مُزنة المسافر

يا عين يا ليل، هل هذا هو الويل؟!

من نادى على الجميل أن يأتي بخطوات الدلال، هل راح للنيل؟ وهل جاء يطيل انتظارنا للقائه؟ يا سلام على هذا الغنج وروحه الطالعة لفوق السطوح، بل هي طالعة في هذا الليل للقمر، هل فتح الأبواب الموصدة والأسوار المشيدة بيننا وبينه، لقد رأينا باب العريش يُفتح وربما كل أبواب قلبه، والمفتاح يا عيني قد صار في أيادينا.

حُبُهُ مُرٌ يا نوسة، لم يعد طعم اللقاء طعم الحلاوة والتفاح، جاء عصر الأمس ليتخانق، لقد كان يعانق كل شيء جميل، إنكِ في نوم طويل، لقد غشيكِ هيامه وغرامه وقد صار يبوح التعب.

سكنه عفريت الحب، وراح داخله كالشيطان الرجيم، ليؤجج أفكار الرحيل من جديد، إنه يتفنن في العراك، صار يميل للشجار وطبعًا ما فيش هزار، أين الماضي الذي كان يراه كالملاك؟ إنه قد كسر أجنحته وصرح بفؤاده المسحور.

إنه مغرور، متباهي، متعالي.

آهٍ لن يرجعه إلّا الشوق.

وهل اشتاق؟

نوسة متوترة أمام المرآة، وقلبها ينطق الخوف، وكأنها تشعر أن رمزي خلف كل مصيبة قادمة.

نعيمة: بلاش يعمل كده يا نوسة، ده أكل عيشنا.

تذكرها نعيمة وهي تعجن العجين، وتذكرها الدجاجات وهي تتجمع قرب وعاء العجين وكأن الفرخ يعبر عن اندماجه الكبير في القصة، طوت نوسة شعرها الطويل في ضفيرة، وعقدت رأسها بمنديل أبو أُوية، آن الأوان أن تفتح نوسة الباب، رمزي خلف الباب تمامًا كما توقعت.

نوسة: بتعمل إيه هنا؟

رمزي: عايزك يا مجنونة!

نوسة: ما ترحمني بقى يا رمزي.

رمزي: والنبي ما تبصيلي وتقوليلي بحبك يا رمزي، وأنا همشي على طول.

لقد نذر نذره، وقال بقرابينه، حتى تقتربي يا حلوة، ولا تبتعدي عنه أبدًا، إنه يعوز روحك يا نوسة، حتى يرفعها للقدير إن عصيتيه، وهل ستعصيه أكثر؟ كنت كقطعة السكر، يشعر بحلاوة دلالك ويرى غنجك شيئًا أكبر من عيون أهل القرية.

انظري نحو نفسك، إنك تتبخترين تبخترًا ليس فيه عودة إلى أحضانه، تروحين نحو الحرية دون الرجوع إلى أوتاره، وماذا عن فؤاده الذي يشتعل بنار الغيرة؟

يا نوسة له بندقية ويهدد بحبس أبدي، وكلام فيه تهديد شفوي.

وضرب نار، وطلق للأعصاب والأوتار.

نوسة: الناس بتبص علينا.

رمزي: الناس وما لها الناس؟

الناس تعرف أن حبكما مثل الأناناس، حلو وعذب، وفيه شد وجذب، لماذا نثرت يا رمزي كل الورق؟ ورأتك الدنيا تقرأ الطالع، وكيف هو البخت الذي يختبأ أسفل الحلم؟، انطقي يا كوتشينة يا ورقة يا ثمينة، عن بَخْت مُحبينا، وادرسي شريان الهوى في سعادتهما، وهل يعلم البدر حين هل هذه المرة أن وقت اللقاء قد انتهى، وأن وعد البقاء هوى.

صاحب الكاريتة (عربة يجرها حمار) وصل، سيروح بالعربة وبالحمار للحقول، وجاء وقت العمل وراح وقت الغزل.

صاحب الكاريتة: هنروح يا بيه!

رمزي: سوق براحتك، أنا حوصل نوسة.

صاحب الكاريتة: أمرك يا بيه.

أمرك يا رمزي، أوصلها للحقول وستعود نوسة مع مغيب الشمس، دعها تروح مع أهل القرية وتشعر بحبهم لها، وعد أنت قبل الليل وهل ستقدر أن تغط في نوم ليس فيه سؤال أو جواب عن حال الحبيب، سيكون ليلٌ فيه غربة وجوى وقربة للعطشان للهوى، وهل تحدثت رموشها ونادت باسمك يا رمزي لتلحقها في حلم ليس له في الدنيا مثيل.

شاركها.