د. إبراهيم بن سالم السيابي

 

منذ الأزل، عُرف أهل عُمان بأخلاقهم العميقة وصدق انتمائهم لوطنهم، تلك القيم التي تشكّل الدرع الأول أمام أي تحدٍّ قد يواجه المجتمع أو الدولة. هذه الفضائل المتأصلة، والتمسك بالقيم الأصيلة، تمنح عُمان حصانة فريدة تجعلها أكثر تحصينًا من غيرها، في عالم لا يعرف إلا منطق القوة، وتؤكد أن أي بناء حقيقي يبدأ من الداخل، من القيم، من الثقة، ومن روح الانتماء.

وفي عالمٍ تموج فيه الأحداث وتتصادم فيه المصالح، لم تعد السيادة الوطنية مجرد حدود على خارطة؛ بل صارت امتحانًا يوميًّا لوعي الشعوب وقدرتها على حماية قرارها المستقل. أخطر ما يهدد الأوطان اليوم ليس جيوشًا تعبر الحدود؛ بل أفكار تتسلّل إلى العقول، وشائعات تُربك الرأي العام، وحملات منظمة تهدف إلى زعزعة الثقة بين المواطن ودولته. لقد آن الأوان أن ندرك أن الأمن الفكري هو خط الدفاع الأول عن السيادة، وأن الحفاظ على استقلال القرار يبدأ من تحصين عقولنا ضد كل ما يستهدف هويتنا وانتماءنا.

اليوم.. يُواجِه المجتمع تحديات غير مرئية، أشد خطورة من أي تهديد مادي. الشائعات والمعلومات المُغرِضة التي تنتشر بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي، والأخبار المفبركة التي تحاول زعزعة الثقة بين الناس ومؤسسات الدولة، تشكل خطرًا حقيقيًا على وعي المجتمع. كل معلومة مغلوطة، كل خبر يصدق دون تمحيص، يضعف النسيج الوطني ويزيد من هشاشة القرارات، ويخلق بيئة خصبة للتأثيرات السلبية. أمام هذا الواقع، يصبح الوعي الجماعي، مع الشفافية والالتزام بالحقوق من قبل الدولة، خط الدفاع الأقوى الذي يحمي الوطن ويصون سيادته.

الدولة، بدورها، مسؤولة عن حماية المواطنين وضمان أنَّ موارد الوطن تصب في خدمة رفاههم ومصالحهم. الشفافية في السياسات، والاستجابة للمطالب المشروعة، ليست رفاهية؛ بل ضرورة، ويجب أن تصاحبها آليات صارمة للمحاسبة وتقييم العمل المنجز باستمرار، للتأكد من أنَّ كل جهد يبذل يحقق المصلحة العامة ويُعزز الثقة بين الناس ومؤسساتهم. إلى جانب ذلك، تعزيز التعليم الذي يغرس التفكير النقدي والوعي الوطني، وخلق بيئة تشجع على المشاركة الفاعلة، كلها عناصر تصنع مجتمعًا أقوى وأكثر قدرة على مواجهة أي تأثير خارجي. وفي الوقت نفسه، المواطن جزء من هذا البناء الداخلي، بوعيه، وحرصه على التمييز بين المعلومة الصحيحة والمغلوطة، وتمسكه بالقيم التي أرسى عليها الأجداد صرح وطنه.

قوة الأوطان اليوم تنبع من الداخل، من الروابط المتينة بين الناس، ومن التزام كل فرد بالقيم التي تحفظ حقوق الآخرين وتحمي المجتمع. في عالم لا يعرف إلّا منطق القوة، يكون البناء الداخلي والاقتصاد المتين، مع الالتزام بالمبادئ، وحدهما ما يحمي الوطن من التفتت والانقسام. كل خطوة نحو تعزيز اللحمة الوطنية، وكل جهد لتقوية الاقتصاد وتحصين المؤسسات، يُعزز السيادة ويحمي القيم الأصيلة التي تشكل هوية عُمان.

ومهما كانت التحديات أو الضغوط، تبقى الثوابت التي بناها الأجداد، من قيم وأخلاق، هي المرساة التي تستند إليها الأجيال القادمة. إنَّ مسؤولية الدولة ليست ثانوية أو شكلية؛ بل هي جزء أصيل من حماية الوطن، وهي تُكمل وعي المواطن وتحصنه، وعلى الدولة أن تواصل أداء واجبها بشفافية، وأن تضع مصالح الوطن والمواطن في المقدمة، مع مراعاة المحاسبة والتقييم المستمر لكل عمل منجز، لضمان الاستقرار والعدالة وتعزيز الثقة بين الناس ومؤسساتهم. هذا الالتزام المتبادل بين المواطنين والدولة يحفظ الوطن من الداخل، ويجعل قوته الحقيقية قائمة على القيم، والوعي، واللحمة الوطنية، والاقتصاد المتين.

وفي الختام.. لنحافظ على هذا الصرح النفيس، ولنغرس في كل قرار، وفي كل خطوة، وفي كل تعامل، وعيًا ومسؤولية، لتظل عُمان قوية من الداخل، صامدة أمام كل ما قد يختبر صلابتها. القوة الحقيقية للوطن ليست في حدوده على الخارطة؛ بل في أبنائه، في وعيهم، وفي التزامهم بمبادئه، وفي قدرة الدولة على الوفاء بحقوقهم بكل شفافية ومحاسبة. بهذا التوازن، يجد الوطن أمنه وازدهاره، وتبقى سيادته حصينة، مبنية على الأخلاق والوعي والمبادئ الراسخة التي لطالما شكلت جوهر القوة الحقيقية لعُمان.

شاركها.