حاتم الطائي

 

نأمل أن تتمخض عن القمَّة حزمة قرارات لا توصيات ولا مُطالبات

 

هُنا من دوحة الخليج ولؤلؤته التي تتفرَّد بأصالتها وتطوُّرها، أكتبُ لكم، من عاصمة الاستقرار والازدهار، بينما تتسارع الوفود القادمة للمُشاركة في الاجتماع الوزاري رفيع المستوى لوزراء خارجية الدول العربية والإسلامية، استعدادًا للقمة العربية الإسلامية الاستثنائية المُرتقبة على مستوى القادة؛ للرد على العدوان الصهيوني الغاشم والجبان، والذي حاول بكل فشل استهداف قيادات الشعب الفلسطيني، وتحديدًا الوفد السياسي المُفاوِض لإنهاء حرب الإبادة التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة.

تجتمعُ الأُمَّة العربية والإسلامية في قطر، كعبة المضيوم، من أجل بناء موقف مُوَحَّد، يضع حدًا لغطرسة كيان الاحتلال البربري، الذي يعيث في المنطقة فسادًا وإفسادًا، مُستعينًا بكل أسف بحليفه الأمريكي الذي لم يعُد خافيًا على أحد مدى تواطؤه فيما يجري بإقليمنا المُلتهب من أحداث كبرى. تلتئم هذه القمَّة الاستثنائيةُ، في أعقاب عدوانٍ غير مسبوقٍ على دولة خليجية وعربية وإسلامية، لم تكن يومًا في حالة حرب مع هذا الكيان الخسيس، رغم بلا شك الموقف المُناهِض لجرائم الاحتلال، لكنَّ الدوحة لم تكن يومًا سوى رسول سلام، ووسيط نزيه، يُكرِّس كل إمكانياته الدبلوماسية من أجل نزع فتيل الأزمات عن منطقتنا، التي ابتُليَت بهذا السرطان الخبيث المُسمّى “إسرائيل”.

أنظار العالم اليوم كُلها مُتَّجِهة صوب قطر، بعد أن شنَّ الاحتلال الصهيوني عدوانه الآثم على الدوحة يوم الثلاثاء الماضي، وبعد أن أصدر مجلس الأمن الدولي بيانًا أدان بالإجماع هذا العدوان، وشدَّد على دعم سيادة قطر، كما أعرب عن “أسفه البالغ” لسقوط مدنيين ضحايا جراء العدوان، وهو ما يُؤكد مكانة قطر العالمية ودورها الفاعل على الساحة الدولية والأُممية. وقبل ذلك، أعرب العديد من دول العالم في قاراته المُختلفة، عن إدانتها الشديدة لهذا العدوان الذي يُمثِّل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، واعتداءً سافرًا على السيادة القطرية.

كُل ذلك يؤكد أنَّنا أمام لحظة تاريخية ومفصلية في معركتنا مع هذا العدو الصهيوني الوحشي، ذلك الكيان المارِق الذي يتحدّى كل القوانين والشرائع والأعراف الدولية، ويدوس بقدميه على المواثيق والقرارات الأممية؛ بما فيها القرار الخاص بتأسيسه المزعوم. وهذه اللحظة تتطلب من جميع الدول التي ستجتمع يوم الإثنين، هنا في الدوحة، أن تتخذ قرارات على مستوى القمَّة المنعقدة، وبما يتماشى مع حجم الجُرم الصهيوني الذي اقترفه مجرم الحرب بنيامين نتنياهو، وضمان تنفيذ هذه القرارات لدعم حقوق الشعب الفلسطيني كاملةً، ومحاسبة الكيان الصهيوني على جرائمه في كل بقعة حول العالم، وتقديم كبار مسؤوليه المتطرفين: نتنياهو وبن غفير وسموتريش وغيرهم للعدالة الدولية، ومحاكمتهم بارتكاب جرائم إبادة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ليكونوا عبرة لكل مُجرم سفّاح في هذا الكيان الدموي.

ومن هذا المنطلق، فإننا نأمل أن تتمخض عن القمَّة العربية الإسلامية الاستثنائية، حزمة قرارات لا توصيات ولا مُطالبات تتضمن إعلان قطع العلاقات كاملة مع هذا الكيان المُجرم المُعتدي على أمن الخليج وأمن الدول العربية والإسلامية، والانسحاب مما يُسمى بـ”اتفاقات إبراهيم”، وطرد وسحب السفراء في الدول التي تُقيم علاقات دبلوماسية. إلى جانب فرض عقوبات اقتصادية على الكيان الصهيوني، تتضمن منع أي شركة دولية تعمل في دولة الاحتلال أو مُموَّلة من استثمارات إسرائيلية، من العمل في الدول العربية والإسلامية، وتفعيل لجنة المقاطعة العربية لإسرائيل، لضمان التزام الدول، وتوسيع نطاق عمل هذه اللجنة ليشمل التعاون مع مختلف دول العالم المؤمِنة بالعدالة. كما نأمل أن تتخذ القمة قرارًا بالإجماع لغلق المجال الجوي أمام جميع الطائرات الإسرائيلية، وعدم السماح لأي سفن بحرية تجارية مُتَّجِهة إلى إسرائيل، بالرسو في الموانئ العربية والإسلامية.

ويُعوَّل على هذه القمَّة أن تدعم جهود إعلان الدولة الفلسطينية المُستقلة على حدود يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشريف، وضمان حقوق الشعب الفلسطيني، وأهمها: حق العودة، وإطلاق سراح جميع الأسرى في سجون الاحتلال، ومنح الدولة الفلسطينية كافة الحقوق للتصرُّف في مواردها الاقتصادية والطبيعية.

كما نأمل من هذه القمَّة، أن يتضمن البيان الختامي التأكيد على حق الشعب الفلسطيني في مقاومة المُحتل، وهو حق يكفله القانون الدولي، ومخاطبة مجلس الأمن الدولي لإجبار إسرائيل على الانسحاب الفوري من قطاع غزة وإنهاء حرب الإبادة، ووقف مخطط التهجير القسري واقتلاع سكان فلسطين من أرضهم، في ظل ما يجري بالضفة الغربية المحتلة أو في القدس، فضلًا عن قطاع غزة.

ولا شك أنَّ المطالبة بإنشاء صندوق مالي تنموي لدعم بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية وتحقيق الرخاء للشعب الفلسطيني، يمثل أولوية قصوى، نأمل أن يتضمنه البيان الختامي للقمَّة. كما نأمل العمل على إطلاق صندوق وقفي إسلامي لحماية المسجد الأقصى المبارك، وشراء الأراضي المحيطة به، لمنع مُخطط هدمه وتخريبه.

إنَّنا لسنا أمام قمَّة اعتيادية ولا اجتماعًا يُصنَّف على أنَّه ردة فعل تجاه العدوان على قطر؛ بل إنها قمَّة المصير المُشترك، ليس فقط للدول العربية أو الإسلامية، ولكن المصير المُشترك للإنسانية، المصير المُشترك للعدالة، المصير المُشترك للحق في العيش الكريم والاستقرار والسلام؛ امتثالًا لقوله تعالى: “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا“.

شاركها.