محمد السعداوي

مصر ما زالت قادرة على جمع الفرقاء وصياغة رؤية جديدة للسلام تقوم على الحوار لا على الإملاءات، إنَّ استضافة القمة في سيناء ليست حدثًا عابرًا؛ بل رسالة سياسية للعالم بأنَّ القاهرة باقية في موقعها الطبيعي كـ«قلب العالم العربي» ومحور الشرق الأوسط، وركيزة أساسية لأي تسوية سياسية في المنطقة.

نعم في «شرم الشيخ» استضافت مصر، ممثلة في الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أكثر من 35 زعيمًا وقائدًا وممثلًا لكبرى دول العالم، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

الأنظار توجهت شاخصةً نحو مصر التي تؤكد مرة أخرى دورها المحوري في دعم القضايا العربية وقيادة مسارات السلام في المنطقة.

ومدينة شرم الشيخ ليست مجرد وجهة سياحية فقط؛ بل إنها رمز أصيل للسلام، وحاضنة للتفاوض وساحة للتجمعات الدولية، منذ عهد الرئيس الراحل محمد حسني مُبارك، وقد احتضنت العديد من المؤتمرات والقمم الدولية، من بينها “قمة الأرض”، فضلًا عن مباحثات السلام العربية والإسرائيلية. وأضاف إلى المكانة السياسية لشرم الشيخ، ارتباطها بسيناء وانتصارات أكتوبر 1973 واستكمال مفاوضات طابا؛ مما جعلها مقرًا دائمًا للحوارات التي تهدف إلى ترسيخ الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.

إن دعوة الرئيس السيسي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب جاءت ضمن رؤية استباقية تعكس حرص القاهرة على إشراك القوى الكبرى في صناعة السلام، خاصة أن القمة تأتي استكمالًا لـ«خطة ترامب» ذات البنود العشرين التي خضعت لتعديلات من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.

حرص الرئيس السيسي على أن تكون مصر حاضنة وراعية للمفاوضات بين حركة حماس وإسرائيل، ليخرج هذا الاتفاق التاريخي ليحقق الاستقرار الإقليمي؛ حيث لعب المفاوض المصري، وتحديدًا جهاز المخابرات العامة، دورًا مُهمًا، لوقف الدمار والحصار الممارس على أهلنا في غزة قرابة عامين، تم خلالهما تدمير البنية الأساسية للقطاع وقتل وتشريد مئات الآلاف من الفلسطينيين.

إن قائمة القادة المشاركين في القمة، لم يشهدها اتفاق سياسي سابق، فهذا العدد من القادة والزعماء يعكس رغبة المجتمع الدولي في دعم الوساطة المصرية والاعتراف بقدرتها على جمع الأطراف المتنازعة حول طاولة واحدة.

لماذا غاب نتنياهو عن الحدث؟

قال رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه لن يحضر بذريعة “الأعياد الدينية”، رغم حضوره قبل ساعات من قمة شرم الشيخ، اجتماعًا موسعًا في الكنيست مع ترامب، والحقيقة أن عددًا من القادة اشترطوا عدم حضوره، بينما الرئيس ترامب هو الذي ضغط وطلب حضوره، ولكن كيف يحضر ومنذ أسابيع انسحبت الوفود عند إلقاء كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة، كيف يحضر وقد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحقه؟

«إيران» غابت عن المشهد؟

إيران غابت عن المشهد ولم تسع إلى تواصل مباشر مع الرئيس الأمريكي؛ فالمشاركة الإيرانية لو حدثت لكانت سيفًا ذا حدين؛ فمن جهة يمكن أن تمثل اختراقًا في العلاقات الدولية يسهم في تحريك الملف النووي الإيراني، ومن جهة أخرى قد تُعد اعترافًا ضمنيًا بإسرائيل، وهو ما لم تُقدم عليه طهران من قبل.

وفي النهاية.. يمكن القول إنَّ مصر ما زالت قادرة على جمع الفرقاء وصياغة رؤية جديدة للمنطقة، وهذا ما عهده الجميع في مصر؛ فالمصريون يصنعون التاريخ دائمًا.

شاركها.