حمود بن سعيد البطاشي
ما يحدث اليوم في غزة، وفي عموم فلسطين المحتلة، تجاوز حدود المعقول، وتخطّى كل ما يمكن أن يوصف به من وحشية ودموية. نحن لا نتحدث عن حرب متكافئة بين جيشين، بل عن مجازر ممنهجة تُرتكب في وضح النهار، أمام مرأى ومسمع العالم أجمع، دون رادع أو مساءلة.
إنها ليست حربًا عادية، بل إبادة جماعية تطال الإنسان، والحيوان، والحجر، والشجر. أطفال يُذبحون، رُضّع تُسحب أرواحهم من تحت الركام، نساء تُدفن أحياء، شيوخ يلفظون أنفاسهم الأخيرة على أبواب المستشفيات المدمرة، وجنين يُقتل في بطن أمه تحت قصفٍ لا يرحم. أي عالم هذا الذي لا يحرّك ساكنًا أمام كل هذا الجحيم؟
نُشاهد المجازر اليومية، ونسمع أنين الضحايا، ونعرف يقينًا أن ما يحدث هو جرائم حرب مكتملة الأركان، بل جرائم ضد الإنسانية. ومع ذلك، لا نجد سوى بيانات خجولة وتصريحات جوفاء من “منظمات حقوق الإنسان” و”المجتمع الدولي”. أين ذهبت تلك القيم التي طالما تغنّى بها العالم الحر؟ أين اختفت الإنسانية التي يدّعون حمايتها؟ هل أصبحت هذه المنظمات مجرد أدوات ناعمة بيد الدول الكبرى، تُستخدم فقط عندما تخدم مصالحهم؟
إسرائيل، التي تمعن في القتل والتدمير، تمارس سلوكًا نازيًا لا يختلف كثيرًا عمّا فعله الطغاة في التاريخ. إنها دولة احتلال واستيطان وتمييز عنصري، تمضي في مشروعها الإجرامي تحت مظلة الحماية الدولية، وتبريرات إعلامية كاذبة، وتواطؤ دولي مفضوح.
إن صمت الدول الكبرى، وعلى رأسها من تدّعي الريادة في الدفاع عن حقوق الإنسان، ليس مجرد تجاهل، بل هو تواطؤ صريح، ومشاركة غير مباشرة في هذا الإجرام. ومن المؤلم أن نرى بعض الأنظمة العربية تكتفي بالمشاهدة أو حتى تبرر العدوان ضمنيًا، وكأنّ الدم الفلسطيني لا يعنيهم، وكأنّ هذه الأمة الممتدة من المحيط إلى الخليج فقدت شعورها الجمعي، وتبلدت أمام مشهد الموت الجماعي في غزة.
أما نحن أمة المليارين مسلم فقد أصبح وجودنا وكأنّه مجرد رقم في الإحصائيات، بلا تأثير ولا موقف موحد. كيف لأمة بهذا الحجم وهذا التاريخ أن تعجز عن الوقوف في وجه كيانٍ مغتصبٍ لا يتجاوز عدد سكانه بضعة ملايين؟ أليس فينا رجل رشيد؟ أليس في قادتنا من يقول: “كفى” لهذا الظلم، ويقف ليقول للعالم إن لفلسطين من يدافع عنها؟
لسنا بحاجة لمظاهرات موسمية، ولا لخطابات حماسية، بل نحتاج إلى تحرك عملي، إلى موقف جماعي عربي وإسلامي يعيد لفلسطين حقها، ولفصائل المقاومة دعمها، ويضع حدًا لهذا الغول الصهيوني الذي يلتهم كل شيء دون حساب.
غزة اليوم ليست فقط اختبارًا لصمود أهلها، بل اختبار حقيقي لضمير العالم، وفضيحة كبرى للمنظمات الدولية التي سقطت أقنعتها. إنهم لا يرون إلا بعين واحدة، ويسمعون فقط ما يريدون سماعه، ويقفون دومًا إلى جانب الظالم ضد المظلوم.
أقولها بمرارة: ما تفعله إسرائيل في غزة وفلسطين هو جريمة نازية حديثة، تنفذها بأحدث الأسلحة، وتغطيها بأكاذيب الإعلام، وتباركها قوى عالمية فقدت شرفها الأخلاقي. والتاريخ لن ينسى من سكت أو تواطأ، ولن يغفر لمن مد يده لهذا الكيان المجرم.
ستبقى غزة عنوانًا للكرامة، وستبقى فلسطين في قلب كل حرّ. وسنظل نكتب ونصرخ ونشهد للتاريخ أن هناك شعبًا يُباد، وأن هناك أممًا اكتفت بالمشاهدة.