◄ التاريخ والسياسة والاقتصاد والثقافة في ظفار أبرز محاور الندوة
◄ الندوة تُبرز إسهامات أبناء ظفار في مسيرة الحضارة العُمانية والإنسانية
◄ 7 جلسات علمية تشتمل على 33 ورقة عمل في 5 محاور رئيسية
◄ إلقاء الضوء على الحضارات القديمة في ظفار وشواهدها الماثلة إلى اليوم
◄ “ذاكرة وطن” يضيء جوانب مُشرقة من مسيرة هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية
◄ الضوياني: عُمان عبر تاريخها العريق أسهمت في بناء الفكر والثقافة
◄ الضوياني: المؤتمرات والندوات تؤدي دورًا مُهمًا في دراسة التاريخ الحضاري لعُمان
◄ الهادي: ظفار تفاعلت قديمًا مع الحضارة الصينية عبر تصدير اللُبان
◄ جين هان جونغ: طريق اللبان” يعتبر “طريق الحرير البحري” حتى أقصى شرق أوراسيا
◄ البراشدي يرصد الإشارات الواردة عن ظفار في المصادر الفقهية والأدبية لحقبة اليعاربة
◄ دراسة الأبعاد الجيوسياسية واللوجستية والعسكرية في جزر كوريا موريا في التاريخ العُماني
◄ إبراز التحصينات العسكرية في ظفار خلال عهد الدولة البوسعيدية
◄ السعدي يُحلل حضور ظفار في النصوص الشعرية والتاريخية والفقهية لشمال عُمان
اخبار عمان مدرين المكتومية
رعى صاحب السمو السيد مروان بن تركي آل سعيد محافظ ظفار، صباح أمس الأحد في ولاية صلالة، انطلاق أعمال ندوة “ظفار في ذاكرة التاريخ العُماني”، والتي تنظمها هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية بالتعاون مع محافظة ظفار، بحضور نخبة من الأكاديميين والباحثين من داخل سلطنة عُمان وخارجها.
وتستمر أعمال الندوة لمدة 3 أيام، تُعقد خلالها 7 جلسات علمية تتناول 33 ورقة عمل، توزعت على 5 محاور رئيسة؛ هي: التاريخي والسياسي، الاقتصادي والاجتماعي، الثقافي والعلمي، إضافة إلى محور الوثائق والمخطوطات والرواية الشفوية. وتهدف الندوة إلى التعريف بالدور التاريخي والحضاري لمحافظة ظفار، وإبراز انعكاس هذا الدور على التاريخ العُماني في مختلف مراحله، وذلك من خلال دراسة المصادر التاريخية المتنوّعة التي تشمل الوثائق والمخطوطات والروايات الشفوية. وتسعى الندوة إلى إبراز إسهامات أبناء ظفار في مسيرة الحضارة العُمانية والإنسانية، وإلقاء الضوء على الحضارات القديمة التي قامت في المُحافظة وما تركته من آثار وشواهد ماثلة إلى اليوم.
ذاكرة وطن
وبدأت الندوة بعرض مرئي عن هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية بعنوان “ذاكرة وطن”، تلى ذلك كلمة سعادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، قال فيها: “يُشرِّفُني أن أُرحِّب بكم أجمل ترحيب، وأحييكم تحية طيبة في هذا الحفل الذي تنظمه هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، والتي دأبت على التعريف بالجوانب الحضارية والتاريخية والثقافية والفكرية لسلطنة عُمان وتاريخها التليد؛ فعُمان عبر تاريخها العريق أسهمت في بناء فكر وثقافة وقدمت أروع الأمثلة في التسامح والاحترام، وفتحت مجالًا واسعًا من العلاقات مع دول العالم وفق مبادئ راسخة وثوابت قائمة على السلام والوئام وحُسن التعامل ونشر الطمأنينة والأمان، فتحقق لعُمان ما تطمح إليه من إرساء علاقات تجارية وسياسية وثقافية واسعة، امتدت شرقًا وغربًا في عُمق الأراضي الآسيوية والأفريقية والأوروبية”. وأضاف الضوياني أن الوثائق والشواهد التاريخية كشفت ما حققه الإنسان العُماني على مدار الحقب التاريخية المختلفة؛ ولذا أولت الهيئة اهتمامها بتوثيقه ورصده واستغلاله الاستغلال الأمثل في الدراسات والبحوث العلمية؛ إدراكًا منها بأهمية تحقيق الأهداف المرجوة والغايات المنشودة التي ترتكز على إبراز دورنا الحضاري والفكري وعلاقاتنا الدولية ودور المجتمع العُماني، وإسهاماته في بناء التنمية المستدامة المتكاملة، وعلاقات المجتمع التي اتسمت بصفات حميدة وخصائل كريمة وأفعال يُضرب بها المثل في التراحم والمودة والوحدة واللحمة الوطنية من أجل الوطن أرضًا وشعبًا.
وأشار سعادته إلى أنَّ عُمان ساهمت في دعم رسالة الإسلام منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، كما نبغ العُمانيون في عِلم الفلك الذي كان له دور كبير في بناء أساطيل بحرية شقت عباب البحار، واكتشفت طرقًا ومسارات بحرية ساهمت في تطور التبادل التجاري عبر القارات، وكان لهذه الحنكة البحرية دور رائد في التواصل وبث رسالة الإسلام التي أرست عليها سلطنة عُمان دعائم نهضتها وانفتاحها الخارجي مع دول العالم في مختلف مجالات الحياة وإسهامها في البناء الحضاري الإنساني؛ لتشكل تلك الإنجازات العُمانية تاريخًا حضاريًا تليدًا يحكي شواهده قصة تاريخ حافل بالبطولات والإنجازات التي امتدت إلى الأجيال الحاضرة وتستمر بعون الله إلى المستقبل؛ فالاهتمام به والوعي بالتراث والثقافة والفكر وإدراكه ليكون زادًا صالحًا لشحذ وجدان الأمة بأصالتها ورسوخها والاستعانة به على رقيها في حاضرها ومستقبلها.
وقال سعادته: “ها نحن نشهد إنجازات متوالية في مختلف مجالات الحياة العلمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والعمرانية، وعلى صعيد آخر ظلت عُمان تمضي في نهجها الإنساني قروناً تلو الأخرى تتمسك بمبادئ السلام والمحبة لتزداد رسوخًا وتثبيتًا، فقد أرست عُمان في مبادئها السامية الرفيعة حُسن التعامل وثوابت المواقف ونشر الطمأنينة والأمان وظهر ذلك جليًا على مر العصور الزمنية وهو ما أسهم في امتداد العلاقات التجارية مع الأمم والحضارات المختلفة؛ فصار الركب من الأئمة والسلاطين على هذا النهج بثبات ويقين لا يتزعزع والتزام ثابت وتمكين يتسم بسياسة حب الخير للإنسانية، ونسأل الله جلّت قدرته أن يمن على عُمان بالخير والرفعة والعزة والمجد والرخاء في العهد الميمون بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم حفظه الله ورعاه”.
التاريخ الحضاري
وأكد الضوياني أن المؤتمرات والندوات تُمثِّل أهمية خاصة في دراسة التاريخ الحضاري لسلطنة عُمان وتتبع ما حققه الإنسان العُماني على مدار الحقب التاريخية المختلفة وأولت الهيئة اهتمامها؛ إدراكًا منها بتحقيق الأهداف المرجوة والغايات المنشودة التي أنشئت من أجلها ومنها استغلال الوثائق والدراسات والبحوث الاستغلال الأمثل، دراسةً وبحثًا وإصدارًا، وأصبح ذلك منهجًا تعمل عليه الهيئة بأحداث سلسلة من الندوات لإبراز الجوانب الحضارية والتاريخية للمحافظات والمدن العُمانية .وقال سعادته: “نتشرف أن تعقد هذه الندوة في محافظة ظفار العريقة ومجدها وأصالتها ودورها التاريخي؛ فهي حاضرة عُمانية قامت على أرضها الطيبة حضارة تمتد لقرون عديدة، وأضحت موطنًا تجاريًا ومعبرًا في التَّواصل التجاري والثقافي والاجتماعي؛ فكانت محافظة ظفار بولاياتها محورًا مهمًا من محاور الأحداث العُمانية وشكَّلت اهتمامًا في ثنايا التاريخ العُماني دون انقطاع لحقب عديدة، وضربت أروع المُثُل في المد البشري والعسكري، منذ أن أطلق الإمام الصلت بن مالك الخروصي حملته العسكرية لمواجهة الغُزاة في سقطرى، فكان قوام جيشه ومدده العسكري مساهمة من معظم المدن الساحلية، وكان لهذه المحافظة وأهلها السند المتين والتمكين القويم لتحقيق النصر المبين، كما إنها اليوم تنعم كغيرها من محافظات سلطنة عُمان بنهضة شاملة في مختلف مجالات الحياة، وها هُم أهلها الكرام يُسهمون في مسيرة البناء والتطور والنماء لسلطنة عُمان بكل كفاءة واقتدار وأدوارهم شاهدة على خلقهم الكريم”.
مشاركات نوعية
وذكر الضوياني أنَّ الندوة وعلى مدار 3 أيام تتناول 33 ورقة عمل، يُقدِّمها نخبة مُتميزة من الأساتذة والباحثين الكرام، وستكون بحوثهم محط اهتمام لإصدارها ورفد المكتبات المحلية والعالمية. واختتم الضوياني كلمته بالقول: “يُشرِّفُني أن أتوجه إلى صاحب السُّمو السيد مروان بن تركي آل سعيد الموقر محافظ ظفار بخالص الشكر وعظيم الامتنان على موافقته على رعاية الحفل، وعلى الجهود الكبيرة التي بذلت مع مكتب المحافظ تنسيقًا وتحضيرًا وإعدادًا لهذه الندوة؛ مما كان له الأثر الطيب في الاستجابة لمشاركة الجهات المختلفة في أعمال وجلسات الندوة، كما أتقدم بالشكر والتقدير لزملائي وزميلاتي في هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية على ما بذلوه من الجهود في التحضير والإعداد لأعمال الندوة، ومن خلالهم نتشرف أن نزجي لكم آيات الشكر والتقدير على تلبية دعوة حضور الافتتاح ومواصلة أعمال وجلسات الندوة، كما يشرفني أن أسجل كلمة شكر وتقدير إلى كافة الأساتذة الذين سيقدمون أوراق عمل مختارة ومتميزة متمنيًا لأعمال وجلسات الندوة كل النجاح والتيسير والتوفيق”.
تلى ذلك، عرض مرئي بعنوان “ظفار أرض الذهب الأبيض”، وقدم الشاعر حمود بن علي العيسيري قصيدة شعرية بعنوان “هتاف في سمع الزمان”.
ظفار عبر الأزمنة والوثائق
وافتُتحت الجلسة الأولى بإدارة الدكتور علي الريامي رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس، واستهلها الباحث سعيد بن خالد العمري بورقته “ظفار ومسمياتها التاريخية والاستيطان البشري القديم”. ويناقش الباحث ذلك من خلال محورين؛ المحور الأول: أسماء ظفار ومسمياتها التاريخية، وتناول هذا المحور، أسماء ظفار في المصادر الكلاسيكية والنقوش الأثرية، واسم ظفار في المصادر المكتوبة والنقشية، وفي اللغات القديمة واللهجات المحلية، استعمالات اسم ظفار ومراحله تطوره من اسم مدينة إلى اسم للمنطقة التي تحمل هذا الاسم حاليًا. أما المحور الثاني فتطرق إلى الاستيطان البشري القديم في ظفار، وتناول ظفار في العصور الجيولوجية وعصور ما قبل التاريخ، العصر الحجري القديم والوسيط والحديث، وتكوُّن التجمعات الأولية في العصر البرونزي، والتغيُّر المناخي وما نجم عنه من نزوح سكاني من مناطق الجفاف في النجد إلى الجبال، وكذلك نشوء المراكز الحضرية في العصر الحديدي وازدهار تجارة اللبان وظهور الموانئ التجارية.
ظفار في الوثائق الصينية
وقدّم الدكتور حبيب بن مرهون الهادي ورقته “ظفار في نهايات العصور الوسطى: دراسة في الوثائق الصينية”، حيث قال فيها إن ظفار تعد إحدى أقاليم عُمان المعروفة بتفاعلها مع حضارات وشعوب كثيرة بسبب شهرتها في إنتاج اللبان، خاصةً تلك العلاقة التي قامت بينها وبين الحضارة الصينية في أقصى الشرق؛ حيث امتدت العلاقات منذ العصور القديمة، فقد ورد في الحوليات الصينية بأن إمبراطور الصين احتكر تجارة اللبان الظفاري، وفي العصور الوسطى ازدهرت تلك العلاقات؛ فأوردت الحوليات الصينية في وثائقها أسماء بعض حكام ظفار وسفرائها لدى الصين، وقد بلغت تلك العلاقات أوجها أثناء رحلات الأسطول الصيني إلى البلاد العربية في بدايات القرن الخامس عشر الميلادي بقيادة الأدميرال المُسلم شمس الدين (تشنغ خه). وسلطت الورقة الضوء على ما ذكرته الوثائق الصينية عن ظفار في الجوانب الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية في فترة الدراسة. واعتمدت هذه الدراسة على المنهج الوصفي التاريخي والمنهج التحليلي، وتكمن أهمية البحث في دراسة الواقع الظفاري من خلال الوثائق الصينية في العصور الوسطى. وقد جاءت الورقة في تمهيد ومبحثين؛ ففي التمهيد ذُكرت مكانة ظفار التاريخية وأهميتها الثقافية والاجتماعية واهتمام تجار العالم باللبان الظفاري. وفي المبحث الأول، تتطرق الورقة عن العلاقات السياسية التي قامت بين ظفار العُمانية والصين، كما وصفتها الوثائق الصينية. بينما تطرق المبحث الثاني إلى العلاقات الاقتصادية التي قامت بين ظفار العُمانية والصين كما وصفتها الوثائق الصينية.
العلاقات العُمانية البريطانية
أما الباحث سالم بن أحمد الكثيري فقدم دراسة بعنوان “زيارة السفينة الإنجليزية باليزا لإقليم ظفار بين 1833 و1846م”؛ حيث تناول فترة مُهمة في تاريخ العلاقات العُمانيةالبريطانية، من خلال دراسة زيارات السفينة الإنجليزية بالينرز (Palinurus) إلى إقليم ظفار العُماني بين عامي 1833 و1846. وسعى الباحث من خلال الدراسة إلى فهم الدوافع الكامنة وراء هذه الزيارات، وتتبع مساراتها ونتائجها المباشرة وغير المباشرة، وتقييم أهميتها التاريخية في سياق التفاعلات الإقليمية والدولية في القرن التاسع عشر. وهدف البحث بشكل رئيس إلى: تحديد وتحليل الدوافع السياسية والاقتصادية والعلمية المحتملة لزيارات السفينة بالينرز إلى ظفار، وتتبع مسارات هذه الزيارات وتحديد المناطق التي شملتها والتفاعلات التي جرت خلالها، تقييم الآثار المترتبة على هذه الزيارات من خلال استعراض التقارير والأبحاث العلمية التي كانت نتاجًا لهذه الزيارة، وإبراز الأهمية التاريخية لهذه الزيارات في إبراز تاريخ المنطقة خلال فترة الزيارة. واعتمد البحث على المنهج التاريخي الوصفي والتحليلي؛ حيث استندت الدراسة إلى مراجعة المصادر الأولية المتاحة (مثل المذكرات واليوميات والتقارير التي قيّدها ضباط السفينة والتي نشرت ضمن سجلات شركة الهند الشرقية والمجلات العلمية الإنجليزية)، والمصادر الثانوية التي تناولت تاريخ المنطقة والعلاقات العُمانية البريطانية في تلك الفترة. وتناولت الدراسة 6 محاور؛ وهي: الأول: السياق السياسي والاقتصادي لظفار وعُمان وبريطانيا في النصف الأول من القرن التاسع عشر. الثاني: معلومات حول السفينة بالينرز ورحلاتها في المنطقة. الثالث: تحليل الدوافع البريطانية المحتملة لزيارة ظفار (مثل المسوحات البحرية، المصالح التجارية، الأهداف الاستراتيجية. الرابع: دراسة التفاعلات بين طاقم السفينة والسكان المحليين في ظفار. الخامس: رصد ملامح التحولات الديموغرافية والاقتصادية في ظفار خلال القرن التاسع عشر. السادس: تقييم النتائج المباشرة وغير المباشرة لهذه الزيارات على المدى القصير والطويل. وكشف البحث عن طبيعة اهتمام بريطانيا بإقليم ظفار العُماني في تلك الفترة، وأبرز الدور الذي لعبته زيارات السفينة بالينرز في تعزيز المعرفة البريطانية بالمنطقة وربما تمهيد الطريق لتفاعلات أعمق لاحقًا.
طريق اللبان
ومن زاوية حضارية موسعة، استعرض الدكتور جين هان جونغ من كوريا الجنوبية ورقة بعنوان “طريق اللبان من ظفار إلى كوريا: طريق الحرير البحري”، وهدفت الدراسة إلى تمديد “طريق اللبان” الذي يُعتبر “طريق الحرير” البحري حتى أقصى شرق أوراسيا، من خلال القطع الأثرية والمصادر المتعلقة به من القرن الثامن التي تم اكتشافها في كوريا، تم تركيز الدراسات السابقة حول تاريخ اللبان على المناطق الغربية من أوراسيا، ولكن هذه الدراسة وسّعت نطاق دراسة اللبان ليشمل شرق آسيا، بهدف الكشف عن أن “طريق اللبان” كان طريقًا للتبادل بين الشرق والغرب عبر العالم الأفروأوراسي قبل العصر الحديث، أي “طريق الحرير البحري، كما تهدف هذه الدراسة، على خلاف الدراسات السابقة التي لم تتعدَّ الإشارة المحدودة إلى هذه الإمكانية، إلى إثبات من خلال منهجية التحليل المقارن متعددة التخصصات أن طريق اللبان قد يكون امتد حتى كوريا.
ظفار في عهد الإمام
واختتم الجلسة الدكتور موسى بن سالم البراشدي من جامعة السلطان قابوس ببحثه المعنون “ظفار في عهد الإمام سلطان بن سيف اليعربي (1059 1679م)”؛ حيث تناول ظفار في عهد الإمام سلطان بن سيف بن مالك اليعربي (10591090هـ / 16491679م)، ودوره في مواجهة البرتغاليين ووصول قواته إلى ظفار وما ترتب على ذلك من علاقات بينه وبين الإمامة الزيدية في اليمن. وهدفت الورقة إلى رصد الإشارات الواردة عن ظفار في المصادر الفقهية والأدبية لحقبة اليعاربة، إضافةً إلى تسليط الضوء على علاقة الإمام سلطان بن سيف بن مالك اليعربي بظفار، والآثار المترتبة عليها. وتناولت الورقة البحثية 3 محاور أساسية؛ المحور الأول: صورة ظفار لدى علماء دولة اليعاربة، بينما تناول المحور الثاني: سيطرة الإمام سلطان بن سيف اليعربي على ظفار، أما المحور الثالث: الآثار المترتبة على سيطرة اليعاربة على ظفار. وقال البراشدي إن أهمية الموضوع تكمن في إبراز علاقة اليعاربة بظفار؛ باعتباره موضوعًا لم يتم التطرق إليه سابقًا، واتَّبع الباحث المنهج التاريخي المبني على استقراء المصادر التاريخية العُمانية واليمنية، والمصادر الفقهية، والأدبية، وتحليلها والربط فيما بينها؛ بغية الوصول إلى تحقيق الأهداف المؤمل تحقيقها من خلال هذه الورقة. وتمكن الباحث من إبراز صورة ظفار في ذهنية المثقف العُماني خلال فترة اليعاربة، وتسليط الضوء على علاقة أئمة اليعاربة بظفار، وأبرز وُلَاتِهم في تلك الفترة، وتحليل علاقة عُمان السياسية مع الإمامة الزيدية في اليمن من خلال المراسلات بين الإمامتين آنذاك.
الجلسة الثانية
وأدار الجلسة الثانية الدكتور أحمد بن علي المعشني، وافتتحتها الدكتورة بهية بنت سعيد العذوبية بدراسة وثائقية بعنوان “جزر كوريا موريا في التاريخ العُماني: جيوسياسيًا ولوجستيًا وعسكريًا”. وتكمن أهمية الدراسة في كشف الأبعاد التاريخية والسياسية التي جعلت من هذه الجزر نقطة محورية في التاريخ الجيوسياسي والاستراتيجي للمنطقة، ومن هذا المنطلق تمثلت أهداف الدراسة في: تحليل الأهمية الجيوسياسية لجزر كوريا موريا في السياقين الإقليمي والدولي، دراسة الدور اللوجستي والعسكري للجزر في التاريخ العُماني، فهم تأثير الجزر على العلاقات العُمانية مع القوى الإقليمية والدولية، توثيق الأحداث التاريخية الرئيسية المرتبطة بهذه الجزر وتأثيرها المحلي والإقليمي، يعتمد البحث على المنهج التاريخي التحليلي وذلك من خلال دراسة الوثائق التاريخية والمصادر الجغرافية، إضافة إلى المنهج الوصفي لتقديم تحليل دقيق للأحداث السياسية والعسكرية المرتبطة بالجزر. وانقسمت الدراسة إلى 4 محاور؛ المحور الأول: خلفية جغرافية لجزر كوريا موريا، والمحور الثاني: الأهمية الجيوسياسية للجزر على المستويين الإقليمي والدولي، والمحور الثالث: البعد اللوجستي والعسكري ودوره في تعزيز النفوذ البحري للجزر محليًا وإقليميًا، والمحور الرابع: تأثير الجزر على العلاقات العُمانية الإقليمية والدولية. وخرجت الدراسة بعدة نتائج؛ ومنها: إبراز الأهمية الاستراتيجية لجزر كوريا موريا في التاريخ العُماني، توضيح الدور المحوري للجزر على الصعيد السياسي واللوجستي، الكشف عن دور الجزر في رسم السياسات الخارجية لعُمان.
التحصينات العسكرية
وقدم الدكتور عبدالعزيز بن حميد المحذوري ورقة عمل بحثية حول “التحصينات العسكرية في ظفار في عهد الدولة البوسعيدية”؛ حيث أكد أنَّ التحصينات العسكرية بأشكالها المختلفة في سلطنة عُمان تُعد من المعالم البارزة التي أدّت دورًا تاريخيًا مُهمًا؛ حيث لا تكاد تخلو ولاية من ولاياتها من تلك التحصينات، كما إن تلك التحصينات اتخذت طابعًا معماريًا متميزًا؛ سواء بسبب ارتباطها بالفترة الزمنية التي أنشئت فيها، أو لارتباطها بالغرض الرئيسي من إنشائها. وسلطت الورقة الضوء على التحصينات العسكرية في محافظة ظفار خلال عهد الدولة البوسعيدية؛ بهدف توثيق هذه المنشآت وإبراز أهميتها التاريخية والمعمارية وما لعبته من أدوار عسكرية وإدارية مهمة الأمر الذي يعكس حرص الدولة البوسعيدية على تعزيز وجودها الاستراتيجي، وكذلك إبراز ما أدته هذه التحصينات من أدوار اجتماعية واقتصادية مهمة تعكس مكانة ظفار كمركز حيوي للأحداث التاريخية ويُساهم في تعزيز السياحة والحفاظ على التراث الثقافي. وهدفت الدراسة إلى توضيح أهمية التحصينات العسكرية في التاريخ العُماني، والتعرف على أبرز التحصينات العسكرية في محافظة ظفار في عهد الدولة البوسعيدية. وتناولت الدراسة 4 محاور رئيسية، واعتمدت الدراسة على المنهج التاريخي والوصفي التحليلي، من خلال تتبع المصادر المحلية والأجنبية التي تناولت الموضوع إلى جانب الزيارات الميدانية والمقابلات مع بعض المختصين وكبار السن؛ لفهم طبيعة هذه التحصينات وأدوارها.
ظفار في الوثائق الفرنسية
ثم جاءت ورقة الأستاذ الدكتور العروسي بن علي الميزوري من الجمهورية التونسية، بعنوان “محافظة ظفار في الدراسات الفرنسية المعاصرة”؛ حيث قال إن نتائج البحث تسلط الأضواء على مدى اهتمام الدّراسات الفرنسيّة بشكل لافت بتاريخ عُمان وآثارها وتراثها العريق ومدى إسهام مختلف هذه الدّراسات في فتح آفاق الحوار والتّسامح والتّفاهم بين “الأنا والآخر”، وهي مسائل من أَوْكَد حاجياتنا الثّقافيّة الوطنيّة والإقليميّة والدّوليّة الرّاهنة؛ إذ ما انفكّت مختلف الشّعوب في العالم تسعى إلى ترسيخ مبادئ هذه القيم الإنسانيّة بين أفرادها ومجتمعاتها.
واختتم الدكتور ناصر بن سيف السعدي من جامعة نزوى الجلسة بورقة بعنوان: “ظفار في نصوص تراث الشمال العُماني: تمثُّلات الاقتصاد والسياسة”، والتي حلَّلت حضور ظفار في النصوص الشعرية والتاريخية والفقهية؛ باعتبارها جزءًا أصيلًا من الوعي الجمعي العُماني، ومكونًا فاعلًا في التوازن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بين شمال عُمان وجنوبها.
وتتناول الندوة استعراضًا مُعمَّقًا للجوانب العلمية والثقافية والأدبية في تاريخ المحافظة، والتعرّف على العادات والتقاليد العُمانية الأصيلة التي تُميِّز المجتمع الظفاري، إضافة إلى تحليل الوثائق والمخطوطات المتصلة بتاريخ ظفار. ومن المؤمل أن تُبرز الجلسات أهم الأحداث التي شهدتها المحافظة ضمن مسيرة التاريخ العُماني؛ بما يُعزِّز مكانتها بوصفها ركيزة أساسية في الهوية الوطنية.
وتأتي هذه الندوة العلمية في إطار جهود هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية لتوثيق الإرث العُماني وحفظه في مختلف المحافظات والمدن العُمانية، وإتاحته للأجيال القادمة باعتباره جزءًا أصيلًا من الذاكرة الوطنية، وامتدادًا لمسيرة حضارية عريقة أسهمت في صياغة تاريخ سلطنة عُمان وهويتها الثقافية.