دانة الحمادي
في ركن من الوطن العربي الكبير، ينام طفل على سريره الدافئ، تستيقظ أمه صباحا لتوقظه للمدرسة، تعد له حقيبته وطعامه، تقبل جبينه قبل أن يخرج من المنزل، يذهب الى مدرسته آمنا مطمئنا، يلعب مع أصدقائه، يضحك، ويتذمر من واجباته المدرسية كعادة كل الأطفال، هو لا يعرف أ ن في الطرف الاخر من خريطة الوطن العربي نفسه، طفلا آخر يستيقظ على دوي الانفجارات، ويوقظه صوت القذائف لا صوت أمه.
ذلك الطفل الآخر، هو الطفل الفلسطيني، الذي لا يملك رفاهية الحلم، ولا يعرف شيئا اسمه “روتين يومي”، فكل يوم هو معركة للبقاء، حياته لا تشبه حياه الطفل العربي في شيء، إلا في الملامح والدم، لكنه يعيش في أرض محتله، مهددة في كل لحظة، مسلوبة من أبسط حقوقها الانسانية.
الطفل الفلسطيني لا يطلب شيئا مستحيلا، فقط يريد ان يعيش كما نعيش، أن يذهب إلى المدرسة دون أن تقصف المدرسة فوق رأسه، أن يلعب في الشارع القريب من بيته دون أن يخاف من صواريخ العدو، أن يحلم بالمستقبل دون أن يكون القبر هو المستقبل الذي ينتظره.
الفرق بين الطفل العربي في البلدان المستقرة وبين الطفل الفلسطيني ليس في القيمة الإنسانية: بل في الظرف الإنساني، وهذا الظرف يحمل الطفل العربي مسؤولية أخلاقية حتى وإن كان صغير، قد يبدو الحديث عن “واجب” الطفل العربي التجاه القضية الفلسطينية أمرا يفوق طاقته، لكن الواقع يقول إن الوعي يبدأ منذ الصغر، وأن الضمير لا ينتظر أن يكبر الإنسان لكي يشعر بغيره.
يمكن للطفل العربي أن يكون صوتا لأخيه الفلسطيني، من خلال مشاركته في فعاليات التضامن وكتابه الرسائل والرسم، والتعبير عن مشاعره، يمكنه ان يتبرع بلعبه وملابسه، أو جزء من مصروفه، ليرسم به ابتسامة على وجه طفل فقد بيته او اسرته، يمكنه أن يسأل، وأن يتعلم، وأن يحاول فهم ما يجري، ليصبح فيما بعد شابا مدافعا عن الحق.
حين يكتب طفل عربي عن طفل فلسطيني فإن الكلمات تصبح سلاح، لأنه يرفض أن يكون شريكا في الظلم، وحين يرفع لافتة أو يشارك في نشاط مدرسي يتحدث عن فلسطين، فإنه يعلن انتماءه لقضية المسلمين الأولى التي تشكل جزء من كيانه كطفل عربي مسلم.
في النهاية، لا نطلب من الطفل أن يحمل البندقية، بل أن يحمل الشعور، وأن يعرف الفرق بين النعمة التي يعيشها والمحنة التي يعيشها الآخر، وألا يمر بذلك مرور الكرام، فالوجع الفلسطيني هو وجع الأمة كلها، ومن لا يشعر به صغيرا، قد لا يهتم به كبيرا.
الطفل العربي، رغم صغره، يملك القدرة على أن يكون نورا في عتمة النكبة، وبذرة أمل في أرض انهكتها الحرب، أما الطفل الفلسطيني فهو البطل الحقيقي، الذي يستحق منا كل التضامن وكل الحب وكل الانتماء.