سارة البريكية
تتساقط أوراق الشجر واحدة تلو الأخرى باتساع الأرض التي نراها شاسعة على مد البصر، وتتوالى في السقوط وتنتقي من بين تلك الأوراق المتساقطة التالي بعناية شديدة، إلا أننا نقف في ذهول لبرهة من الزمن نتساءل عن الأوراق المتساقطة، كيف ولما وأين وما السبب؟ لكنها إرادة الله ومشيئته التي لا يمكن إلا أن تكون حسب ما أراد هو وحده فقط.
كان عامر عامرا في المكان الذي يتواجد فيه، يحمل الكاميرا على كتفه يجوب أزقة عُمان وشوارعها ومبانيها، كان حاضرًا في أغلب الافتتاحات وأغلب الفعاليات الثقافية والترفيهية والوطنية والرياضية والصحية وغيرها، كانت عدسته تلتقط بحب كل ما أراد أن يلتقط، فهو صديق الكاميرا جيدا، يعطيها أوامره فتنفذ تلك الأوامر بحب كبير، نعم كان عامرا بذكره وطيب الأثر، هكذا كان يملئ المكان الذي يتواجد فيه بنوع من الهيبة والسمو والرقي والتميز، فكان لا يقارن بغيره، لأن المدرسة لا تقارن نفسها بالتلاميذ فهي الصرح الكبير الذي نستقي منه أطيب العلوم والمعارف.
عامر رحل كسبق صحفي اعتاد أن يصوره، واعتادت عدسته التقاطه، رحل ليعلمنا أنه أيضا الخبر الأخير ليختتم مشواره العملي الذي دام سنوات طويلة وهو حاملا على كتفه الطيب، حجم الكاميرا التي لا نستطيع نحن أن نعتاد عليها، كان طيبا ونادرا من زمن الطيبين، وكان مبتسما بشوشا مشرقا في أي محفل نراه، كان الأول بين قائمة المصورين، فالكل يحبه وهذا هو الحلم الجميل الذي نسعى جميعا أن نكون عليه.
رحل عامر كما كان عامرا، رحل لنعلم أن الحياة محطات، وأن الفقد يلاحقنا بطريقة غريبة، وأن الاستعداد يجب أن يكون متاحا سريعا، وأن الدنيا دار عبور لا دار بقاء، وأن القادم ربما نحن.
من ذا كعامر؟!
ستفقدك المشاهد والمناظرْ
وهذي الأرض من بدو وحاضرْ
تركت قلوبنا ترنو بحزنٍ
إلى عدساتك الملأى مشاعرْ
تطوف بنا بعين من جمال
كرسام مع الألوان ماهرْ
توثق لحظة ملأى سرورا
ويبقى ذكرها والذكر عاطرْ
حييت العمر في حب وود
وقلبك بائتلاف الناس عامر
تمر قلوبنا قلبا فقلبا
كأنك في غصون الزهر طائر
ترى حسنا وتحبسه كظل
ليبقى لا تغيره المغاير
رحلت تركتنا في ظل حزن
نراك ولا نراك ولا نناظر
فلُذ بالصبر يا عيسى مكوثا
فإن أباك نحو الله سائر
وصبرا يا خلود فقد تعالى
أبوكِ إلى الخلود ولم يغادر
وصبرا يا حمود لهول فقد
سيجزي بالبشائر كل صابر
وصبرا يا هلال وفِضْ دعاءً
لعامر إذ ثوى تحت المقابر
وصبر يا أبا فهد فهذا
زمان كم يفرق من تعاشر
سنبقى ذاكرين له طويلا
ويخلد بيننا ملء البصائر
إذا ذكرو لنا التصوير قالوا
كأنك عامر، من ذا كعامر؟
نحبك خلف شاشة تلفزاتٍ
نحبك بيننا بالطهر حاضر
نحبك إذ رحلت بدون إذن
إلى الجنات في صمت تسافر
عليك من الرحيم سحاب عفو
وغيم باندفاق اللطف ماطرْ
للشاعر: هلال الشيادي
عندما تجتمع القوة والشجاعة في شخص اعتاد أن يجعل من عمله شيئا مؤثرا، واعتاد أن يكون على رأس عمله، فهو الأساس، فكيف سيكون هناك خبر لو لم يكن هناك مصور ليلتقط ذلك الخبر بطريقته الذكية في أشد الظروف وأحلك المواقف، وحتى في الأعاصير، وفي الرخاء والصحة والمرض كان حاضرا بقوة يؤدي مهامه الموكلة عليه، تحمَّل مسؤولية كبيرة، وكان عينا من عيون عُمان الساهرة على حب الوطن والمواطن بالدرجة الأولى وكان كاسمه عامر.
تولد المعاناة من رحم الألم وتولد القوة من رحم البأس الشديد، أما عامر كان دائم القوة، هكذا اعتدنا رؤيته، لقد حظيت بشرف كبير عندما كنت من أولئك الناس الذين ضمتهم عدسة عامر في كثير من المحافل، وكنا نلتقي في المناسبات المختلفة، وأسعد كثيرا وبأريحية، أحس أن عامرا أحد من أهلي، فإذا رأيته في مناسبة ما أشعر بالسعادة والفخر كونه شخصًا أعرفه، وتعودت أن يكون حاضرا في أغلب الأوقات، يشعرك بالأمان وكأنه والدك أو أخوك الكبير، فتشعر بطمأنينة وتعطي من قلبك، ليخرج المشهد طبيعيا غير مصطنع.
الرثاء الذي يأتي بعد دموع، يكون صادقا من القلب، والمواقف هي التي ترتب الأشخاص في القلوب، ورب شخص تراه ويجمعك به عمل ما، تحس بأنه قريب منك، ليس لقربه البيولوجي، إنما لقربه الروحي، فتجتمع الأرواح بطريقة عجيبة لا يعلم بها إلا الخالق.
رحل عامر ليصنع المشهد الأخير.. نزلت الكاميرا من على كتفه اليمين وتوسد يمينه للأبد.
تعازينا الصادقة لأسرته الكريمة، وللأسرة الإعلامية في عُمان، والوطن كافة، فقد رحل رجل من رجال عُمان المخلصين، وإنا لله وإنا إليه راجعون.