اخبار عمان أسرار الزكوانية

يؤكد عدد من أولياء الأمور والمختصين أن وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الحديثة تحولت إلى مصدر قلق على مستقبل الأطفال، نظرا للأوقات الطويلة التي يقضونها أمام الشاشات الإلكترونية.

وأوضحوا في تصريحات لـ”اخبار عمان” إن الجيل الجديد أصبح محاطا بالشاشات وهو ما انعكس سلبا على تفاعل هذا الجيل مع محيطه المجتمعي، معبرين عن قلقهم من تحول الأمر إلى الإدمان والعزلة المجتمعية.

وقالت عهود الحسنية معلمة صعوبات التعلم: “الطفل هو مرآة من حوله، وأن علينا أن نعلّمه كيف يختار الحضور لا مجرد التعلق بالشاشة، ولا ننكر أن الأطفال اليوم يختلفون كثيرًا عمن سبقوهم، لذلك يجب علينا أن نراعي هذا الاختلاف، والتكنولوجيا هذه الأيام أصبحت أساسًا في عملية التعلم، كما أن معظم المعلمين وأولياء الأمور يحاولون جذب اهتمام أطفالهم ببعض التطبيقات التعليمية والترفيهية، ولكن إذا لم تُستخدم استخدامًا سليمًا، وإذا زاد الاستخدام عن حده، فسوف يترتب على ذلك عدة آثار سلبية، وخاصة أننا الآن في الإجازة الصيفية، وتكون هذه الآثار واضحة مع بداية الدراسة”.

وأوضحت أن من الآثار السلبية للشاشات تشتت الانتباه وعدم القدرة على التركيز أو القراءة أو الكتابة، مبينة: “التأخر في المهارات اللغوية والتواصل يكون الأثر أكبر وأعمق لدى الأطفال الأصغر سنًا، خاصة الذين ما زالوا في مرحلة رياض الأطفال أو أقل، ومن أهم الآثار السلبية التي تخلّفها الأجهزة هو تأخر النطق واكتساب المهارات اللغوية، كما أن مهارات التواصل لديهم تكون ضعيفة؛ إذ يكون تفاعلهم مع الآخرين وقدرتهم على التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم محدودًا، لأنهم يقضون وقتهم مع الأجهزة بدل اللعب والتفاعل مع الآخرين”.

وتابعت الحسنية قائلة: “من الآثار السلبية أيضا ضعف مهارات الكتابة والقراءة وضعف الدافعية للتعلم والتطبيقات الموجودة على الأجهزة لا تساعد الطفل على تطوير المهارات الأساسية، مثل التهجئة والقراءة والكتابة، ولذلك نلاحظ كمعلمين أن التحصيل الأكاديمي يتراجع لدى الأطفال الذين يستخدمون الأجهزة بشكل مفرط، كما أن الطلاب أصبحوا يشعرون بالملل بسهولة من الأنشطة الصفية، وخاصة الأنشطة التي تتطلب التركيز كالقراءة والكتابة، لأنها أصبحت بالنسبة لهم مملة مقارنة بالتطبيقات الجذابة على الأجهزة، ومن من المشاكل الشائعة التي نواجهها كمعلمين، ويلاحظها كذلك معظم الآباء والأمهات، هي أن بعض الأطفال صاروا يقلدون السلوكيات غير المنضبطة أو العدوانية التي يشاهدونها في التطبيقات، لدرجة أن بعضهم أصبح لديه صعوبة في تقبل التوجيه والأوامر من الكبار، كما أن بعض الأطفال أصبحوا يفضلون العزلة، ويواجهون صعوبة في تكوين صداقات حقيقية. وقد يُظهرون كذلك ضعفًا في المهارات الاجتماعية، مثل اللعب والتحدث مع الآخرين، والثقة بالنفس، وحل النزاعات”.

وشددت الحسنية على ضرورة تضافر الجهود وأن يكون الحل بالموازنة والتوجيه، وأن تكون الأسرة واعية بالآثار السلبية وكذلك الطفل يجب عليه أن يدرك أنه توجد آثار سلبية لهذه التطبيقات، وعلى الأسرة تحديد أوقات وقوانين لاستخدام الأجهزة للأطفال بوضوح مثل تشجيع الأطفال على إيجاد أنشطة بديلة وممتعة مثل اللعب بالخارج أو التلوين والرسم، ومشاركة الطفل في وقت اللعب بالأجهزة والتحدث عن اللعبة وما هي فائدتها”.



 

من جهته، قال عبدالله بن محمد البلوشي أخصائي استشارات تربوية ومشرف إرشادي اجتماعي بتعليمية شمال الباطنة: “في العصر الرقمي الذي نعيشه، أصبحت التطبيقات الذكية جزءًا لا يتجزأ من يوميات الأطفال، تفتح لهم آفاقًا معرفية واسعة، وتسهم في تنمية بعض المهارات التقنية. إلا أن الاستخدام غير المنضبط لتلك التطبيقات، في ظل غياب الوعي التربوي والرقابة الأسرية والمجتمعية، بات يشكّل تهديدًا مباشرًا لتوازن الطفل النفسي والاجتماعي والسلوكي”.

وبيّن: “من هذا المنطلق، فإن مسؤوليتنا التربوية والمجتمعية تفرض علينا فحص آثار التطبيقات الرقمية على الطفل العُماني، ليس بهدف المنع، وإنما من منطلق التوجيه والتمكين الواعي، والطفل ينسحب مع الاستخدام المفرط للتطبيقات، تدريجيًا من محيطه الأسري والاجتماعي، ويستبدل الحوار اللفظي بالتفاعل الصامت مع الشاشة، مما يؤدي إلى ضعف مهارات التواصل، وتدهور جودة العلاقة بين الطفل وأسرته، حيث أن هذا الانفصال العاطفي يخلق فجوة بين الأجيال، ويضعف من قدرة الأسرة على تنمية القيم والمبادئ الأصيلة داخل الطفل، كما يؤدي الانشغال المستمر بمحتوى رقمي سريع ومشتت إلى ضعف الانتباه وتدهور القدرة على التركيز، مما ينعكس على التحصيل الدراسي، ويؤخر اكتساب المهارات الدراسية  اللازمة، حيث يعتمد الدماغ على التحفيز المنتظم والأنشطة العميقة، وهو ما تفتقر إليه التطبيقات السطحية التي تقدم محتوى ترفيهيًا غير منظم، ما يؤدي إلى خلل في نمط التعلم”.

وذكر البلوشي: “كثير من الأطفال يعمدون إلى تقليد ما يشاهدونه من شخصيات رقمية لا تعكس بالضرورة بيئتهم الثقافية أو الدينية، فتظهر عليهم سلوكيات أو ألفاظ دخيلة قد تُضعف انتماءهم لقيم المجتمع، وفي ظل غياب التوجيه، يصبح المؤثر الرقمي قدوة بديلة، تزيح دور الوالد، المعلم، أو القدوة الوطنية من وعي الطفل، وبالإضافة إلى الاضطرابات النفسية والإنفعالية، الارتباط المفرط بالتطبيقات يؤدي إلى أعراض تشبه “الإدمان الرقمي”، من بينها: القلق، العصبية، صعوبة النوم، ضعف التحكم في الانفعالات، ومقاومة الانفصال عن الجهاز، حيث يفتقر الطفل هنا إلى التوازن العاطفي، ويبدأ بالبحث عن الطمأنينة في العالم الافتراضي بدلًا من البيئة الواقعية، مما يزيد هشاشته النفسية”.

وأوضح البلوشي أن غياب التوجيه في استهلاك أوقات طويلة أمام التطبيقات على حساب الدراسة والصلاة والنوم أو المسؤوليات اليومية، يعمّق لدى الطفل مفهوم “اللاإنضباط” ويؤثر على انتاجياته، حيث إن الطفل يحتاج إلى بنية يومية منظمة، فإذا لم توفَّر له، لن يُدرك قيمة الوقت ولن يمتلك مهارة إدارة أولوياته.

وشدّد البلوشي على ضرورة تواجد الوالد أو الوالدة في حياة الطفل لا كشرطي رقابة، بل كشريك توجيهي محاور، مبينا: “المطلوب ليس المنع، بل المصاحبة، والحوار، والقدوة من خلال اعتماد جلسة يومية قصيرة لمناقشة ما شاهده الطفل، وسؤاله: “ما الذي أعجبك؟ ماذا تعلمت؟ هل كان المحتوى مناسبًا؟”. يُستحسن وضع خطة أسبوعية لاستخدام الأجهزة، توازن بين الترفيه، الدراسة، الراحة، والأنشطة البدنية، بحيث يتعلم الطفل من خلالها مهارة ضبط النفس ، من خلال تثبيت أوقات محددة لفتح الجهاز يوميًا، مع ربطه بإنجاز المهام الدراسية أو الأسرية كشرط أساسي”.

وأشار البلوشي إلى أن الطفل لا يُمنَع إلا إذا وُجِد بديل مشوّق؛ كالرسم، الألعاب الذهنية، قراءة القصص، الرحلات العائلية، المهارات اليدوية، والمشاركة المجتمعية، ومن خلال  تنظيم “يوم عائلي بلا أجهزة” كل أسبوع، يشمل مسابقات منزلية أو نشاطًا جماعيًا محفزًا، كما يجب أن تتبنى المدارس خطة واضحة للتربية الرقمية، ضمن البرامج الإرشادية أو الأنشطة الصفية، بحيث يتعلم الطفل كيف يستخدم التطبيقات بأمان، ووعي، ومهارة نقدية. وأيضا من خلال تنفيذ ورش عمل تحت عنوان: “أنا والمحتوى الرقمي”، يتشارك فيها الطلبة أفكارهم وتجاربهم، ويعالجون المشكلات الرقمية بطريقة جماعية.

واختتم حديثه قائلا: “لا تكتمل الحماية إلا بشراكة تجمع الأسرة، المدرسة، الجهات الإعلامية، والمجتمع المدني في تنفيذ حملات تثقيفية ومبادرات مستدامة توعّي المجتمع بمخاطر الاستخدام الخاطئ وتقدّم حلولًا عملية من خلال إقامة ندوة مجتمعية بعنوان: “طفلي والتقنية: استخدام واعٍ في عصر متسارع”، تجمع المختصين وأولياء الأمور. إننا اليوم أمام تحدٍّ تربوي يفرض علينا أن نوازن بين تمكين الطفل من أدوات العصر، وبين حماية روحه وقيمه من الانجراف خلف محتوى يضعف هويته”.

عبدالله البلوشي.jpg

 

وفي السياق، قال ولي الأمر لؤي بن بدر الزكواني: “الاستخدام المفرط لتطبيقات الهواتف أصبح من أبرز التحديات التي تواجه الأسر اليوم، وإدمان الشاشات بات ظاهرة ملحوظة، تؤثر على توازن حياة الطفل اليومية وتقلل من تفاعله الواقعي مع محيطه، كما أن العزلة الاجتماعية من بين الآثار السلبية المقلقة، إذ يفضّل بعض الأطفال قضاء ساعات طويلة أمام الأجهزة على حساب العلاقات الأسرية والاجتماعية. كما نبه إلى خطورة المحتوى غير المناسب الذي قد يتعرض له الطفل من خلال بعض التطبيقات، ما قد يؤثر على وعيه وسلوكه بشكل غير مدروس”.

وأضاف: “الاستخدام العشوائي للتطبيقات يمكن أن يُضعف من قدرات الطفل العقلية والإبداعية، نتيجة اعتماده على التلقي السلبي للمحتوى، بدلًا من تحفيز التفكير والتخيل، وللحد من هذه التأثيرات، على الأسرة وضع ضوابط زمنية لاستخدام الأجهزة، إلى جانب أهمية الرقابة الأبوية المستمرة. كما أكد على ضرورة التثقيف الرقمي للأطفال، لتمكينهم من التمييز بين المحتوى المفيد والضار، كما أشدد على أهمية دور المدرسة والمجتمع في دعم الأسر من خلال التوعية وتقديم الإرشاد المناسب”.

لؤي الزكواني.jpg

 

شاركها.