◄ الدعوة إلى جمع وترجمة ونشر الوثائق الأجنبية المتعلقة بتاريخ عمان

◄ تأكيد أهمية الاستفادة من الخبرات العالمية في حفظ تاريخ المحافظة

◄ التوصية بتعزيز الاهتمام بدراسة اللغات العربية الجنوبية القديمة والمعاصرة

 

اخبار عمان مدرين المكتومية

أُسدل الستار في ولاية صلالة على فعاليات ندوة “ظفار في ذاكرة التاريخ العُماني” التي نظمتها هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية على مدى ثلاثة أيام، وشهدت مشاركة واسعة من نخبة الباحثين والمؤرخين والمهتمين. وتخللت الندوة جلسات علمية ثرية ناقشت تاريخ المحافظة وحضارتها عبر العصور، بدءًا من النقوش واللغات القديمة وصولًا إلى حضورها في الأدب والصحافة العربية الحديثة.

رعى حفل الختام سعادة الدكتور أحمد بن محسن الغساني، رئيس بلدية ظفار، حيث جرى تكريم الباحثين المشاركين.

وخرجت الندوة بعدد من التوصيات لتعزيز الجهود الوطنية في حفظ الذاكرة التاريخية، فضلاً عن تفعيل الاستفادة من الإرث الحضاري وإيجاد آليات عملية تسهم في تطوير البحث العلمي وخدمة المجتمع، بما يُعزز مكانة محافظة ظفار بخاصة والتاريخ العُماني عبر العصور بشكل عام في المحافل العلمية والثقافية.

وأوصت الندوة بالتأكيد على أهمية تعزيز البحث العلمي متعدد التخصصات في دراسة تاريخ محافظة ظفار وحضارتها، من خلال دمج جهود المؤرخين وعلماء الآثار والجغرافيين واللغويين والأنثروبولوجيين، كما دعا المشاركون في الندوة إلى تعزيز العمل على جمع وترجمة ونشر الوثائق والدراسات الأجنبية المتعلقة بتاريخ سلطنة عُمان وحضارتها.

 وأكدت التوصيات على أهمية مواصلة رقمنة وأرشفة الوثائق والمخطوطات والصور التاريخية المتعلقة بمحافظة ظفار، وتوظيف التقنيات الناشئة لعرض تاريخ محافظة ظفار بشكل خاص والتاريخ العُماني بشكل عام، إلى جانب تشجيع المواطنين على تسجيل وثائقهم ومخطوطاتهم التي ترصد جوانب مختلفة من تاريخ محافظة ظفار، وحث أفراد المجتمع على تسجيل رواياتهم الشفوية لدى هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية.

وأكدت الندوة أهمية تشجيع التعاون الدولي مع المؤسسات والمنظمات الدولية المتخصصة في التراث والثقافة، للاستفادة من الخبرات العالمية في حفظ تاريخ محافظة ظفار وتوثيقه، داعيةً إلى تنفيذ برامج توعوية في المدارس والمجتمع المحلي لتعزيز الهوية الوطنية، وتعزيز الاهتمام بدراسة اللغات العربية الجنوبية القديمة والمعاصرة، والعمل على ترجمة الأعمال الأصيلة، نشر البحوث العلمية التي قدمت في الندوة في السلسلة التاريخية والحضارية للمحافظات والمدن العُمانية، التي تصدرها هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية.

ورفع المشاركون في الندوة أسمى آيات الشكر والتقدير والعرفان إلى المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله ورعاه على عنايته السامية ورعايته الكريمة واهتمامه بالتراث الوطني وإيلائه العناية والدعم لدور هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية بعدِّها ذاكرة وطنية لسلطنة عُمان.

جلسات اليوم الختامي

توزعت أوراق اليوم الختامي على جلستين تناولتا قضايا بحثية متعمقة، وقد عكست هذه الأوراق ثراء الإرث اللغوي والثقافي والتاريخي لظفار، من المعابد الدينية ومشاريع الاستدامة في المواقع التراثية، إلى جهود البعثات الأثرية وبواكير الخدمات الصحية الحديثة، لتشكل في مجملها إضافة معرفية رصينة تعزز الدراسات الأكاديمية وتربط الماضي بالحاضر والمستقبل.

وقدّمت الأستاذة الدكتورة أسمهان بنت سعيد الجرو، أخصائية دراسات تاريخية بمتحف عُمان عبر الزمان، ورقتها بعنوان “دراسة تحليلية لنماذج من الأسماء البسيطة والمركبة في نقوش ظفار: نحو فهم أعمق لبدايات اللغة العربية المكتوبة”، موضحة: “ظلت نقوش ظفار تمثل لغزًا محيرًا لعلماء اللغات السامية على مدار 34 عامًا، بما في ذلك الباحثة “جيرالدين كينج” (G. King)، التي قامت بتوثيق نقوش ظفار في الفترة ما بين (19911992) بالتعاون مكتشف تلك النقوش الباحث (علي بن أحمد الشحري). ومع ذلك، أقرت (King) بصعوبة فك رموز هذه النقوش نظرًا لكثرة حروفها وغموض بعضها على الرغم من تشابهها مع الكتابات السبئية، والحضرمية، القتبانية، والمعينية والثمودية، اللحيانية، والصفائية، وبعد أكثر من 17 عامًا من البحث والدراسة المتواصلة، تمكّنا بفضل الله وتوفيقه من الكشف عن أسرار هذا النظام الكتابي الفريد، حيث حددنا خصائصه التي مكّنتنا من وضع أبجدية خاصة به”.

أما الدكتور أحمد بن محمد الرمحي، أستاذ اللغويات المشارك بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الشرقية، فاستعرض في ورقته “لغات ظفار في مصادر التراث العربي”، مبينا: تُعدّ محافظة ظفار وما جاورها بيئة لغويّة متميزة بعربيتها الجنوبية، وهي عربية تضرب في أعماق التاريخ، وعلى الرغم من سماتها الخاصة بها التي تُميّزها من عربية الشمال (عربية القرآن الكريم) لم تخْلُ المصادر العربية من الإلماح إليها في إشارات دلالية وأخرى صوتية، وهي إشارات تعكس رصْدًا قديمًا لهذه اللغة، أفضت في أحايين قليلة إلى النظر في العلاقات الدلالية التي تشكِّلها مع اللغة العربية الشمالية، وكلٌّ من ذلك يعكس الأثر والتأثُّر في البيئة اللغوية، إذ كان لعربية الشمال العُماني نصيب واضح منه، وتهدف الدراسة للكشف عن الثراء اللغوي الذي يحفل به تراثنا اللغوي العربي، وإبراز التنوّع اللغوي في سلطنة عُمان على مرّ التاريخ، والتأكيد على أهمية العناية بالعربية الجنوبية.

وقدّم الدكتور عامر بن أزاد الكثيري، محاضر أول لغة عربية، جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بصلالة، ورقته “اللغات العربية الجنوبية المعاصرة في سلطنة عُمان وعلاقتها بالأسرة اللغوية”، مشيراً إلى أنَّ الدراسة تهدف إلى بحث وتحليل اللغات العربية الجنوبية المعاصرة في سلطنة عُمان وتحديد علاقتها بالأسرة اللغوية السامية، معتمدًا على أحدث التصنيفات والنتائج اللغوية الحديثة. تسلط الدراسة الضوء على الخصائص الصوتية والصرفية الفريدة لهذه اللغات التي تعكس ارتباطًا عميقًا بجذورها السامية، كما تسعى إلى إتاحة نتائج الدراسات الغربية للباحثين العرب؛ بهدف تعزيز الفهم والبناء على الجهود العلمية السابقة، مع تحديد الثغرات البحثية التي يمكن أن تسهم في توجيه الدراسات المستقبلية في هذا المجال العلمي الخصب.

وانتقل النقاش إلى البعد الأدبي والثقافي، حيث عرض هلال بن سيف البادي نائب مدير دائرة التواصل والإعلام بجامعة السلطان قابوس، ورقته بعنوان “ظفار حالة سردية في الأعمال المسرحية: نصوص آمنة الربيع أنموذجًا”، قائلا: تحضر ظفار في عديد الأعمال الإبداعية، لا كمكان تحدث فيه الأحداث وحسب، بل إنّ ذلك الفضاء المكانيّ يستحضر شحنات عديدة من متعلقات ذلك الفضاء، وعلى رأسها الحكايات الشعبية أو الأسطورية أو المواد الفولكلورية كالأغاني والأناشيد والرقصات والأزياء، وحتى المفردات اللغوية التي قد تكون خاصة في ذاتها به، والتي لا يأتي بها المخيال الإبداعي اعتباطا وإنما لخدمة أهداف الخطاب النصيّ الذي يريده الكاتب ويفرضه المخيال الإبداعيّ، حيث تهدف هذه الدراسة إلى مناقشة ذلك المنتوج الإبداعيّ المعتمد على ما ذكرناه من محتوى تراثيّ وفولكلوريّ وحكائيّ، لدى آمنة الربيع من حيث ثراء المدونة الإبداعية لديها بالتخييل المستند على مادة المكان الظفاريّ بكلّ ما يحتمله الفضاء المكانيّ من استجلاب للحكايات والأساطير والفولكلور المرتبط بظفار مكانا وزمانا وإنسانا، كما تقترح هذه الدراسة تتبع العناصر السرديّة المختلفة، من ساردين وساردين مشاركين وشخصيّات وأفضيّة مكانيّة وزمانيّة، وتحليلها تحليلا سرديا، يحاول كشف حضور ظفار في الأعمال المقترحة للدراسة.

واختتمت الجلسة بورقة عماد بن جاسم البحراني مدير دائرة مصادر المعلومات الحضارية بوزارة الثقافة والرياضة والشباب، بعنوان “أخبار ظفار في الصحافة والمجلات العربية (1880–1975م)”، إذ أوضحت الدراسة دور الصحافة كمصدر أولي لتوثيق التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية في ظفار خلال مرحلة مفصلية من تاريخها. وقسم الباحث التغطية إلى ثلاث مراحل: بدايات الصحافة العربية، رصد التطورات الداخلية، ثم متابعة الصراع في ظفار، مسلطًا الضوء على طبيعة التغطية الإعلامية العربية وأثرها في تشكيل الوعي تجاه المنطقة.

الآثار كموروث حضاري

واستُهلّت الجلسة الثانية من الندوة بورقة أكاديمية لامست عمق الموروث الحضاري لمحافظة ظفار، حيث قدّم الأستاذ الدكتور خالد أحمد دغلس، أستاذ في قسم الآثار بجامعة السلطان قابوس، ورقته بعنوان “الدلالات الثقافية لمعابد خور روري – سمهرم في محافظة ظفار”، وتناولت الدراسة المكتشفات الأثرية التي أظهرت وجود معبدين، أحدهما داخل أسوار المدينة والآخر خارجها، في دلالة معمارية وثقافية على طبيعة المعتقدات الدينية السائدة. وركز الباحث على وظيفة المعابد ودورها في تشكيل النظم الاجتماعية والاقتصادية، من خلال منهجية تحليلية وميدانية تجمع بين نتائج التنقيبات والدراسة النظرية، وصولاً إلى فهم أعمق للتركيبة الاجتماعية لمجتمع سمهرم في القرون الأولى الميلادية.

أما الدكتور زكريا طعمة قضاه، خبير هندسة ومحاضر بقسم الهندسة بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية بمسقط، فقدّم ورقته بعنوان “حصن وسوق وفرضة مرباط ومحيطها – الاستدامة والاستثمار”، حيث تتناول هذه الدراسة مشروع إعادة ترميم وتأهيل وتوظيف الموقع التراثي في ولاية مرباط، والذي يضم حصن مرباط، وسوق ومبنى الفرضة المقترح ترميمهما، مع استغلال المساحات المحيطة بهذه المباني بما يحقق الاستدامة المعمارية وانعكاساتها الاقتصادية والثقافية. ويهدف البحث إلى دراسة سبل الحفاظ على الهُوِيّة التاريخية للموقع، مع تحقيق عوائد استثمارية عبر توظيفه سياحيًا واقتصاديًا وبما يتوافق مع روية عُمان 2040.

وتكمن أهمية الدراسة في إبراز القيمة التراثية لمرباط وتعزيز استدامتها عبر إعادة تأهيل مكوناتها لتكون وجهة ثقافية وسياحية وتجارية، حيث سيتم استخدام الحصن متحف ومعرض للحرف اليدوية، وإعادة تشغيل السوق بوظيفته التقليدية، وتحويل مبنى الفرضة إلى مقهى ومطعم، إضافة إلى استغلال المنطقة المفتوحة كجلسات للزوار وملاعب رياضية وخدمية.

من جانبه، تناول علي بن حمود المحروقي، مدير المسوحات والتنقيبات الأثرية بوزارة التراث والسياحة في ورقته “برنامج البعثات الأثرية بوزارة التراث والسياحة ودوره في تعزيز البحث الأثري بمحافظة ظفار”، الدور المحوري لهذه البعثات في توثيق التراث الوطني، وتعزيز التعاون مع الجامعات والمؤسسات الدولية، أوضحت الورقة إسهام البعثات في اكتشاف مواقع جديدة وإثراء السجل الوطني، ورفد ملفات تسجيل المواقع العُمانية في قائمة التراث العالمي لليونسكو. كما أبرزت أهمية هذه الجهود في رفع الوعي المجتمعي وتعزيز الهوية الوطنية من خلال الكشف عن الجذور الحضارية لعُمان.

واختُتمت الجلسة بورقة الدكتورة أمل بنت سيف الخنصورية، مشرفة تاريخ بوزارة التربية والتعليم، بعنوان “بواكير الخدمات الصحية الحديثة في ظفار في القرن العشرين”، سلطت الدراسة الضوء على الأوضاع الصحية في ظفار خلال النصف الأول من القرن العشرين، متتبعة دور الإرسالية الأمريكية العربية والأطباء الأجانب مثل الدكتور ستورم والدكتور ويلز طومس، حتى افتتاح مستشفى صلالة عام 1972 الذي شكّل نقطة تحول بارزة. ركزت الورقة على ندرة الدراسات في هذا المجال، وأهمية توثيق الممارسات الطبية المبكرة، ودورها في تمهيد الطريق أمام الخدمات الصحية الحديثة بالسلطنة.

شاركها.