جابر حسين العُماني **

[email protected]

نعيش اليوم في زمن تتسارع فيه الأحداث وتضيق فيه الأوقات، ولم يعد الناس يطيقون استماع الخطب المطولة، ولهذا نسمع بين الحين والآخر من يرفع صوته مطالبًا صُناع المحتوى على شبكات التواصل باختصار ما يقدمونه للناس حتى يتمكن الجميع من المتابعة، مما أدى إلى ظهور محتوى الفيديو القصير، وهو ما أودُ تسليط الضوء حوله في مقالي هذا حتى نتمكن من وضع النقاط على الحروف بشكل صحيح.

لقد استطاع الفيديو القصير اليوم في الساحات العربية والاسلامية والأجنبية أن يتحول إلى أداة سحرية جاذبة لملايين البشر، لأنه صار متناسبا مع عقل وتفكير الانسان العصري الذي يسعى دائما لاستلام المعلومات بشكل سريع ومباشر، وباختصار الكثير من الكلام في دقائق معدودة لا تتعدى الخمس دقائق أحيانا، بحيث استطاع ايصال الكثير من الرسائل التوعوية التي يحتاج إليها المجتمع لإحياء الضمائر وتحفيز الناس على التعامل مع الإيجابيات واجتناب السلبيات.

وقد أثبتت الكثير من المقاطع المصورة القصيرة فعاليتها في الوصول إلى قلوب الناس بشكل أفضل وأسرع، وذلك لسهولة انتشارها وزيادة جرعات الوعي من خلالها، خصوصا في الموارد الحساسة التي يحتاج إليها الناس، فأصبح من السهل تبسيط المعلومة من خلالها بشكل جاذب ومؤثر.

وهنا لا بُد من طرح سؤال مُهم جدًا: هل نُحسن فعلًا صناعة الفيديو القصير والهادف قبل نشره في وسائل التواصل الاجتماعي أم لا؟

الجواب: مع الأسف الأغلب لا يحسنون صناعة الفيديو القصير والهادف وذلك لعدم وجود الإبداع البصري والتقني عند البعض، ولضمان نجاح ذلك، ينبغي توفير الأدوات اللازمة لتحقيق الأهداف المنشودة وهي كالآتي:

  • أولًا: الاحتراف في التصوير والمونتاج بقدر المستطاع.
  • ثانيًا: تحديد الأهداف المناسبة لصناعة محتوى هادف، وذلك يأتي من خلال إعداد مواد مصورة تهدف إلى تعزيز نجاح وازدهار المجتمع، ويشمل ذلك معالجة قضايا كثيرة مثل الصحة العامة لأبناء المجتمع، وتعزيز احترام الأديان والقيم الإنسانية، والتأكيد على أهمية التعليم، وأهل العلم من العلماء والمواهب المختلفة في المجتمع، والابتعاد عن المحتوى غير الهادف.
  • ثالثًا: العمل على ايصال الرسائل الهادفة للجماهير المختلفة، وذلك من خلال اعتماد أساليب متنوعة مثل: عرض القصة القصيرة والمؤثرة، وابداء النصائح النفسية بأسلوب سلس ومتقن وليس معقد، نابع عن علم ودراية وحكمة ومصادر موثوقة، بحيث يكون مقبولا لدى الجميع.

ومن المهم توخي الحذر الشديد عند صناعة الفيديو القصير، فينبغي أن لا يتحول إلى أداة هدم وتضليل وتشويه لأبناء المجتمع، لذا لابد من التركيز على انتاج المحتوى المسؤول والصادق والهادف الذي ينبع من القلب ليلامس قلوب الجماهير.

ومع ان الفيديو القصير له مميزاته الخاصة به إلا أن له أيضا مخاطر وتحديات وسلبيات يجب الانتباه لها جيدا والتي منها:

  • أولًا: سطحية الفيديو القصير، ففي بعض الأحيان لشدة اختصار معلومات الفيديو وتبسيطها يرتكب البعض خللا غير مرغوب فيه على الاطلاق وهو انتاج مادة علمية ناقصة ومغلوطة لا قيمة لها في الواقع الاجتماعي.
  • ثانيًا: انتشار الشائعات، وذلك من خلال تداول مقاطع فيديو قصيرة تحتوي على معلومات مضللة من غير التحقق من صحتها قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ (النور: 19).
  • ثالثًا: شعور صناع الفيديو أحيانا بضغوط نفسية أثناء اعداد الفيديوهات القصيرة التي يسعون لإيصالها للحصول على مشاهدات عالية من خلال برامج التواصل الاجتماعي، مما يجعلهم أحيانا يقدمون محتوى غير لائق بهم وبمجتمعاتهم، وبالتالي يكون ذلك على حساب القيم والمبادئ الانسانية وعدم احترام المصداقية قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ).

وصانع محتوى الفيديو القصير ليس بحاجة إلى كاميرات احترافية، أو ميزانيات غالية الثمن، بهدف انتاج فيديو قصير، فيكفيه هاتفه الذكي، وفكرته الواضحة، ورسالته الهادفة، حتى يتمكن خلال دقائق معدودة من نشر ما أعده من فيديوهات هادفة للجميع.

وهنا علينا ان نسأل أنفسنا ماذا نستفيد من صناعة الفيديو القصير بكيفية جاذبة ونافعة؟

والجواب على ذلك: الجميع يستطيع الاستفادة من محتوى الفيديو القصير، لكن بالتركيز على صناعة المحتوى النافع وليس الاهتمام فقط بعدد المشاهدات واللايكات (الإعجابات)، كما ينبغي التأكد من صحة المعلومات المراد نشرها قبل النشر، واستغلال الفيديوهات القصيرة بشكل أفضل لخدمة الناس وثقافتهم الانسانية، وذلك باستخدام وصناعة المقاطع القصيرة كوسيلة نافعة للتعلم بدلًا من الفراغ والكسل والبطالة.

وأخيرًا.. عندما نتحدث عن أهمية المقاطع المصورة القصيرة من خلال صناعة محتوى فيديو قصير، لا يعني ذلك التقليل من شأن المقاطع المُطوَّلة؛ بل على العكس تمامًا؛ فهناك من المقاطع المطولة، لكنها تحتوي على الكثير من الفوائد الكثيرة والكبيرة التي يجب الاستفادة منها وعدم إهمالها؛ لِمَا لها من أهمية كبيرة في نشر الخير والصلاح بين أفراد المجتمع.

عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء

شاركها.