عُمان وروسيا.. تعاون القمم | جريدة الرؤية العمانية

فايزة سويلم الكلبانية
[email protected]
بين ربوع موسكو، حيث التاريخ يُناجي المُستقبل، وخطى القيادة تُؤسس لعهدٍ جديدٍ، تجلَّت زيارةُ جلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق حفظه الله ورعاه إلى روسيا الاتحادية كَوَثبةٍ استراتيجيةٍ تَحمل في طياتها بُعدَ الحكمة وشموخَ الإرادة. لم تكن مجردَ محطة دبلوماسية عابرة، بل كانت منعطفاً تاريخياً يُجسِّد التكاملَ بين رؤيتين طموحتين، ويُرسي دعائمَ تحالفٍ راسخٍ في زمنِ التحديات والتحولات العالمية.
ففي قاعاتِ الكرملين، حيثُ التاريخُ يُراقبُ باهتمامٍ صناعةَ المُستقبل، وُقِّعت تسعُ مذكراتِ تفاهمٍ كنجومٍ تُضيءُ دربَ التعاونِ بين البلدين. ففي مجال الطاقة، تكاتفت الأيدي لاستكشافِ كنوزِ الأرضِ من نفطٍ وغاز، وتبادلِ الخبراتِ في رحابِ الطاقة المتجددة، كأنما البلدان يُعيدانِ كتابةَ خريطةِ القوةِ الاقتصاديةِ بأقلامٍ من نور.
أما في ميدان النقل والخدمات اللوجستية، فقد اتفقَ الفريقان على تعزيزِ شبكاتِ الربطِ التجاري، لِتُصبحَ عُمانُ جسراً يَحمِلُ البضائعَ والأحلامَ بين الشرقِ والغرب. ولم يغبْ عن اللقاءِ قطاعُ الثقافةِ والتعليم، حيثُ سَتُنظَّمُ برامجُ التبادلِ الطلابي، وتُقامُ الفعالياتُ المشتركة، كي يَتعانقَ التراثُ العُماني الأصيلُ مع الإرثِ الروسي العريق في لوحةٍ إنسانيةٍ بديعة.
ولأنَّ الإعلامَ هو لسانُ العصرِ ومرآةُ الشعوب، فقد حظي باهتمامٍ خاصٍّ عبر اتفاقيةٍ تهدفُ إلى تبادلِ المحتوى الإخباري والثقافي، كي لا يبقى أيُّ جمالٍ أو إنجازٍ خلفَ الجدران. كما لم تُغفلِ الزيارةُ مجالَ الابتكارِ والتكنولوجيا، حيثُ ستتعاونُ الجامعاتُ ومراكزُ الأبحاثُ في كلا البلدين لصناعةِ مستقبلٍ تقنيٍّ يُحاكي أحلامَ الشباب.
وفي خطوةٍ تُجسِّدُ الثقةَ المتبادلة، وقَّعَ البلدانِ اتفاقيةَ الإعفاءِ من التأشيرات، لِتُصبحَ حركةُ المواطنين بين مسقطَ وموسكوَ سلسةً كنسيمِ الخليج. ولم تكنِ الرمزيةُ غائبةً عن هذا اللقاء التاريخي، حيثُ تمَّ الاتفاقُ على إصدارِ طابعٍ بريديٍ مشتركٍ يَخلدُ هذه الشراكةَ الأصيلة.
أما على الصعيد السياسي، فقد تشاركت الرؤيتان العُمانيةُ والروسيةُ في الدعوةِ إلى حلولٍ عادلةٍ للأزماتِ الدولية، لاسيما في فلسطين، حيثُ كان صوتُ عُمانَ واضحاً كالشمسِ في رفضِ الحربِ ودعمِ الحلولِ الشاملة.
هكذا، تَخرجُ زيارةُ جلالةِ السلطان إلى روسيا بِعبقِ الانتصارِ الدبلوماسي، حاملةً معها رسالةً مفادها أنَّ عُمانَ، برؤيةِ قائدها، تُحافظُ على توازنها الدولي دون أن تفرطَ في ثوابتها، وتَبني جسورَ التعاونِ دون أن تذوبَ في الآخر. ففي كلِّ مذكرةٍ وُقِّعت، وفي كلِّ حوارٍ جرى، كان هناك بصمةُ عُمان الواضحة: دولةٌ تَصنعُ التاريخَ بحكمةِ قائدٍ، وثقةِ شعبٍ، وشراكاتٍ تُناطحُ السحاب.