سارة العبرية
مُنذُ سنواتٍ ونحن نقرأ ونُتابع جهود تنفيذ العديد من المشاريع التنموية الكُبرى التي تستهدف تحسين جودة الحياة في وطننا الحبيب، غير أن “مشروع نظام العنونة الوطني” يختلف عن غيره؛ فهو ليس مجرد لوحات تحمل أسماء شوارع أو أرقام منازل وحسب؛ وإنما يمثل تحوّلًا جذريًا في مفهوم التنظيم الحضري والخدمات العامة، والأهم من ذلك إنجاز كبير على مضمار التحول الرقمي في الخدمات الحكومية.
والجانب الذي أراهُ الأكثر تميزًا هو حفاظ المشروع على الموروث المحلي من خلال اعتماد أسماء متوارثة للشوارع والقرى، وهي خطوة ذكية جدًا توازن بين الحداثة والهوية، وتجعل من العنوان جزءًا من ذاكرة المكان التي ترتبط بها الأجيال.
لكن ذلك لا يعني خلو المشروع من التحديات الميدانية، خاصةً في المحافظات ذات الطبيعة الجغرافية الصعبة مثل مسندم أو المناطق الجبلية والبحرية، كذلك فإن الأعطال الفنية أو ضعف وضوح بعض المعايير قد تؤثر على دقة التنفيذ؛ فنجاح هذا المشروع كما أراه لن يقاس فقط بفكرته المبتكرة، وإنما بقدرة الجهات المُنفذة على مواجهة هذه التحديات وضمان استدامة النظام.
إنّ الأثر الاقتصادي لمشروع نظام العنونة الوطني لا يقل أهمية عن أبعاده الخدمية والتنظيمية؛ فحين يصبح لكل بيت ولكل مؤسسة عنوان واضح ودقيق، فإن عجلة الاقتصاد ستدور بوتيرة أسرع؛ فشركات التوصيل ستخفض تكاليفها، والمتاجر الإلكترونية ستُعزز ثقة عملائها، وحتى المستثمر الأجنبي سيجد في هذه المنظومة دليلاً على جدية البنية التحتية وقدرتها على مواكبة المستقبل. نحن نتحدث هنا عن مشروع لا يقتصر على لوحات تحمل أسماء شوارع، وإنما عن خطوة ستُرسم خارطة جديدة للتنمية الاقتصادية، وتفتح أبوابًا أوسع للابتكار وريادة الأعمال.
وأعتقدُ أن اكتمال المشروع بحلول عام 2027 سيكون بمثابة مرحلة تنموية جديدة، ستُسهِّل وصول سيارات الإسعاف والدفاع المدني إلى المواقع، وستتحسن خدمات التوصيل والتجارة الإلكترونية، كما إن المشروع سيُعزز ثقة المستثمرين في البنية الأساسية الوطنية.
ببساطة.. مشروع العنونة سيجعل عُمان أكثر جاهزية للمستقبل الرقمي وأعلى قُدرة على المنافسة إقليميًا وعالميًا.