اخبار عمان

نسل الأفعى.. جيل الصابرا الإسرائيلي

 

أحمد الرحبي

عملية طوفان الأقصى أحدثت، صدمة في المجتمع الإسرائيلي، وفي عصب القيادات الاستخباراتية والأمنية والعسكرية والسياسية، لكن مع الهجمة العسكرية الوحشية الرعناء، لقوة النار الإسرائيلية المنفلتة من كل عقال، في اجتياحها لقطاع غزة، لم ينج منها البشر ولا الحجر، وفق نمط الأرض المحروقة، الذي استهدف الجسد المدني في غزة، والذي خلف حتى كتابة هذا المقال أكثر من 43 ألف شهيد.

وعملية القتل الممنهج التي قام بها الجيش الإسرائيلي، في قطاع غزة، والصدمة والترويع، التي خلفتها مشاهد القتل وهدم البيوت على ساكنيها، جعلت العالم يضج من أقصاه إلى أقصاه، فكانت المظاهرات المليونية، التي نظمت في أبرز العواصم والمدن في العالم، التي خرجت تندد بما ترتكبه إسرائيل من أعمال وحشية وقتل وتنكيل ثأري بالمدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، وكان التنديد من دول كثيرة بما ترتكبه إسرائيل من مجازر، وصولا إلى مبادرة جنوب أفريقيا برفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية بتهمة انتهاك التزاماتها بموجب اتفاقية منع جرائم الإبادة الجماعية، وهو ما ترجمته المحكمة في 24 مايو 2024 بمطالبتها بالوقف الفوري لعملياتها العسكرية في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة وانسحاب قواتها، دون أن تأمرها بوقف كامل لإطلاق النار، وما تلاه من خطوة غير مسبوقة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، من إعلان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان سعيه للحصول على أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، إضافة إلى قادة من حركة المقاومة الإسلامية (حماس).

لكن رغم كل ذلك استمرت إسرائيل في مواصلة هجماتها المتوحشة على قطاع غزه، ورغم المطالبات والمنشدات الخجولة من أمريكا الراعي الأول لإسرائيل والدول الغربية الحليفة لها، بتحكيم المنطق والحد من الشراسة الإسرائيلية، إلّا أن الحكومة الإسرائيلية لم تعط بالا لكل المناشدات والمطالبات الدولية، ولكل الاتهامات بالإبادة الجماعية، والتهديد بأوامر الاعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، بسبب تحملهم المسؤولية الجنائية عن ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة وإسرائيل، واستمرت الحكومة الإسرائيلية، مدعومة بالجسد اليميني فيها بتحالف “الصهيونية الدينية” برئاسة بتسلئيل سموتريتش، وحزب “عظمة يهودية” برئاسة إيتمار بن غفير، وحزب “الروح الصهيونية” برئاسة الوزيرة أيليت شاكيد.

لكن هل يكفي التحالف اليميني الذي يسيطر على الحكومة الإسرائيلية، في تفسير تصرفات هذه الحكومة الدموية وانفلات جنونها من كل عقال، خاصة وأن اليمين المتطرف، يعتبر رديفا لأحزاب اليمين التقليدي، في العقدين الأخيرين، التي كان لها الدور الأبرز المتعاقبة في تشكيل الحكومات الإسرائيلية، مما يعني أن هذا التيار لا يختلف كثيرا في مواقفه السياسية والأيديولوجية عن اليمين التقليدي، إذ يستندان إلى قاعدة انتخابية واحدة مكونة من جمهور المستوطنين بالضفة والقدس، ويدعمان الاستيطان في فلسطين التاريخية من دون قيود.

ورغم استغلال اليمين المتطرف أزمة الحكم وعدم الاستقرار السياسي، خلال السنوات الأربع الماضية، لتشكل تحالف أحزاب “الصهيونية الدينية، قبل أن تتمثل قوة اليمين المتطرف في 4 مقاعد من أصل 120 إجمالي عدد مقاعد الكنيست، وتدرجت بعض شخصياته داخل المشهد السياسي عبر أحزاب اليمين التقليدي.

من المعروف أن العناصر الأساسية المكونة للمجتمع الإسرائيلي تتألف من اليهود الأشكنازيم (يهود الغرب وأمريكا وشرق أوربا) واليهود السفارديم (يهود البلاد العربية والإسلامية)، لكن ثمة عنصر تولّد من العنصرين السابقين وبات يعرف باسم “الصابرا”، وهو لقب يُطلق على الإسرائيليين المولودين في فلسطين لتمييزهم عن اليهود الذين هاجروا إلى فلسطين من مناطق العالم المختلفة.

في فترة التسعينيات من القرن الماضي ندرك أن النخبة الإسرائيلية الحاكمة حينها كانت من المهاجرين الذين ولدوا خارج فلسطين مثل بيريز ورابين وبيغن وقبلهم غولدا مائير وغيرهم، ولم يكن جيل الصابرا مُهيمنا على الساحة السياسية الإسرائيلية في تلك الفترة، بل إن نسبته داخل المجتمع الإسرائيلي كانت أقل منها اليوم، وجيل الصابرا هو جيل إسرائيلي خالص تربى داخل فلسطين المحتلة، ولم يمر بالتجارب التي مر بها جيل المؤسسين، وتخلصت شخصيته تقريبا من العقد والخبرات التي اكتسبها الجيل المؤسس، رغم إعجاب هذا الجيل بجهود الآباء المؤسسين.

وحسب ما يوضح الأكاديمي المصري عالم تاريخ الأديان محمد خليفة حسن، وهو إحدى الشخصيات العلمية التي درست الواقع الإسرائيلي له كتابات عدة عن اليهودية والصهيونية أن

أولى الميزات التي تميز بها جيل الصابرا هي “الثقة الزائدة بالنفس وبالإمكانيات والقدرات العسكرية والقتالية، وهي ثقة تصل حد الغرور”، ولعل ذلك عائد إلى كونهم ولدوا بعد نجاح الصهيونية في إقامة إسرائيل كأمر واقع، وقد يكون من معززات تلك الثقة أو ذلك الغرور الخيبات العربية التي لم تنجح بإعاقة الخطط الإسرائيلية.

ومن صفات جيل الصابرا أنه نشأ على اللغة العبرية ودرس بها ويفكر عبرها، ولغة المرء جزء من بيئته ومن تفكيره، ولذلك يميل هذا الجيل إلى الواقعية ولا يحب مثالية الآباء المتشكلة في بلاد مختلفة، والتي تحث على التجييش والعمل اليدوي، فهو جيل ولد بعد تحديات لم يعد يرى ضرورة التوجس منها.

وفي الأخير أن جيل الصابرا سيكون هو الممثل للشخصية الإسرائيلية، لأنه البوتقة التي سينصهر بها الأشكناز والسفارديم وستختفي مع الوقت الازدواجية في الشخصية الإسرائيلية، لأن الصابرا ولدوا في فلسطين ولذلك فإن الرابطة الإسرائيلية الوطنية ستجمعهم بدل روابط الجيل السابق.

وبالنسبة لنتنياهو، الذي تنبأ محمد خليفة حسن بصعوده “كشخصية محورية التي سيتعامل معها الفلسطينيون والعالم العربي خلال السنوات القادمة”، فإن قدومه إلى السلطة في إسرائيل “بدأ يظهر الشكل الذي ستصبح عليه السياسة الإسرائيلية لعقود قادمة”؛ فنتنياهو يتصف بكثير من صفات جيل الصابرا، “فهو يتمحور في سياسته حول الذات الإسرائيلية والقدرة على الاحتفاظ بهذه الذاتية داخل محيط الشرق الأوسط”، وهذه من أهم صفات الصابرا الذين لا يكتفون بتمييز أنفسهم عن العالم المحيط بهم، بل هم يميزون أنفسهم على بقية فئات المجتمع الإسرائيلي بصفتهم إسرائيليين، أي مولودين في إسرائيل وتربوا في إسرائيل ولهم ثقافتهم الإسرائيلية.

ويشعر نتنياهو بأهمية القوة في العلاقات مع العرب ويميل إلى استخدام القوة لإجبار العرب على قبول فكره السياسي، ومفهوم القوة عنده لا يقف عند حدود القوة العسكرية؛ بل هو مفهوم شامل يتضمن القوة السياسية والاقتصادية واعتبار القوة العامل الحاسم في الصراع من أجل البقاء، وهذه من صفات جيل الصابرا، فهو يؤمن بالقوة العسكرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *