتكار، فأشارت إلى أنه يتكون من 9 أعضاء من تخصصات متنوعة تشمل الهندسة، والتقنية، والبيئة، والتصميم، والتسويق، الأمر الذي جعل التعامل مع المشروع ميسرًا من جميع الزوايا، من البحث والتطوير العلمي إلى التصميم والتصنيع والترويج.

وبينت هاجر العامرية أن عدم توافر المصانع المحلية المتخصصة لتصنيع المنتج الخاص بالشركة كان واحدًا من التحديات التي واجهتها الشركة، مشيرة إلى أن الفريق عمل على تطوير وتجربة النماذج حتى وصل إلى منتج مستقر وفعّال.

كما أفادت بأن هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ووزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه ووزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات كان لها دور محوري في دعم هذا الابتكار، الأمر الذي مكّن الفريق من تجاوز الصعوبات وتحويل الفكرة إلى نموذج عملي ناجح، كما كان لـمسرعة أعمال الشركات الناشئة العُمانية، دور بارز في توجيه الفريق طوال فترة التأسيس وحتى التخرج من البرنامج.

وفي الحديث عن الأثر البيئي والمجتمعي ترى الرئيسة التنفيذية للشركة أنه يمكن للجهاز أن يقلل من انبعاثات المركبات الداخلية، ويخفض من مستويات الغازات الضارة داخل السيارات، مما يحسن من صحة المستخدمين ويقلل من مشكلات الجهاز التنفسي، كما أنه يسهم في الحفاظ على البيئة كونه يستخدم مكونات طبيعية.

وحول إمكانية استخدام الجهاز أو التقنية في فضاءات مختلفة أكدت على أن الفريق بدأ بدراسة تطبيقات أخرى في الفضاءات المغلقة مثل الصفوف الدراسية والمكاتب والمصانع، ويجري تجارب حاليًّا لتوسيع استخدام التقنية في أنظمة التهوية المنزلية والمباني العامة والمصانع.

وعن خطط التوسيع والتطوير، ذكرت أن الشركة تلقت عروضًا استثمارية عديدة لدعم مشروعها، وأن العمل قائم على دراسة هذه الفرص، إضافة إلى عمل الشركة على تطوير حلول مبتكرة تناسب الاستخدامات المنزلية والصناعية، وتعزيز الاستدامة في مجالات مختلفة، ودمج تقنيات ذكية وتحسين فعالية المنتج لتلبية احتياجات السوق بشكل أفضل ودعم بيئة أنظف وأكثر صحة، إضافة إلى توقيع الشركة لاتفاقيات دولية مع شركاء عالميين، ما يعزز من فرصة التوسع والوصول إلى أسواق جديدة خارج سلطنة عُمان.

أما عن الدور المجتمعي فأوضحت أن الثقة بقدرات الشباب ودعم المنتجات المحلية، والترويج لها في المحيط الاجتماعي، من أكثر الأدوار فاعلية، حيث تفتح فرصًا للتعاون وتشجع الشراكات بين الجامعات والمجتمع الصناعي مما يسهم بشكل كبير في إنجاح مثل هذه المشاريع.

يشار إلى أن شركة بَليل حاصلة على عدة جوائز وطنية في مجال تنقية الهواء وحماية البيئة منها، المركز الأول كأفضل فكرة في قطاع الابتكار والتكنولوجيا ضمن معسكر الاستدامة الشبابي، والمركز الثاني ضمن تصنيف مشاريع النخبة في الكلية العسكرية التقنية، والمركز الخامس في الملتقى السنوي الأول للشركات الناشئة، كما أنها ضمن أفضل 12 فكرة ابتكارية تأهلت لتمثيل سلطنة عُمان في ملتقى العلوم الخليجي، وتأهلت إلى نهائي إنجاز عُمان من بين أكثر من 180 شركة مشاركة، وتم ترشيحها لتمثيل سلطنة عُمان في معرض ليب العالمي في المملكة العربية السعودية.

شاركها.