جابر حسين العماني

عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء

[email protected]

 

البشر لا يتشابهون في أشكالهم وأفكارهم، فهم يختلفون أحيانا ويتفقون أحيانا أخرى، وذلك أن العقول التي وهبهم الله إياها تتفاوت في كيفية تفكيرها وتوجهاتها، وهذا في حد ذاته أمر طبيعي يثري الحياة ويمنحها تنوعا مقبولا بين أبناء المجتمع، ولكن الأمر غير المقبول تماما هو عندما يتحول الاختلاف بين الناس إلى خصام وصدام وقطيعة وهجران، ويتحول الحوار إلى شتائم وسباب وتنافر.

يشهد العالم اليوم تسارعا واضحا في وتيرة التغيرات المختلفة بين أصناف الناس، مما جعل احترام الاختلاف بينهم في كثير من الأحيان ظاهرة نادرة، فيا ترى متى سترفع قيمة الاحترام المتبادل عند البعض؟ ومتى سيمارس الاختلاف بروح رياضية مرحة لا تعرف إلا الاحترام والتقدير والإجلال؟

ينبغي أن يكون الاختلاف بين الناس أمرا طبيعيا جدا، وهنا علينا أن نسأل أنفسنا: كيف نختلف باحترام؟ والإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى كثير من التركيز على الخطوات والأساليب الإرشادية التي تساعد على الاختلاف باحترام وهنا نذكر منها الآتي:

• أولا: من الضروري الفصل بين الفكرة وصاحبها، والمطلوب هنا من الإنسان ألا يهاجم من يحاوره ويختلف معه، بل أن يركز على نقاش الفكرة المطروحة نفسها، وأن يقول لمن يخالفه باستمرار: “أحترم وجهة نظرك، وخلافي معك لا يعني عداوتي لك”، لذا ينبغي تجنب الألفاظ المسيئة، مثل: “أنت لا تفهم شيئا”، فذلك أسلوب لا يقبله العقل والفطنة والحكمة الإنسانية.

• ثانيا: على الإنسان أن يستمع بدقة وإنصاف وموضوعية مع من يختلف معه، فالاستماع الجيد إلى الطرف الآخر هو من أحد أركان الحوار الناجح، لذا ينبغي أن تمنح من يحاورك الوقت الكافي من الاستماع ليبين وجهة نظره بلا مقاطعة، حتى ولو لم يعجبك كلامه فذاك يعد احتراما وتقديرا منك إليه.

• ثالثا: لا تتخذ من السخرية سلاحا لك أثناء الحوار مع من يخالفك في الرأي، حتى لو كان الحق معك ومن صالحك، وانتبه جيدا من استخدام أساليب الاستهزاء أو الاستنقاص بالطرف المحاور والمخالف، فذلك في حد ذاته يساعد على العناد والشحناء والبغضاء والكراهية، وليس على الإقناع واحترام الرأي الآخر. والمطلوب من الإنسان عند الاختلاف التركيز على ما يوصله إلى الإقناع الذي يمنحه النتائج المرضية والمطلوبة من الحوار وليس العكس. روي عن حفيد الرسالة الإمام الصادق عليه السلام: (مَنْ رَوَى عَلَى مُؤْمِنٍ رِوَايَةً يُرِيدُ بِهَا شَيْنَهُ وَهَدْمَ مُرُوءَتِهِ لِيَسْقُطَ مِنْ أَعْيُنِ اَلنَّاسِ أَخْرَجَهُ اَللَّهُ مِنْ وَلاَيَتِهِ إِلَى وَلاَيَةِ اَلشَّيْطَانِ فَلاَ يَقْبَلُهُ اَلشَّيْطَانُ).

• رابعا: عندما يختلف الإنسان مع من يخالفه لا بد أن يلتزم الهدوء ويتجنب رفع الصوت ويضبط انفعالاته، فهدوؤه في حد ذاته يعد قوة، وفي حال شعر بنوبة من الغضب تعتريه، عليه أن يأخذ نفسا عميقا بين الحين والآخر، فذلك يساعده على إتمام الحوار والخروج بأفضل النتائج المرجوة، والتي من أهمها احترام الآخر، فقد ورد عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ عَنِ اَلنَّاسِ كَفَّ اَللَّهُ عَنْهُ عَذَابَ يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ).

• خامسا: على الإنسان أن يتفق مع من يخالفه أنهما على خلاف، وربما يصلان إلى نتائج محمودة، وقد لا يصلان إلى نقطة التقاء، وهذا أمر قد يكون واردا أحيانا بين المتخالفين، ولكن إذا وصل الأمر إلى ذلك، فينبغي ختم الاختلاف بقول: نحن مختلفون في أفكارنا، ولكنّ الاحترام قائم بيننا، وكما يقول أهل الحكمة والدراية والعقل: “الاختلاف لا يفسد للود قضية.”

• سادسا: كن متواضعا ولا تكابر، واعترف بخطئك إذا وقعت فيه أثناء الخلاف أو قبله أو بعده، فذلك لا يعني أنك ضعيف بل أنت في محل قوة، وكما قيل: الاعتراف بالخطأ فضيلة، وإذا شعرت أثناء حوارك وخلافك أن من يحاورك ويختلف معك أكثر منطقا وحجة منك، فالجدير بك أن تغير رأيك، وتضم الآراء السديدة إلى معلوماتك وتعترف بها، وتتجنب الآراء التي لا تعتمد على أي مصدر أو حجة أو ركائز علمية، وهكذا ستحترم نفسك أولا ومن يخالفك ثانيا.

أخيرا: قد نختلف نحن البشر في كثير من جوانب الحياة الاجتماعية والأسرية كالأديان والمذاهب والأفكار المختلفة والمتنوعة، ولكن لا بد أن نجعل بيننا جسورا من المحبة والمودة والتعاون والاحترام كركائز أساسية وأخلاقية وإنسانية لا بد أن نرسخها في نفوسنا لتصبح روحا متكاملة نسير من خلالها إلى التكامل الإنساني الذي أراده الله تعالى للإنسان.

شاركها.