سالم بن محمد بن أحمد العبري

لقد أيقنت بعد خبرات كثيرة أننا في حاجة إلى فقيه واحد ومئات الآلاف من العلماء والصُّناع المهرة في البيولوجيا والطب والهندسة والمعلمين والمدربين والمخترعين في سائر الأنشطة الدنيوية والحياتية.

وهذا فيض من خاطر به غصة؛ حيث أثبتت لنا أحداث الحياة المعاصرة وما يمر به العالم الإسلامي والعربي من أحداث جسام أننا لم نضع القول المأثور الذي رواه ثوبان مولى رسول الله(صلى الله عليه وسلم)عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل يا رسول الله: وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت” موضع الوصية الواجبة النفاذ قولا وعملا.

فحين كنَّا في عزاء التقيت أحد معارفي وسألته عن غيابه الطويل؟ قال لي دائما على سفر، وحين أعود من أفريقيا نلتقي؛ لانشغالي ببناء مساجد ومدارس في تلك البقاع المقفرة، تحبيبا وتأليفًا لقلوبهم تمهيدًا لإدخالهم إلى الإسلام!!

فقلت له: أليست بلادنا ومناطقنا وأوديتنا أولى بجهودكم وفي حاجة إلى ما تجمعونه من أموال. فلما لم يجد ردا يُحسن عليه إسكاتي به. قال ندخلهم الإسلام. وقد وجدت قناعة لا تتزحزح قيد أنملة لدى البعض منَّا، بل يحسبها من الأولويات وأنه بذلك يخدم الإسلام ويتقرب إلى الله، ببناء جامع فوق الحاجة وفوق ما يتطلبه ولا يؤمّه بعد تزيينه وزخرفته سوى صفين اثنين في سائر الصلوات، بل صار إنشاء المساجد تفاخرا ومباهاة، ولا يتأتى على أذهانهم أن تأسيس عيادة طبية قريبة من الناس في القرى الجبلية البعيدة أو إقامة مستشفى يقدم العلاج لقطاع عريض من الناس، بل إن توفير الأراضي والمباني والمعدات والأدوية وسائر لوازم الاستشفاء أقرب إلى الله ومن غريب المجادلة أنني طلبت من أخوين عزيزين أن يتبرعا لشق طريق جبلي في وادي بني عوف والذي توقف العمل به منذ شهر مايو عام 2007؛ بل صارت العناية به رفاهية لا ضرورة وهو سيخدم أكثر من 20 قرية وتجمعًا سكنيًا بعيدًا، وسيربطها بالجبل الأخضر كما تعهد معالى الأخ الشيخ سعود النبهاني.

لكنهم أصرّوا في جدالهم معي على أن إنشاء وتعبيد الطرق من اختصاص الدولة؛ فقلتُ لهم وأيضا نشاطكم الدعوي الخيري هو في صميم اختصاص الهيئة العُمانية للأعمال الخيرية، وإن جمعكم الأموال والتبرعات العينية وغيرها يخالف صريح القانون فضلا عن دوركم في تصديرها خارج الوطن.

ألا يمكن أن تقيموا مركزا لتدريب آلاف المواطنين الباحثين عن عمل والمسرحين، ومساعدة الشباب على تأسيس أسرة جديدة. انزلوا الأسواق لتروا العمالة الوافدة كيف يتكّسبون فوق ما تظنون، وأعمالهم هذه يمكن أن يمارسها المواطن بعد فترة تدريب يسيرة كصيانة المعدات الزراعية والتمديدات الكهربائية وتوصيل أنابيب مياه الشرب للمنازل وإصلاح الهواتف وصيانة الحاسبات والأجهزة الإلكترونية.

أذكر أنه حدث في بيتنا التماس كهربائي، وأتوا بعامل وافد فأصلح جزءًا منه وحار في الجزء المتبقي فاستعنت بمواطن عُماني له خبرة في أكثر من شركة عُمانية؛ فأرشد العامل الوافد على الاحتمال الأكثر لحدوث الالتماس الكهربائي فأصلحه وتقاضى الوافد أجرا كبيرا ضعف ما قدّره المواطن العُماني.

وأذكر مواطنا عُمانيا آخر كان يعمل في إصلاح وصيانة المعدات الزراعية من المنزل ويتحصّل على دخل كبير، فلما أن أخذ محلا في المنطقة الصناعية سلّمه لعامل وافد وجلس في بيته يتقاضى مبلغا شهريا زهيدا في حين الوافد يقف على بابه مئات طلبات الصيانة ويتشرّط ويتأخر ويغالي في الأجرة. أليس يا أخوة بلدنا في حاجة لتأهيل آلاف الشباب على مثل هذه الأعمال، وأليس أن تدل أحدهم على عمل وتعلمه الصيد بدلا من أن تمنحه سمكة من أجل الأعمال وأفضلها قبولا عند الله. تطبيقا للهدي النبويّ في الحديث المروي عن: عن أبي عبدالله الزُّبيرِ بن العوام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لأن يأخذ أحدُكم أَحْبُلَهُ ثم يأتي الجبل، فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها، فيكُفَّ الله بها وجهه، خيرٌ له من أن يسأل الناس، أَعطَوه أو منعوه” [رواه البخاري].

وحين احتدم النقاش قالوا لي ما نفعله من أعمال البر مع مواطني الدول الأخرى: “نستألف قلوبهم لندخلهم الإسلام”، وهل المسلمون بعددهم الملياري أم بتأثيرهم؟ لقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال “ولكنكم غثاء كغثاء السيل”.

إن كثيرا من الناس يدخلون الإسلام بقناعاتهم، لا بالسعي إليهم وإقناعهم في عصر الإنترنت والفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي. انظروا إلى الحراك العالمي الذي يناصر غزة في محنتها وحصارها وإبادتها إنهم علماء من مسلمين ومسيحيين، ويهود وعلمانيين، وليس ممن استألفتم قلوبهم وتقولون سيصبحون مسلمين.

انتبهوا يا رفاق فإنَّ الرأسمالية العالمية ومن ورائها الحركة الصهيونية تسعى لاستنزاف ثروات بلادكم، ويبنون بلادهم بأموالكم.. فهل من يقظة تحيي الأمة، فالمؤمن القوي خير وأحب عند الله من المؤمن الضعيف.

وإلى اللقاء!

شاركها.