◄ حين تُوقع اتفاقية باسم الوطن يتوقع المواطن أن يعرف كل التفاصيل قبل أن يعرف الآخرون

 

إبراهيم بن سالم الهادي

قد تحمل اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة الموقعة بين سلطنة عُمان وجمهورية الهند، وعودًا اقتصادية تبدو براقة في ظاهرها، غير أنَّ الوعود حين لا تُحاط بالتفاصيل تتحول إلى مساحات مفتوحة للقلق والتأويلات، أكثر منها أبوابًا للاطمئنان، فحين تكون الاتفاقية بحجم وطن يصاحبها تفاصيل شفافة بوضوح يليق بتأثيرها في معيشة الناس ومستقبلهم.

اللافت في بيان الاتفاقية ليس ما تضمّنه؛ بل ما تركه بين السطور لغة عامة، حذرة، تخلو من الأرقام والالتزامات تقابلها في الضفة الأخرى تصريحات هندية أكثر صراحة وجرأة تتحدث عن تسهيلات ونفاذ ومكاسب واضحة. هنا يتشكل المشهد بتباين لا تخطئه العين خطاب داخلي مقتضب وخطاب خارجي واثق وكأنَّ الاتفاقية تتبدل ملامحها بتبدل الجمهور.

هذا التفاوت لا يبدو بريئًا حين يُقرأ في سياقه السياسي؛ فالهند وهي تتجه نحو استحقاق انتخابي جديد تبحث عن إنجازات تُقدَّم للناخبين باعتبارها دليل قوة وحسن إدارة، وفي مثل هذه اللحظات تصبح الاتفاقيات الدولية أوراقًا انتخابية، بقدر ما هي أدوات اقتصادية، ويسعى صانع القرار هناك لأن يخرج منها رابحًا بأوضح صورة ممكنة سياسيًا واقتصاديًا.

في المُقابل، يغيب عن البيان المحلي أكثر الملفات التصاقًا بحياة المواطن، وهي فرص العمل، ونسب التعمين، ونقل المعرفة. غياب لا يُمكن اعتباره تفصيلًا عابرًا، ولا يمكن فصله عن قلق الشباب الباحث عن وظيفة، ولا عن هواجس الاستقرار المعيشي، فالاتفاقيات لا تُقاس فقط بحجم الاستثمارات؛ بل بقدرتها على خلق أمان اقتصادي يشعر به النَّاس لا أن يُكتب في التقارير.

وتزداد الصورة اكتمالًا حين نُلاحظ الغياب الصريح لدور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تلك التي يفترض أن تكون الجسر بين الاتفاقيات الكبرى والاقتصاد المحلي، فحين لا تُذكر هذه المؤسسات يُخشى أن تتكدس المكاسب في الأعلى بينما يبقى الأثر محدودًا في القاعدة.

لا يُمكن تجاهل البُعد الاستراتيجي لهذه الشراكة الذي يتجاوز الاقتصاد؛ ليصل إلى النفوذ الإقليمي والسياسي، وهو أمر يجعل من الشفافية والوضوح المحلي أولوية قصوى لضمان أن تكون مصالح الوطن محمية، وليست مجرد ترويج للإنجازات في الخارج.

كما يغيب الحديث عن تأثير الاتفاقية على القطاعات المختلفة مثل الصناعات المحلية وقطاع التعليم والتدريب المهني ونقل التكنولوجيا والتي قد تكون الركائز الأساسية لتحقيق فوائد ملموسة على الأرض.

نعم هناك للاتفاقية إيجابيات اقتصادية حقيقية، لكن الاقتصاد لا يعيش في فراغ ولا ينفصل عن السياسة ولا عن العدالة في توزيع العوائد، وحين يظهر طرف وهو يعلن مكاسبه بثقة، بينما يُترك الطرف الآخر أمام بيان عام وأسئلة مؤجلة، فإن الخلل لا يكمن في الاتفاقية ذاتها بقدر ما يكمن في طريقة عرضها وإدارتها.

هنا علينا النظر إلى المخاطر المحتملة مثل الاعتماد المفرط على الاستثمارات الأجنبية وتفاوت العوائد الاقتصادية بين القطاعات أو أي ضغط سياسي مستقبلي قد ينشأ إذا غابت المُتابعة المحلية الدقيقة.

الشفافية يجب أن تكون حاضرة في هذا السياق كونها حقًا وطنيًا؛ فالاتفاقيات التي تُبرم باسم الوطن، من الواجب أن تُروى بلغة واحدة صادقة واضحة لا تختلف بين الداخل والخارج، وحده هذا الوضوح كفيلٌ بأن يُحوِّل الاتفاقيات من أوراق سياسية عابرة إلى مسارات تنموية يشعر بها المُواطن ويطمئن إليها ويرى فيها مستقبله لا مستقبل غيره.

وأخيرًا.. تظل الدعوة قائمة للجهات الرسمية إلى نشر التفاصيل الكاملة بشفافية واضحة بعيدًا عن الغموض الذي يفتح مجالًا كبيرًا للتأويلات والاستنتاجات الاجتهادية، وإشراك المجتمع المحلي في فهم الاتفاقية والاطمئنان إلى أن كل جانب منها يخدم الوطن والمواطن قبل أي اعتبارات أخرى.

شاركها.