تحقيق: ناصر أبوعون

يقول الشَّيخُ القاضِي الأجَلّ عِيَسى بِنْ صَالِحٍ بِنْ عَامِرٍ الطَّائِيُّ: [(وَالْبِدْعَةُ الثَّالِثَة الَّتي أَشَارَ عَلَيْهَا السُّلْطَانُ؛ إِنَّهُ فِي أَوْلِ يَوْمٍ تَنْزِلُ الشَّمْسُ بُرْجَ الحَمَل؛ وَهُوَ أَوَّلُ النَّيْرُوزُ عَنَدَهُا يَجْتَمِعُ عَبِيْدُهُمْ وَصِغَارُهُمْ بِقَارَعَةِ الطَّرُقِ، فَكُلُّ مَنَ رَأَوْهُ مَارًّا هَجَمُوا عَلَيْهِ، وَرَمَوْهُ، وَنَضَحُوْهُ بِمَاءٍ بِهِ بَوْلُ الْبَقَرِ وَأَرْوَاثِهَا عَلَى غُفْلَةٍ مِنْهُ، وَيَعَدُّوْنَ ذَلِكَ مِنْ وَاجِبَاتِهِمِ الْمَفْرُوْضَةَ عَلَيْهِمِ؛ فَلَا يَرْحَمُون صَغِيرًا، وَلَا يُوَقِّرُونَ كَبِيْرًا. وَالْأَوَانِي الْمَمْلُوْءَةُ مَاءً بِأَيْدِيِهِمْ كُلَّمَا خَلَتْ مَلَؤُهَا مَرَّةٍ أُخْرَى، وَيَظَلُّونَ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ. والثَّلَاثُ هَذِهِ بِدَعٌ وَعَادَاتٌ قَبِيْحَةٌ.)]

….

25 اسمًا للشمس

قال الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [(وَالْبِدْعَةُ الثَّالِثَة الَّتي أَشَارَ عَلَيْهَا السُّلْطَانُ؛ إِنَّهُ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ تَنْزِلُ الشَّمْسُ بُرْجَ الْحَمَل)]

(أَشَارَ) فعلٍ متعدٍ بالحرف من (شَوَرَ)، والمعنى: (أشار السلطان تيمور غفر الله له إلى هذه البدعة وذكرها وأبرزها لهم)؛ وذلك للتحذير من عاقبة المداومة على إحيائها، وتأكيدًا منه على مخالفتها للشريعة الإسلامية السمحاء. والشاهد اللغويّ على كلمة (أشار) نجده في قول زهير بن أبي سُلمى المُزنيّ: [كَذَلِكَ خِيمُهُمْ، وَلِكُلِّ قَوْمٍ/ إَذَا مَسَّتْهُمُ الضَّرَّاءُ خِيْمُ – وَإِنْ سُدَّتْ، بِهِ لَهَوَاتُ ثَغْرٍ/ (يُشَارُ) إِلَيْهِ جَانِبُهُ سَقِيْمُ(01)]. (إِنَّهُ) من الحروف الناسخة، المشبّهة بالفعل، يدلّ على التوكيد. وشاهده النحويّ نقرأه في بيت شعر منسوب إلى مالك بن فهم الأزديّ يقول فيه: [جَزَاهُ اللهُ مِنْ وَلَدٍ جَزَاءً/ سُلَيْمَةَ؛ (إِنَّهُ) شَرًّا جَزَانِي(02)] (أَوَّل يَوْمٍ)، (أَوَّل)، والأول من (الأعداد) ذلك الرقم الذي يفتتحها، وله ثانٍ يتلوه. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول أُمامة بنت الحارث الشيبانيّ، وهي توصي ابنتها في التعامل مع زوجها: [ثُمَّ اِتَّقِي مَعَ ذَلِكَ الْفَرَحَ إِنْ كَانَ تَرِحَا، وَالْاِكْتِئَابَ عِنْدَه إِنْ كَانَ فَرِحَا؛ فَإِنَّ الْخَصْلَةَ الْأُوْلَى مِنْ التَّقْصِيْرِ، وَالثَّانِيَةَ مِنَ التَّكْدِيْرِ (03)] (تَنْزِلُ الشَّمْسُ)، (تَنْزِلُ)؛ فعل مضارعٌ يفيد التجدّد والاستمرار والمداومة – بإذن الله تعالى، ودالٌّ على (المَنْزِل)، أي: وقت نزول وحلول الشمس في برج الحَمَل في الفترة من 21 مارس إلى 19 من أبريل. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول الحُطيئة يصف جيشًا عرمرمًا أوّله نار على رؤوس الجبال ليهتدي آخره بها: [إِذَا كَانَ مِنْهُ (مَنْزِلُ) الَّليْلِ أَوْقَدَتْ/ لِأُخْرَاهُ بِالْعَالِي الْيَفَاعِ أَوَائِلُهُ(04)]. (الشَّمْسُ) مفرد مذكر، وجمعه (شموس)، و(أشماس)، و(شُمُس). وهو نجم مُشِّعٌ بذاته، وله خمسة وعشرون اسمًا في اللغة العربية؛ هي:(الجونة)، و(الجوناء)، و(ذكاء)، و(الْعين)، و(حناذ)، و(الصقعاء)، و(الْبَيْضَاء)، و(السراج)، و(الشرق)، و(الشارق)، و(الشريق)، و(الشرقة)، و(الضح)، و(الضُّحَى)، و(الغورة)، و(الْعَجُوز)، و(البتيراء)، و(البسرة)، و(الغزالة)، و(الطِّفْل)، و(الْجَارِيَة)، و(الإلاهة)، و(الْآلهَة)، و(الألوهة)، و(الأليهة)(05). وشاهدها اللغويّ نقرأه في قول الشاعر عامر بن الظَّرْب العَدْوانيّ: [أَضَاءَتْ لَهُمْ أَحْسَابُهُمْ، فَتَضَاءَلَتْ/ لِنُوْرِهِمُ وَ(الشَّمْسُ) الْمُنِيْرَةُ وَالْبَدْرُ(06)]. و(الشَّمْسُ) مصطلح في علم الفلك، ومعناه: نجمٌ منير بذاته، يضيء نهارًا، كُرَوِّي الشكل، وكان يُعدُّ من السبعة السيارة الدائرة حول الأرض. وتُحدِّد حركةُ الشمس الظاهريّةُ السنةَ الشمسيةَ. ونقرأ شاهدَه العلميّ الفلكيّ في قول ابن البطريق: [وجُرْمُ الشمسِ أعظمُ من أجرامِ سائرِ الكواكبِ كلِّها، وهو سريعُ الحركةِ، قريبٌ منا. فـ(الشمسُ) وحدَها لَهَا أكثرُ القوةِ من غيرِها على توليدِ الحرارةِ(07)].

(بُرْج) يونانية و(الحَمَل) أول الربيع

(بُرْج) معناه: (الحصن= البيت الذي يُبْنى على أسوار المدينة)، وهو مفرد وجمعه: (بُرُوج)، و(أَبْرَاج)، و(أَبْرِجَة)، و(أَبْرُج)، وفي القرآن سورة كاملة تُسمّى (البروج) وهي مكية، من المفصّل، عدد آياتها 22، وترتيبها في المصحف رقم 85، من الجزء الثلاثين، والآية الأولى فيها بدأت بالقسم {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} و(الْبُرُوجِ) لفظٌة مُعَرَّبٌة من اليونانية القديمةPURGOS ، ونجدها في اللغة السُّريانية أيضا نطقًا ولفظًا ومعنى(08)، وهو مصطلح فَلَكيّ يشير إلى أحد الأقسام الإثني عشر المكوِّنة لدائرة البروج. ونقرأ شاهده اللغوي التاريخيّ في قول قُسّ بن ساعدة الإياديّ يُعدِّدُ دلائل قدرة الله: [آيَاتٌ مُحْكَمَات، مَطَرٌ وَنَبَات، وَآبَاءٌ وَأُمَّهَات، وَذَاهِبٌ وَآت.. وَلَيْلٌ دَاج، وَسَمَاءٌ ذَاتُ (أَبْرَاج)] (09). وفي تفسير قول الله سبحانه وتعالى :{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ}، قال الطبريّ: (والسماء ذات منازل الشمس والقمر، وذلك أن البروج جمع برج، وهي منازل تتخذ عالية عن الأرض مرتفعة، ومن ذلك قول الله:{وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}، وهي منازل مرتفعة عالية في السماء، وهي اثنا عشر برجًا، فمسير القمر في كلّ برج منها يومان وثلث، فذلك ثمانية وعشرون منـزلا ثم يستسرّ ليلتين، ومسير الشمس في كلّ برج منها شهر).و(الْحَمَل) أحد الأبراج الاثنتي عشرة الأصلية في دائرة الأبراج الواقعة على طول المسار السنويّ الظاهريّ للشمس عبر السماء، و يقع الحملُ ما بين كوكبتي الثور والحوت، وأيضا يُسمى برج الكبش، وفي أوله بداية الاعتدال الربيعيّ. ونقرأ شاهده العلميّ في قول ابن البطريق:(إِذَا حَلَّتِ الشَّمْسُ أَوَّلَ دَقِيقَةٍ مِنْ بُرْجِ (الْحَمَلِ)، فَهُوَ أَوَّلُ زَمَنِ الرَّبِيْعِ، وَمُدَّتُهُ عَلَى رَأْي الْأَطِبَّاءِ ثَلَاثَةٌ وَتُسْعُونَ يَوْمًا وَثَلَاثٌ وعِشْرونَ سَاعَةً وَرُبُعُ سَاعَةٍ(10))، ونقرأ شاهده الشعريّ واللغويّ في قول علي بن أبي طالب: [خَوَّفَنِي مُنَجِّمٌ أَخُو خَبَلْ/ تَرَاجُعَ الْمِرِّيْخِ فِي بَيْتِ (الْحَمَلْ)(11)]

النيروز عيد الفرس الأكبر

قال الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [(وَهُوَ أَوْلُ النَّيْرُوزُ عَنَدَهُا يَجْتَمِعُ عَبِيْدُهُمْ وَصِغَارُهُمْ بِقَارَعَةِ الطَّرُقِ)].

وَ(النَّيْرُوزُ)، مفرد والجمع (نَيَارِز)، وهي لفظة فارسية مُعرّبة مكونة من مقطعين (نُو= جديد + رُوز= يوم) ومعناها:(اليوم الجديد)، وهو من أعياد الفُرس، ويوافق أول يوم من السنة الشمسية، واليوم الحادي والعشرين من آذار/مارس، وهو أكبر أعيادهم. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول بعض الناس: [إِنَّهُ يَوْمٌ نَيْرُوز(12)]، ويقول صاحب (مواهب الجليل):”هُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ السَّنَةِ الْقِبْطِيَّةِ والسِّرْيانِيَّةِ وَالْعَجَمِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ وَمَعْنَاهُ الْيَوْمُ الْجَدِيدُ، وَهُوَ عِنْدَ الْفُرْسِ سِتَّةُ أَيَّامٍ أَوَّلُهَا الْيَوْمُ الْأَوَّلُ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ شَهْرِ سَنَتِهِمْ وَيُسَمُّونَ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ (نَيْرُوزَ الْخَاصَّةِ) وَالسَّادِسَ (نَيْرُوزُ الْعَامَّةِ) وَ(النَّيْرُوزُ الْكَبِيرُ) وَالْمِهْرَجَانُ وَيُسَمَّى عِنْدَهُمْ (الْعَنْصَرَةُ)، وَهُوَ مَوْلِدُ يَحْيَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَهُوَ عِيدٌ عَظِيمُ الشَّأْنِ عِنْدَ الْفُرْسِ، وَهُوَ الْيَوْمُ السَّادِسُ مِنْ شَهْرِ مُهْرَمَاهُ سَابِعُ أَشْهُرِ السَّنَةِ الْفَارِسِيَّةِ وَ(آخِرِ يَوْمٍ مِنْ بَئُونَةَ) مِنْ السَّنَةِ الْقِبْطِيَّةِ، وَهُوَ أَيْضًا سِتَّةُ أَيَّامٍ وَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ الَّذِي هُوَ سَادِسَ عَشَرَ مَهْرُمَاه يُسَمَّى مِهْرَجَانَ الْعَامَّةِ وَالْيَوْمُ السَّادِسُ الَّذِي هُوَ حَادِي عِشْرِينِهِ يُسَمَّى الْمِهْرَجَانَ الْكَبِيرَ لِلْخَاصَّةِ وَالْفِصْحُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا وَسُكُونِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْحَاءِ، وَقَالَ عِيَاضٌ: الْفِصْحُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَإِهْمَالِ الصَّادِ وَالْحَاءِ يَوْمُ فِطْرِ النَّصَارَى مِنْ صَوْمِهِمْ اهـ. وَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَرَأَيْتُ فِي نُسْخَةٍ مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ ضَبْطَهُ فِي أَوَّلِ بُيُوعِ الْآجَالِ بِفَتْحِ الْفَاءِ نَاقِلًا لَهُ عَنْ عِيَاضٍ وَلَعَلَّهُ غَلَطٌ مِنْ النَّاسِخِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَمَّا صَوْمُ النَّصَارَى وَالْأَشْهُرُ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا مِنْ السَّنَةِ الْقِبْطِيَّةِ وَالْعَجَمِيَّةِ فَمَعْلُومَةٌ غَيْرَ أَنَّ الْيَوْمَ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ الْأَشْهُرِ الْمَعْلُومَةِ دُخُولُهُ فِيهَا يَتَغَيَّرُ بِالنِّسْبَةِ لِكُلِّ يَوْمٍ مِنْهُ فَدُخُولُهُ فِي الْأَشْهُرِ الْقِبْطِيَّةِ دَائِرٌ مَا بَيْنَ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ (أَمْشِيرَ) إلَى رَابِعِ يَوْمٍ مِنْ (بَرْمَهَاتٍ) وَفِي الْعَجَمِيَّةِ هُوَ أَقْرَبُ اثْنَيْنِ إلَى الِاجْتِمَاعِ الْكَائِنِ فِيمَا بَيْنَ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ شُبَاطَ إلَى الْيَوْمِ الثَّامِنِ مِنْ آذَارَ وَلَهُ طُرُقٌ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى مَعْرِفَةِ الْيَوْمِ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ مِنْ الْأَشْهُرِ الْمَذْكُورَةِ وَأَيَّامُ صَوْمِهِمْ خَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَالْيَوْمُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ هُوَ فِطْرُهُمْ الْمُسَمَّى بِالْفِصْحِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ وَالْمِيلَادُ هُوَ اللَّيْلَةُ الَّتِي صَبِيحَتُهَا الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ كَانُونَ الْأَوَّلِ وَيَنْجَبِرُ وَالتَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ (كِيَهْكَ) وَيُسَمَّى عِيدَ الْمِيلَادِ وَيَعْنُونَ بِهِ مِيلَادَ الْمَسِيحِ (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ: إنَّمَا يَجُوزُ إلَى (النَّيْرُوزِ) وَمَا مَعَهُ إنْ عَلِمَا مَعًا حِسَابَ الْعَجِّ وَإِنْ جَهِلَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ(13)

الاجتماع على ناصية الطرق

(يَجْتَمِعُ) بمعنى (يحتشد). وشاهده اللغويّ نقرأه في قول لقيط بن يعمر الإيادي يحثُّ قومه حتى يستعدوا لقتال جيش كِسْرى: [وَيَلْبَسُوْنَ ثِيَابَ الْأَمْنِ ضَاحِيَةً/ لَا (تَجْمَعُونَ)، وَهَذَا الَّليْثُ قَدْ (جَمَعَا)(14)]. (عَبِيْدُهُمْ)، و(أَعَابِد)، و(عِبَاد)، و(أَعْبُد)، و(عِبْدَان)، و(عِبِدَّى) كلها جموع والمفرد منها: (عَبْد) ومعناه: المملوك من الناس. وشاهده في قول هُناءة بن مالك بن فهم الأزديّ: [سَيَأتِي عَلَى النَّاسِ مِنْ بَعْدِنَا/ زَمَانٌ بِهِ الْأَرْفَعُ الْأَسْفَلُ وَيَغُدُو بِهِ (الْعَبْدُ) مُسْتَعْلِيًا/ عَلَى مَنْ يَجُودُ وَمَنْ يَفْصِلُ(15)]. وفي قوله:(صِغَارُهُمْ)، و(أصغار) جموع، والمفرد منها:(صغير).والمعنى المقصود: (الذين لم يبلغوا الحُلُم أو الأطفال قليلي الشأن)، ونقرأ شاهده اللغويّ في شعر حاتم بن عبد الله الطائيّ: [فَقُلْتُ لِأَصْبَاهٍ (صِغَارٍ) وَنْسْوَةٍ/ بِشَهْبَاءَ مِنْ لَيْلِ الثلاثين قَرَّتْ: عَلَيْكُم مِنَ الشَّطَّيْنِ كُلَّ وَرِيَّةٍ/ إِذَا النَّارُ مَسَّتْ جَانِبَيْهَا اِرْمَعَلَّتْ(16)]بِـ(قَارَعَةِ الطَّرُقِ)، أي:(أعلاها).وشاهدها اللغويّ نقرأه في قول حاجز بن عوف الأزديّ: [سَأَلْتُ فَلَمْ تُكَلِّمْنِي الرُّسُومُ/ فَظَلْتُ كَأَنَّنِي فِيْهَا سَقِيْمُ– بِـ(قَارِعَةِ) الْغَرِيْفِ، فَذَاتِ مَشْيٍ/ إِلَى الْقَصْدَاءِ لَيْسَ بِهَا مُقِيْمُ(17)].و(الطَّرُقِ)، و(أَطْرِقَة)، و(أَطْرُق)، و(أَطْرِقَاء)كلها جموعٌ والمفرد منها:(طَرِيق)، وكلمة (الطريق) تؤنَّث وتُذكّر وِفْقَ السياق التعبيريّ. ونقرأ شاهده في قول أُحَيْحَة بن الجُلاح الأوسيّ، وهو يخاطب قاتل أخيه: [هُمْ نَكَّبُوكَ عَنِ الطَّرِيــ/ قِ؛ فَبِتَّ تَرْكَبُ كُلَّ لَابَهْ(18)]

(رأى) البصرية والقلبية

قال الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [(فَكُلُّ مَنَ رَأَوْهُ مَارًّا هَجَمُوا عَلَيْهِ، وَرَمَوْهُ، وَنَضَحُوْهُ بِمَاءٍ بِهِ بَوْلُ الْبَقَرِ وَأَرْوَاثِهَا عَلَى غُفْلَةٍ مِنْهُ)].

 (فَكُلُّ مَنَ رَأَوْهُ)، (كُلُّ) اسمٌ موضوعٌ لاستغراق الجنس، يفيد التوكيد. ونقرأ شاهده اللغويّ في بيت شعر منسوب إلى مالك بن فهم الأزديّ يقول فيه: [وَفِي (كُلُّ) أَرْضٍ لِلْفَتَى مُتَقَلَّبٌ/ وَلَسْتُ بِدَارِ الذُّلِّ طَوْعًا بِرَامِكِ(19)]. (مَنَ) (اسمٌ موصولٌ، يدلُّ على معنى (الَّذي)، يُستعمل للعاقل أو ما نُزِّلَ منزلتَه). ونقرأ شاهده في بيت شعر منسوبٍ إلى مالك بن فهم الأزديّ: [فَبَكُّوا، يَا بَنِيَّ عَلَيَّ حَوْلًا/ وَرَثُّونِي وَجَازُوا (مَنَ) رَمَانَي(20)] (رَأَوْهُ) أبصروه. وقد ورد البصر في اللغة العربية بدلالتين؛ حسيّة ومعنوية، والأصل فيه حِسّيٌّ لدلالته على حاسة اخبار عمان، فيُقال: (أبصرتُ الشيءَ)، أي: (رأيته)(21). والبصر هو النور الذي تُدركُ به العينُ المبصراتِ، و(البصر) اصطلاحًا يُعرفُ بأنّه الجوهر اللطيف الذي ركَّبه الله – سبحانه وتعالى في حاسة النظر، وبه تُدرِكُ حاسةُ النظر المبصراتِ(22). وكلمة (رَأَوْهُ) جاءت في هذا السياق (بصريّة) تتعدّى إلى مفعولِ واحد خلافًا لـ(رَأَى القلبيّة) التي تتعدّى إلى مفعولين. ونقرأ شاهدها في بيت شعر منسوب إلى سُلَيْمَة بن مالك بن فهم الأزديّ، يقول فيه: [أُقَلِّبُ طَرْفِي فِي الْبِلَادِ فَلَا (أَرَى)/ وُجُوْهَ أَخِلَّائِي الَّذِينَ أُرِيْدُ(23)].

إزعاج الصِّبية للمَارَّة بدعة

(مَارًّا) والمعنى: عابرًا ومُجتازًا الطريق. والشاهد فيه نجده في قول ثعلبة بن صُعير المازنيّ، يشبّه فيه ريش النَّعامة في تساقطه بليف النخلة يرمي به مُلَقِّحها: [يَبْرِي لِرَائِحَةٍ، يُسَاقِطُ رِيْشَهَا/ (مَرَّ) النَّجَاءِ، سِقَاطَ لِيْفِ الْآبِرِ(24)].(هَجَمُوا عَلَيْهِ)، أي: أقبلوا عليه بِشدّة. وشاهده اللغويّ نقرأه في شعر عنترة بن شداد العبسيّ، الذي يقول فيه: [وَلَمْ (يَهْجُمْ) عَلَى أُسْدِ الْمَنَايَا/ وَلَمْ يَطْعَنْ صُدُوْرَ الصَّافِنَاتِ(25)وَ(رَمَوْهُ) بمعنى: صوَّبُوا نحوه، وسدَّدوا إليه. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول مالك بن فهم الأزديّ، يصف فيه من جازاه على المعروف شرًّا: [أُعَلِّمُه الرِّمَايَةَ كُلَّ يَوْمٍ/ فَلَّمَا اِسْتَدَّ سَاعِدُهُ (رَمَانِي)(26)]. وَ(نَضَحُوْهُ)، أي: رَشُّوهُ. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول مُهلهِل بن ربيعة التغلبيّ: [وَكَانُوا قَوْمَنَا فَبَغَوا عَلَيْنَا/ فَقَدْ لَاقَاهُمْ لَفَحُ السَّعِيْرِ – تَظَلُّ الطَّيْرُ عَاكِفَةً عَلَيْهِمْ/ كَأنَّ الْخَيْلَ (تَنْضَحُ) بِالْعَبِيْرِ(27)]. وفي قوله:(بِمَاءٍ بِهِ بَوْلُ الْبَقَرِ)، إشارة إلى أنّ يأتي (الماء) أحيانًا بمعنى البول، ونقرأ شاهدَه التشريعيّ واللغويّ في الحديث النبويّ: (انتهيت إلى رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) وقد أهراق الماءَ فقلت السلامُ عليك يا رسولَ اللهِ فلم يردَّ علَيَّ، فقلت السلامُ عليك يا رسولَ اللهِ فلم يردَّ عليَّ، فقلت السلامُ عليك يا رسولَ اللهِ فلم يردَّ علَيَّ، فانطلق رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) وأنا خلفَه حتى دخل رَحْلَه ودخلت أنا في المسجدِ، فجلست كئيبًا حزينًا فخرج عليَّ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) وقد تطهَّر. فقال عليك السلامُ ورحمةُ اللهِ، عليك السلامُ ورحمةُ اللهِ، عليك السلامُ ورحمةُ اللهِ. ثم قال ألا أُخبرُك يا عبدَ اللهِ بنَ جابرٍ بأخير سورةٍ في القرآنِ؟ قلتُ: بَلَى يا رسولَ اللهِ. قال اقرأْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حتى ختمها)(28). و(بَوْلُ) اسمٌ مفرد، والجمع (أَبُول)، وهو السائل الذي تختزنه المثانة في الحيوان والإنسان، ثم تُطلقه من مخرجه المعروف. ونقرأ شاهدَه العلميّ واللغويّ في قول منسوبٍ إلى أرْبد بن ضابيءٍ الكِلابيّ، يهجو بني ربيعة بالجوع: [بِسَمْنَانَ (بَوْلُ) الْجُوْعِ مُسْتَنْقَعًا بِهِ/ قَدِ اصْفَرَّ مِنْ طُوْلِ الْإِقَامَةِ حَائِلُهْ(29)].

عشرة جموع لكلمة (الْبَقَر)

(الْبَقَر) اسم جنس مفرد مذكر، والمفرد المؤنث منه (بَقَرَةٌ)، والجمع منه على عشرة صور؛ هي: (بَوَاقِر)، و(بَاقِر)، و(أَبَاقِر)، و(بَيْقُور)، و(أَبْقُر)، و(بُقْرَان)، و(بُقَّار)، و(بُقُور)، و(بَقِير)، و(باقُورة). وهو حيوان بريٌّ أهْليٌّ من النَّعَم ذوات الظِّلْف، ضخم الجثة، ويُتَّخذُ منه اللبن. ونقرأ شاهده اللغوي في قول عامر بن ثعلبة الأزديّ؛ يتمرد فيه على سُكْنَى بُقاعٍ في وطنه: [أَبْلِغْ أُبَيْدَةَ أَنِّي غَيْرُ سَاكٍنَهَا/ وَلَوْ تَجَمَّعَ فِيْهَا الْمَاءُ وَالشَّجَرُ – وَلَا أُقِيْمُ بِذِي الْأَحْقَافِ مِنْ طَرَبِي/ كَمَا تَرُوحُ إِلَى أَوْطَانِهَا (الْبَقَرُ)(30)]. وكلمة (أَرْوَاثهَا) جمعٌ، والمفرد (رَوْث)، والمعنى: رَجِيعُ ذي الحافر من الدوابّ، ونقرأ شاهده اللغويّ في الحديث النبويّ:(منِ احتبسَ فرسًا في سبيلِ اللَّهِ إيمانًا باللَّهِ، وتصديقًا لوعدِ اللَّهِ كانَ شِبعُهُ ورِيُّهُ وبولُهُ و(رَوثُهُ) حسناتٍ في ميزانِهِ)(31) وفي قوله:(عَلَى غُفْلَةٍ مِنْهُ) (غُفْلَة) معناها: عدم التنبَّه وعدم أخذ الحذر، وهي مصدر من (غَفَلَ). ونقرأ شاهده اللغويّ في بيت شعر منسوب إلى كعب بن لؤي بن غالب القرشيّ، يقول فيه: [عَلَى (غُفْلَةٍ)، يَأْتِي النَّبِيُّ مُحَمَّدٍ/ فَيُخْبِرُ أَخْبَارًا صَدُقًا خَبِيْرُها(32)]

رحمة الصغير وتوقير الكبير

قال الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [(وَيَعَدُّوْنَ ذَلِكَ مِنْ وَاجِبَاتِهِمِ الْمَفْرُوْضَةَ عَلَيْهِمِ؛ فَلَا يَرْحَمُون صَغِيرًا، وَلَا يُوَقِّرُونَ كَبِيْرًا)].

قوله:(وَيَعَدُّوْنَ ذَلِكَ)، أي: يجعلون ذلك الفعل وهاتيك البدعة واجبًا مُلزِمًا مفروضًا. والشاهد اللغوي فيها نقرأه في قول تأبَّط شرًّا الفهميّ: [قَدْ ضِقْتُ مِنْ حُبِّهَا مَا لَا يُضَيُّقني/ حَتَّى (عُدَدْتُ) مِنَ الْبُوسِ الْمَسَاكِيْنِ(33)]. وكلمة (وَاجِبَاتِهِمِ) اسم فاعل من (وَجَبَ)، أي: من الثوابت اللازمة. وشاهدها اللغويّ نقرأه في بيت شعر منسوب إلى الحارث بن كعبٍ المَذْحَجيّ: [بَنِيَّ اِحْفَظُوا لِلْجَارِ (وَاجِبَ) حَقّه/ وَلَا تُسْلِمُوا فِي النَّائِبَاتِ الْمَوَالِيَا(34)]. وكلمة (الْمَفْرُوْضَةَ عَلَيْهِمِ) اسم مفعول من (فَرَضَ)، و(المفروض): الواجب المُلْزَم العملُ به والتسليمُ له. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول العباس بن سعيد الجوهريّ: [كُلُّ زَاوِيَةٍ تُقَسَّمُ بِقِسْمَيْنِ بخَطٍّ، وَيَخْرُجُ لَهَا قَاعِدَةٌ، كَيْفَ مَا وَقَعَتْ، فَيَحْدُثُ مُثَلَّثٌ، ثُمَّ يُفْصَلُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ بَاقِي الضِّلْعَيْنِ الْمُحِيْطَيْنِ بِالزَّاوِيَةِ (الْمَفْرُوْضَةِ) خَطٌّ مِثْلَ ضِلْعِ الْمُثَلَّثِ الْحَادِثِ، وَيُوْصَلُ بَيْنَهُمَا خَطٌّ(35)]. وفي قوله: (فَلَا يَرْحَمُون صَغِيرًا) (يَرْحَمُون) فعلٌ متعدٍ من (رِحِمَ)، والمعنى: لا يَرِقّون ولا يَتَعَطَّفون. والشاهدُ فيه نقرأه في قول دُوَيْد بن زيد القضاعيّ: [أُوْصِيْكُمْ بِالنَّاسِ شَرًّا؛ (لَا تَرْحَمُوا) لَهُمْ عَبْرَة، وَلَا تُقِيْلُوا لَهُمْ عَثْرَة(36)وَ(لَا يُوَقِّرُونَ كَبِيْرًا)، أي: لايُجِلّون ولايُعظّمون كِبَار السن وأصحاب المقامات. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول الله – سبحانه وتعالى – في الآية التاسعة من سورة الفتح:{لِّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}.

بدعة من طلوع الشمس إلى مغربها

قال الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [(وَالْأَوَانِي الْمَمْلُوْءَةُ مَاءً بِأَيْدِيِهِمْ كُلَّمَا خَلَتْ مَلَؤُهَا مَرَّةٍ أُخْرَى، وَيَظَلُّونَ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ. والثَّلَاثُ هَذِهِ بِدَعٌ وَعَادَاتٌ قَبِيْحَةٌ)].

قوله:(الْأَوَانِي)، و(آنية) جموع، والمفرد منها (إناء) المُخصص للطعام والشرب ونحوهما. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول هند بنت الخُسّ الإياديّة. تُجيب من سألها عن أسوأ النساء: [الَّتِي تَقْعُدُ بِالْفِنَاءِ، وَتَمْلَأُ (الْإِنَاء)، وَتَمْذِقُ مَا فِي السِّقَاء(37)]. (خَلَتْ)، أي: صارت فارغة. ونقرأ شاهدها اللغويّ في قول سعد بن ضُبَيْعة البكريّ: [كَيْفَ الْحَيَاةُ إِذَا (خَلَتْ)/ مِنَّا الظَّوَاهِرُ وَالْبِطَاحُ(38)]. وكلمة (يَظَلُّونَ) فعل ماضٍ ناقص يفيد الاستمرار. وشاهده اللغويّ في قول عمارة بن عبيد الهَمْدانيّ: [بِضَرْبٍ (تَظَلُّ) الطَّيْرُ تَقْفُو رَشَاشَه/ عَلَى الصَّخْرِ حَتَّى تَنْثَنِي مِنْهُ ظُلَّعَا(39)].(غُرُوب الشَّمْسِ) غيابها. ونقرأ شاهدها في قول تأبط شرّا الفهميّ، يصف حيّةً كثيرة السُّمِّ: [أَصَمُّ قُطَارِيٌّ يَكُونُ خُرُوجُهُ/ بُعَيْدَ (غُرُوْبِ الشَّمْسِ)، مُخْتَلِفِ الرَّمْسِ(40)]. وكلمة (قَبِيْحَةٌ) مفرد والجمع: (قَبائح)، و(قِباح)، وهي صفة مشبَّهة بالفعل، ومعناها: كل شنيع ومستهجن. وتُطلق كلمة (قبيح) في (علم أصول الفقه) على كل ما يُكرَهُ ويُذَمُ شَرْعًا، بحيث يقتضي الامتناع؛ لكونه ذريعةً إلى الحرام. وشاهدُه نعثر عليه في قول مالك بن أنس الأصبحيّ الحِمْيريّ: [مَنْ رَاطَلَ ذَهَبًا بِذَهَبٍ أَوْ وَرَقًا بِوَرِقٍ فَكَانَ بَيْنَ الذَّهَبَيْنِ فَضْلُ مِثْقَالٍ، فَأَعْطَى صَاحِبَه قِيْمَتَه مِنَ الْوَرَقِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، فَلَا يَأْخُذْهُ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ (قَبِيْحٌ) وَذَرِيْعَةٌ إِلَى الرِّبَا(41)].

………

المراجع والمصادر:

(40) ديوان تأبَّط شرًا الفهميّ وأخباره، جمع وتحقيق وشرح: علي ذو الفقار شاكر، دار الغرب الإسلاميّ، بيروت، ط1، 1984م

(41) الموطأ، مالك بن أنس(ت، 179هـ)، صححه ورقَّمه وخرَّجَ أحاديثه وعلَّقَ عليه: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربيّ، بيروت، 1985م، 2/ 638

شاركها.