زكريا الحسني
مواكبة الحضارة بكل أشكالها وأنواعها ضرورة لا مفر منها لمن أراد أن يساير الأمم، ويسهم في نهضتها، ويشارك في تبادل المعرفة والخبرات. فالأخذ من الآخر ليس عيبًا، بل هو سُنة كونية نتعلّم بها ونعلم نُفيد ونستفيد شرط أن نحافظ على هويتنا وخصوصيتنا الثقافية.
لقد شهد التاريخ نماذج من الرفض الأولي لكل ما هو جديد ومفاجئ، فحين اختُرعت الطابعة حُرّمت في بادئ الأمر من قِبل بعض الجماعات الإسلامية، ومثلها السيارة، ثم لاحقًا الحاسوب، ذلك لأن التحولات الكبرى غالبًا ما تُقابَل بالتوجّس، خاصة حين تأتي فجأة وتكسر المألوف، لذلك أضحت “إدارة التغيير” علما وفنا تعكف الجامعات الكبرى على تعليمه، ولكن مع مرور الزمن، بدأت الأمور تأخذ مجراها الطبيعي، وتغيّرت المواقف، وبدأ المقاومون للتغيير في استيعاب فلسفة التغيير، وأن الزمن لا ينتظر المترددين.
واليوم، نشهد تحولًا لافتًا في طريقة التفكير لدى كثير من أفراد الأمة، الذين باتوا أكثر وعيًا بأهمية التقدّم والتطوّر، خاصة في ظل العولمة والحداثة، وما بعد الحداثة، والثورات الصناعية المتلاحقة، التي تركت بصمتها على تفاصيل الحياة كافة.
وفي هذا السياق يأتي الذكاء الاصطناعي كأحد أعظم اختراعات العصر، وثورة معلوماتية كبرى ستسهم بلا شك في صياغة مستقبل الإنسانية.
إنها أداة جبارة تخدم الإنسان في مجالات الطب والتعليم، والتأليف، والصناعة والبحث العلمي وغير ذلك من ميادين التطور والازدهار، لكن رغم كل هذا، يبقى الطابع الإنساني ضرورة لا غنى عنها، فلا ينبغي أن يُختزل الإنسان في آلة، أو يفقد قدرته على التفكير، أو يتخلى عن لمسته الفريدة التي تتجلى في تنوّع الرؤى وثراء الطرح واستحضار البراهين من قلب التجربة، لا من برمجة آلية، فالإنسان هو الذي يمنح الكلمة روحها، والفكرة معناها، والتعبير قيمته.
أما من يتكئ كليًا على الذكاء الاصطناعي وينسب ما أعدته له هذه الأداة إلى نفسه، فهو كمن يتزين بما لا يملك، ويفتقر إلى الصدق والعمق، ولا شك أنه وبأدنى تأمل، سوف يكتشف القارئ المتمرس أن ما يقرأ يفتقد إلى لمسة الإنسان.
الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدّين
ينبغي أن نستعين به كأداة مساعدة، لا كبديل للعقل والمشاعر وإلغاء الوجود الانساني
من الجيد أن نستفيد من سرعته وقدرته على التلخيص وجمع المعلومات دون أن نسمح له بأن يصادر قدرتنا على التأمل والإبداع وتوليد المعاني من رَحِمِ التجربة الإنسانية.