تحقيق: ناصر أبوعون
يقول الشَّيخُ القاضِي الأجَلّ عِيَسى بِنْ صَالِحٍ بِنْ عَامِرٍ الطَّائِيُّ: [وَفَلْجُ أَرْزَاتَ هٰذَا غَزِيرٌ لَا يَقِلُّ عَنْ عِشْرِينَ دَلْوًا بِالتَّحَرِّي وَمَخْرَجُهُ يَبْعُدُ عَنْ هٰذِهِ الْعِمَارَةِ مِقْدَارَ فَرْسَخَيْنِ، وَهُوَ يَنْسَابُ فِي أَرْضٍ لَا رَمْلَ بِهَا صِلْبَةٍ صَالِحَةٍ لِلْغَرْسِ، يَنْسَابُ مِثْلَ الرُّقْطَاءِ فِي كَثِيْبٍ مِنْ رَمْلٍ، وَلٰكِنْ بِكُلِّ أَسَفٍ لَا نِظَامَ فِيهِ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الْاِنْحِنَاءِ وَالْاعْوِجَاجِ فِي سَاقِيَتِهِ، وَلَا دَاعِيَ عَلَى ذٰلِكَ إِلَّا عَدَمَ مَعْرِفَةِ الْعَامِلِ، وَلَا يُوجَدُ فِي هٰذَا الْفَلْجِ شَيْءٌ مِنَ التَّصْرِيجِ إِلَّا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِقْدَارَ خَمْسَةِ أَبُوعٍ وَهٰذا لَا يُعَدُّ شَيْئًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى طُولِ سَاقِيَتِهِ. وَيَقُولُ السُّلْطَانُ إِنَّ فِي نَفْسِهِ إِصْلَاحَ هٰذَا الْفَلْجِ بِالصَّارُوجِ وَزَوَالَ هٰذَا الْاعْوِجَاجِ مِنْ سَاقِيَتِهِ عَلَى نِظَامٍ جَمِيلٍ. وَكَأَنَّ الشَّاعِرَ عَنَى هٰذَا الْفَلْجَ بِقَوْلِهِ: “مِيَاهٌ بِوَجْهِ الْأَرْضِ تَجْرِي كَأَنَّهَا/ صَفَائِحُ تِبْرٍ قَدْ سُكِبْنَ جَدَاوِلَا كَأَنَّ بِهَا مِنْ شِدَّةِ الْجَرْيِ جَنَّةً/ وَقَدْ أَلْبَسَتْهُنَّ الرِّيَاحُ سَلَاسِلَا“. وَمَعَ وُجُودِ هٰذَا الْفَلْجِ الثَّمِينِ بَيْنَ ظَهْرَانَي أَهْلِ ظُفَارَ لَا يَنْتَفِعُونَ بِشَيْءٍ مِنْهُ إِلَّا بِغَرْسِ الْمُسَيْبِلُو وَالذُّرَةِ وَالْفِنْدَالِ أَيْ الْأُصْطُفْلِينِ].
مقدار ماء فلج أرزات
يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [وَفَلْجُ أَرْزَاتَ هٰذَا غَزِيرٌ لَا يَقِلُّ عَنْ عِشْرِينَ دَلْوًا بِالتَّحَرِّي وَمَخْرَجُهُ يَبْعُدُ عَنْ هٰذِهِ الْعِمَارَةِ مِقْدَارَ فَرْسَخَيْنِ، وَهُوَ يَنْسَابُ فِي أَرْضٍ لَا رَمْلَ بِهَا صِلْبَةٍ صَالِحَةٍ لِلْغَرْسِ].
(فَلْجُ أَرْزَاتَ) الماء الجاري من أسف جبل أرزات. ونقرأ شاهده اللغوي في قول العجاج يذكر حمارًا وحشيًّا وأتانه، قد وردا الماء بعد طول الظمأ: “تَذَكَّرَا عَيْنًا روًى وَفَلَجَا/ فَرَاحَ يَحْدُوهَا، وَرَاحَتْ نَيْرَجَا(01)“(غَزِيرٌ) كثير. صفة مشبهة مفرد. والجمع: (غُزْر غِزَار). والشاهد اللغوي فيها نقرأه في قول سعد بن مالك بن ضُبيْعَة البكريّ: “سَوَاءٌ فَلَا جَدْبٌ فَيَعْرُو جَدْبُهَا/ وَلَا صَابَهَا غَيْثٌ غَزِيْرٌ فَتُمْرِعُ(02)“(عِشْرِينَ دَلْوًا) الدلو هو ذَنُوْب الماء العظيم. قال الشافعي رضي الله عنه: “فإن بال رجل في مسجد أو أرض يَطْهُر بأن يُصَبُّ عَلَيه ذَنُوْبٌ من ماء لقوله (صلى الله عليه وسلم) في بول الأعرابي حين بَالَ في المسجد: صُبُّوا عليه ذَنُوبًا من ماء قال الشافعي: وهو الدلو العظيم، وإن بال اثنان لم يطهره إلا دلوان(03)“،”والدلو في حدود القُلّة وقدرها (١٢لترًا)، والقُلّة قربتان، والقربة خمسمائة رطل”(04) بِـ(التَّحَرِّي) بالبحث والتحقق (مَخْرَجُهُ) اسم مكان. وجمعه: مخارج. أي: مكان خروج ماء فلج أرزات من قاعدة أسفل الجبل. ونقرأ شاهده اللغوي في قول عنترة بن شداد يصف مِنْخَري فرسه: “وَكَأَّنَّ مَخْرَجَ رُوْحِهِ فِي وَجْهِهِ/ سَرَبَانِ كَانَا مَوْلِجَيْنِ لِجَيْأَلِ(05)” (يَبْعُدُ عَنْ هٰذِهِ الْعِمَارَةِ) اسم مفرد، والجمع منه (عمائر)، أي: يبعد فلج أرزات عن الحي الذي يقيم فيه الناس. والشاهد اللغوي فيه نقرأه في قول المثلّم بن قرط البَلَويّ: “فَلَمْ أَرَ حَيًّا مِنْ مَعَدٍّ عِمَارَةً/ أَجَلَّ بِدَارِ الْعِزِّ مِنَّا وَأَمْنَعَا(06)” (مِقْدَارَ فَرْسَخَيْنِ)، أي: 10 كيلو متر تقريبَا. فـ(الفرسخ الواحد)؛ يساوي: 3 أميال، أي: 5544 مترًا(07)، ويساوي: أيضًا 5 كيلومترات تقريبًا. (يَنْسَابُ) يجري ماؤه سريعا. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول أبي سعيد الخُدريّ الخزرجيّ: “شرِب رجلٌ من فمِ سِقاءٍ فـ(انْسِابَ) في بطنِه جانٌّ، فنهَى رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) عن اختِناثِ الأسقِيَةِ(08)” (أَرْضٍ لَا رَمْلَ بِهَا)، أي: خَصِيب كثيرٌ عشبها ونما نبتُها. (صِلْبَةٍ) اسم مفرد. والجمع منه:(أصْلاب، أَصْلُب، صُلُوب، صِلَبَة). والمعنى: تربتُها غليظة منقادة. والشاهد اللغويّ فيها نقرأه عند أبي عُبيدة في قوله: “وَالمِعَى أَطْرَافُ الرَّمْلِ، حَيْثُ اِنْقَطَعَ فِي (الصِّلْبَة) مِنَ الْأَرْضِ(09)” (صَالِحَةٍ لِلْغَرْسِ) (الْغَرْس) مصدر، والجمع منه: (غُرُوس، غِراس، أغْراس). والمعنى: صالحة لإنبات الشجر ونحوه. والشاهد اللغوي فيها نقرأه في قول عَدِي بن زيد العِباديّ، يشبّه نبتةً بالعظْمة المزروعة في الحم:” بَرِّيَّةٌ غُرِسَتْ فِي السَّوَادِ/ غَرْسَ الْمَضِيْغَةِ فِي اللَّهْزَمَة(10)“.
وصف حالة فلج أرزات
يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [يَنْسَابُ مِثْلَ الرُّقْطَاءِ فِي كَثِيْبٍ مِنْ رَمْلٍ، وَلٰكِنْ بِكُلِّ أَسَفٍ لَا نِظَامَ فِيهِ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الْاِنْحِنَاءِ وَالْاعْوِجَاجِ فِي سَاقِيَتِهِ، وَلَا دَاعِيَ عَلَى ذٰلِكَ إِلَّا عَدَمَ مَعْرِفَةِ الْعَامِلِ].
(الرُّقْطَاءِ) اسم مؤنث والمذكر: أَرْقطُ، والجمع: رُقْطٌ، وهو نوع من الأفاعي. والمعنى أن فلج أرزات يشبه الأفعى في تعرَّجاته (كَثِيْبٍ رَمْلٍ) اسم مفرد. والجمع منه (أكْثِبَة، كُثُب، كثبان)، ومعناه: ما اجتمع من الرَّمل مُشْرفًا أو مُستديرًا. ونقرأ شاهده اللغويّ في قول تأبّط شرًّا الفهميّ، يُشبِّه صاحبته في تمايلها بالأفعى: “وَإِذَا تَجِيُء، تَجِيءُ تَسْحَبُ، خِلْتُهَا/ كَالْأَيْمِ، أَصْعَدَ فِي (كَثِيْبٍ)، يَرْتَقِي(11)” (وَلٰكِنْ بِكُلِّ أَسَفٍ) جملة اعتراضية، وتعبير يفيد التَّحسّر على حال فلج أرزات (لَا نِظَامَ فِيهِ) إشارة لانعدام التصميم الهندسيّ الذي هو خَصِيْصَة مِعْمَاريّة في أفلاج شمال عُمان والمناطق الداخليّة. (كَثْرَةِ الْاِنْحِنَاءِ وَالْاِعْوِجَاجِ) مصدر من (عوج) والمعنى: كثرة الميل والانحراف في فلج أرزات. ونقرأ شاهده في قول حارثة بن قَطَن الكلبيّ، يمدح النبيّ محمد (صلى الله عليه وسلم): “أَقَمْتَ سَبِيْلَ الْحَقِ بَعْدَ (اعْوِجَاجِهَا)/ وَرِشْتَ الْيَتَامَى فِي السَّغَابَةِ وَالْجَدْبِ(12)” (فِي سَاقِيَتِهِ) القناة الصغيرة التي يجري فيها الماء لري الزرع، وهي فوق الجدول ودون النهر. ونقرأ شاهدها اللغويّ في قول سلامة بن جندل التميميّ، يصف أمطارًا غزيرة ملأت التِّلاع والقنوات: “فَتَرَى مَذَانِبَ كُلِّ مِدْفَع تَلْعَةٍ/ عَجِلَتْ (سَوَاقِيْهَا) مِنَ الْإِتْآقِ([[1]])” (وَلَا دَاعِيَ عَلَى ذٰلِكَ) أي: لم يكن أي داعٍ لهذا التعرّج والانحناء في ساقية الفلج (إِلَّا عَدَمَ مَعْرِفَةِ الْعَامِلِ)، أي جهل العُمّال والبنّائين الذين شقّوا ساقية فلج أرزات بعلوم هندسة وتصميم وصيانة الأفلاج.
فلج أرزات بلا تصريج
يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [وَلَا يُوجَدُ فِي هٰذَا الْفَلْجِ شَيْءٌ مِنَ التَّصْرِيجِ إِلَّا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِقْدَارَ خَمْسَةِ أَبُوعٍ وَهٰذا لَا يُعَدُّ شَيْئًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى طُولِ سَاقِيَتِهِ].
(التَّصْرِيجِ) مصدر من كلمة “(صاروج ساروج) وهي كلمة فارسيّة مُعَرَّبة(14)“، وتشير إلى خليط من الحجر الجيريّ والكلس والرماد والماء يُستعمل في طلاء وتمليس الجدران والحياض والقنوات المائية والحمَّامات (بَعْضِ) اسم مفرد والجمع (أبعاض)، وبعض الشيء جزؤه. ونقرأ شاهده في قول لقيط الإياديّ يوصي قومه: “ولَا يَدَعُ (بَعْضُكُمْ) (بَعْضًا) لِنَائِبَةٍ/ كَمَا تَرَكْتُمْ بِأَعْلَى بِيْشَةَ النَّخَعَا(15)” (الْمَوَاضِعِ) جمع والمفرد (مَوْضِع) اسم مكان. تمّ تصريج بعض المواقع والمحلات المحددة في فلج أرزات فقط وليس بكامل طوله وتفريعاته. (مِقْدَارَ) اسم مفرد والجمع (مقادير)، أي: مداه ومسافته (خَمْسَةِ أَبُوعٍ) “وحدة قياس طولي ويقيس به المسافة ما بين الكفين إذا انبسطت الذراعان يمينا ويسارا. إذن طول ذراعي الإنسان وعضديه وصدره وذلك قدر أربعة أذرع. وذكر ابن الهائم “أن البُوع = 4 أذرع، والذراع = 24 أصبع، والإصبع = 6 شعيرات. ولما كانت الذراع الشرعيّة تساوي 49,327477 سنتيمترًا فإن البُوع يساوي 197,30991 سنتيمترًا(16)” والـ(أَبُوعٍ) جمع والمفرد (بُوع) ونقرأ شاهده اللغويّ في قول أبو ذؤيب الهُذَليّ، يصف جاني العسل وحذقه: “فَلَوْ كَانَ حَبْلًا مِنْ ثَمَانِيْنَ قَامَةً/ وَخَمْسِيْنَ (بُوْعًا) نَالَهَا بِالْأَنَامِلِ(17)” (لَا يُعَدُّ شَيْئًا) لا فائدة منه، ولا يُرجَى نفعه.
السلطان تيمور يصلح فلج أرزات
يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [وَيَقُولُ السُّلْطَانُ إِنَّ فِي نَفْسِهِ إِصْلَاحَ هٰذَا الْفَلْجِ بِالصَّارُوجِ وَزَوَالَ هٰذَا الْاعْوِجَاجِ مِنْ سَاقِيَتِهِ عَلَى نِظَامٍ جَمِيلٍ. وَكَأَنَّ الشَّاعِرَ عَنَى هٰذَا الْفَلْجَ بِقَوْلِهِ: مِيَاهٌ بِوَجْهِ الْأَرْضِ تَجْرِي كَأَنَّهَا// صَفَائِحُ تِبْرٍ قَدْ سُكِبْنَ جَدَاوِلَا، كَأَنَّ بِهَا مِنْ شِدَّةِ الْجَرْيِ جَنَّةً//وَقَدْ أَلْبَسَتْهُنَّ الرِّيَاحُ سَلَاسِلَا].
(السُّلْطَانُ) تيمور بن فيصل. (فِي نَفْسِهِ) ذاته وروحه. وهي مفرد والجمع (نُفُوس – أَنْفُس)، والشاهد اللغويّ فيها نقرأه في قول ملك بن فهم الأزديّ: “قَتَلْتُ مُحْرِقًا، وَحَمَيْتُ (نَفْسِي)/ وَرَاغَمْتُ الأَعَادِي مَنْ أَسَانِي(18)” والمعنى: اتخذ قرارًا ألهمته إياه نفسُّه الأمّارة بالحبِّ والصلاح بالقيام بـ(إِصْلَاحَ) فلج أرزات وإزالة فساده وتصريجه والعناية به وجعله مُنْسابًا. ونقرأ شاهده اللغوي في قول عبدالله بن عِتْبان الأنصاريّ: “وَعَلَيْكُمْ مِنَ الْجِزْيَةِ بِقَدْرِ طَاقَتِكُمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ، تُؤَدُّوْنَهَا إِلَى الَّذِي يَلِي بِلَادَكُمْ، عَنْ كُلِّ حَالمٍ، وَدِلَالَةُ الْمُسْلِمِ، وَ(إِصْلَاحُ) طَرِيْقِهِ(19)” بِـ(الصَّارُوجِ) بجلب البنائين لتمليس فلج أرزات وتجصيصه بخليط من الكلس والرماد والحجر الجيريّ (وَزَوَالَ هٰذَا الْاعْوِجَاجِ مِنْ سَاقِيَتِهِ) من مجراه المائيّ. (عَلَى نِظَامٍ جَمِيلٍ) (نِظَامٍ) اسم مفرد. والجمع (أَنَاظِيْم نُظُم). والمعنى على طريقة ونهج وتخطيط مُحْكَم. ونقرأ شاهده في قول أبي داود الإياديّ: “فِيْ (نِظَامٍ)، مَا كُنْتُ فِيْهِ، فَلَا يَحْزُنْـ/كَ شَيءٌ، لِكُلِّ حَسْنَاءَ ذَامُ(20)“والـ(جَمِيل) صفة مشبهة مفرد. والجمع (جُمَلاء جِمال) من الفنون هو ما كان موضوعه إبراز الجمال والعناية به. والقصد هنا من قول السلطان تيمور بكلمة (جَمِيل)، أي: التخطيط الهندسيٍّ، والفَنّ المعماريّ الذي غايتُه إبراز العنَاية بفلج أرزات. وهذا المعنى نجده منه في مجلة الهلال حكايةً عن إيطاليا: “اشْتُهِرَت إِيْطَالِيَا مُنْذُ الْقِدَمِ بِنَوَابِغِ الْمُصَوِّرِيْنَ، وَالْمُوْسِيْقِيين وَغَيْرِهِم مِنْ أَرْبَابِ الْفُنُوْنِ (الْجَمِيْلَةِ)(21)” (وَكَأَنَّ الشَّاعِرَ عَنَى هٰذَا الْفَلْجَ بِقَوْلِهِ) (الشاعر) هو “عبدالله بن محمد بن المعتز بالله بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد العباسي (247هـ – 296هـ / 861م – 908م)، المعروف بـ ابن المعتز، وكنيته أبو العباس، وُلد في بغداد ويُعد من أبرز شعراء العصر العباسي ومن أعلام البلاغة والنقد في الأدب العربي. ورغم ابتعاده عن السياسة، إلا أنه وقع ضحية صراعاتها، إذ خلع القادة الخليفة المقتدر بالله، وبايعوا ابن المعتز ولقبوه بالمرتضى بالله، فجلس على كرسي الخلافة ليومٍ وليلة فقط. ثم عاد أنصار المقتدر فقبضوا عليه، وسلّموه إلى أحد خدم المقتدر المدعو مؤنس، فخنقه(22)” (عَنَى) أراد وقَصَد فلج أرزات؛ فوصفه الشاعر في قصيدته وإن هذين البيتين المُتَضَمنين داخل سياق هذا المقطع من المخطوطة ينطبق وصفهما على فلج أرزات (بِقَوْلِهِ): [مِيَاهٌ بِوَجْهِ الْأَرْضِ تَجْرِي كَأَنَّهَا//صَفَائِحُ تِبْرٍ قَدْ سُكِبْنَ جَدَاوِلَا، كَأَنَّ بِهَا مِنْ شِدَّةِ الْجَرْيِ جَنَّةً//وَقَدْ أَلْبَسَتْهُنَّ الرِّيَاحُ سَلَاسِلَا(23)].
أهل ظفار لا ينتفعون بفلج أرزات
يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [وَمَعَ وُجُودِ هٰذَا الْفَلْجِ الثَّمِينِ بَيْنَ ظَهْرَانَي أَهْلِ ظُفَارَ لَا يَنْتَفِعُونَ بِشَيْءٍ مِنْهُ إِلَّا بِغَرْسِ الْمُسَيْبِلُو وَالذُّرَةِ وَالْفِنْدَالِ أَيْ الْأُسْطُفْلِينِ].
(الْفَلْجِ الثَّمِينِ) صفة مشبهة مفرد. والجمع (ثِمَان)، والمعنى: غالي الثمن والقصد (لا يُقَدَّرُ ثُمُنُهُ). وشاهده اللغوي نقرأه في شعر الفرزدق الذي هجا فيه رجلا كان يبيع الماء للوارد في عهد الحجاج: “وَلَوْ عَلِمَ الْحَجَّاجُ عِلْمَكَ لَمْ تَبِعْ/ يَمِيْنُكَ مَاءً مُسلِمًا بـِ(ثَمِيْنِ) (24)“(بَيْنَ ظَهْرَانَي أَهْلِ ظُفَارَ)، (ظَهْرَانَي) اسم، أي: وسط ظفار. ونقرأ شاهده اللغوي في الحديث النبويّ:” بيْنَما نَحْنُ جُلُوسٌ مع النبيِّ (صلى الله عليه وسلم) في المَسْجِدِ، دَخَلَ رَجُلٌ علَى جَمَلٍ، فأناخَهُ في المَسْجِدِ ثُمَّ عَقَلَهُ، ثُمَّ قالَ لهمْ: أيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟ والنبيُّ (صلى الله عليه وسلم) مُتَّكِئٌ بيْنَ (ظَهْرانَيْهِمْ)، فَقُلْنا: هذا الرَّجُلُ الأبْيَضُ المُتَّكِئُ. فقالَ له الرَّجُلُ: يا ابْنَ عبدِ المُطَّلِبِ فقالَ له النبيُّ (صلى الله عليه وسلم): قدْ أجَبْتُكَ. فقالَ الرَّجُلُ للنبيِّ (صلى الله عليه وسلم): إنِّي سائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ في المَسْأَلَةِ، فلا تَجِدْ عَلَيَّ في نَفْسِكَ. فقالَ: سَلْ عَمَّا بَدا لكَ فقالَ: أسْأَلُكَ برَبِّكَ ورَبِّ مَن قَبْلَكَ، آللَّهُ أرْسَلَكَ إلى النَّاسِ كُلِّهِمْ؟ فقالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قالَ: أنْشُدُكَ باللَّهِ، آللَّهُ أمَرَكَ أنْ نُصَلِّيَ الصَّلَواتِ الخَمْسَ في اليَومِ واللَّيْلَةِ؟ قالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قالَ: أنْشُدُكَ باللَّهِ، آللَّهُ أمَرَكَ أنْ نَصُومَ هذا الشَّهْرَ مِنَ السَّنَةِ؟ قالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قالَ: أنْشُدُكَ باللَّهِ، آللَّهُ أمَرَكَ أنْ تَأْخُذَ هذِه الصَّدَقَةَ مِن أغْنِيائِنا فَتَقْسِمَها علَى فُقَرائِنا؟ فقالَ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم): اللَّهُمَّ نَعَمْ. فقالَ الرَّجُلُ: آمَنْتُ بما جِئْتَ به، وأنا رَسولُ مَن ورائِي مِن قَوْمِي، وأنا ضِمامُ بنُ ثَعْلَبَةَ أخُو بَنِي سَعْدِ بنِ بَكْرٍ(25)“. من المحاصيل العلفيّة ويسمى أيضا بـ(البازاريُّ) أي: البرسيم الحجازي، وهو محصول علفيّ ويُسَمّى في اللهجات الظَفارية الدارجة الـ(مَسْيبْلُو). و(الذُّرَةُ) المقصود بها (الذرة الرفيعة العلفية)، وهي نبات لا يستهلك المياه ويُفضَل في المناطق الجافة؛ لذا هو خَيَار زراعيّ جيد في ظَفار؛ وخاصةً في المناطق التي تُعاني من شُحّ المياه. وَ(الْفِنْدَالِ أَو الْأُصْطُفْلِينِ). (الْفِنْدَالِ) البطاطا الحلوة، والكلمة ربَّما مشتقة من كلمة”fanal” البرتغالية، والتي تعني (الفانوس الإرشاديّ)، الذي يستخدمه البحّارة والقباطنة أو بمعنى (النار الموقدة) التي تُشْوَى عليها درنات البطاطا “Solanum tuberosum”، وربَّما الكلمة مشتقة من كلمة “fandinga”، والتي تعني الشيء الرثَّ أو المُتسخ وهي تعبير عن شكل البطاطا الحلوة (الغذاء الشعبيّ) حين تُستخرج من الأرض أو حين تُشْوى تحت الرماد. (الْأُصْطُفْلِينِ) جاء في لسان العرب بمعنى: “الجَزَرُ الذي يؤكل، لغة شامية، الواحدة اصْطَفَلِينة، قال: وهي المَشَا أَيضًا، مقصور، وقيل: الاصْطَفْلينة كالجَزَرة. وفي حديث القاسم بن مُخَيْمَرة: إِن الوالي ليَنْحِت أَقارِبُه أَمانَتَه كما تَنْحِت القَدُومُ الإاصْطَفْلِينة حتى يَخْلُصَ إِلى قَلْبها. وفي كتاب معاوية إِلى ملك الروم: ولأَنْزِعَنَّك من المُلك نَزْعَ الاصْطَفْلِينة أَي الجَزَرة؛ قال ابن الأَثير: وأَوردها بعضهم في حرف الهمزة على أَنها أَصلية، وبعضهم في الصاد على أَن الهمزة زائدة؛ قال شمر: الاصْطَفْلينة كالجَزَرة ليست بعربية مَحْضة لأَن الصاد والطاء لا يكاد يجتمعان في مَحْض كلامهم، قال: وإِنما جاء في الصِّراط والإِصطَبْل والأُصطُمَّة أَن أَصلها كلها السين.
………
المراجع والمصادر:
(20) ديوان أبي داود الإياديّ، جمع وتحقيق: أنوار محمود الصالحيّ، أحمد هاشم السامرائيّ، دار العصماء، دمشق، ط1، 2010م، ص: 162.
(24) شرح ديوان الفرزدق، إيليا الحاوي، دار الكتاب اللبناني، مكتبة المدرسة، بيروت، ط1، 1983م، 2/613.
(25) الراوي: أنس بن مالك، المُحَدِّث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري، ص أو رقم: 63، خُلاصة حكم المحدث: [صحيح].