زاهر بن سيف المسكري

حين تكون القوة نقمة

لطالما اعتُبرت إسرائيل كيانًا “لا يُقهر”، تُضرب له التحية من الغرب، وتحميه ترسانات نووية، وتدعمه إمبراطوريات إعلامية كـ BBC وCNN. لكن، هل القوة وحدها كافية للبقاء؟ أم أن التاريخ يُثبت مرارًا أن التصلّب أمام سنن العدل يقود إلى السقوط، مهما طال الزمن؟

اليوم، ونحن نرى تصاعدًا غير مسبوق في قصف دمشق، واعتداءات على غزة، واستفزازات في الأقصى، وصدامات في الجنوب اللبناني، فإن السؤال لم يعد: هل ستسقط إسرائيل؟ بل أصبح: متى، وكيف؟

1. منطق “القوة الصلبة”: سيف ذو حدّين

منذ نشأتها، تبنّت إسرائيل عقيدة “القوة الصلبة”:

       • ترسانات عسكرية.

       • استخبارات عالمية.

       • دعم غربي غير مشروط.

لكن هذه القوة لم تُترجم يومًا إلى شرعية أخلاقية. القوة تحمي، لكنها لا تُبرر. تضرب، لكنها لا تُقنع. ولهذا السبب، لم تستطع إسرائيل رغم تفوقها العسكري أن تُحطّم صمود طفل فلسطيني يحمل حجرًا، ولا أن تزرع حبًّا في قلوب شعوب تُدرك أنها مغتصِبة لأرض لا تخصها.

2. التمدد الجغرافي في عصر الصواريخ

إسرائيل اليوم تحاول أن تبني “دروعًا جغرافية” عبر:

       • تفريغ الجنوب السوري.

       • تفتيت محيط غزة.

       • احتلال الضفة بالكامل.

       • التلويح بضم أجزاء من سيناء أو الجولان.

لكن هذا المنطق كان يصلح في القرن العشرين، لا اليوم. فالعالم تحوّل إلى “حقل صواريخ”، والمسافات لم تعد حصانة. إيران، اليمن، العراق، لبنان، سوريا، كلها باتت تمتلك وسائط قصف تصل إلى عمق تل أبيب، بل وما بعدها.

الدروع الجغرافية، حين لا تحصّنها العدالة، تتحوّل إلى قبور استراتيجية.

3. سقوط الإعلام الصهيوني: حين تفقد السيطرة على الرواية

في السابق، كانت رواية “الشعب المظلوم” التي روّج لها آل مردوخ وماكسويل في إعلام الغرب تملأ العالم. أما اليوم:

       • تيارات “تفكيك الاستعمار” تتغلغل في جامعات الغرب.

       • شبكات مثل TikTok وX وTelegram تنقل الحقيقة بلا فلترة.

       • أصوات اليهود الأحرار ترتفع وتقول: “ما يحدث في غزة ليس باسمي”.

كل ذلك جعل إسرائيل تفقد السيطرة على الرواية، وتحاصر نفسها بالكذب الذي ظنّت أنه سيصمد إلى الأبد.

4. مجابهة الشعوب: العالم ضد الاحتلال

ليس فقط العرب أو المسلمين، بل:

       • طلاب الجامعات في أمريكا.

       • المسيحيون الأرثوذكس في أوروبا الشرقية.

       • منظمات حقوق الإنسان في أفريقيا وآسيا.

       • حتى شخصيات يهودية كـ”نورمان فينكلشتاين وإيلان بابي”.

كل هؤلاء أصبحوا في تيار مجابه للصهيونية، لا لأنهم يكرهون اليهود، بل لأنهم يرون في المشروع الصهيوني استعمارًا مفضوحًا، ومشروعًا استئصاليًا، لا مستقبل له.

5. التاريخ لا يرحم المتصلبين

من فرعون إلى روما، من المغول إلى الاتحاد السوفيتي… كل مشروع عنيف، متغطرس، لم يكن له جذور في العدالة، انهار رغم هيبته.

       • إسرائيل اليوم تشبه فرعون قبل الغرق: صلب، مغرور، لكنه يغرق في محيط وعي الشعوب.

       • تشبه روما قبل السقوط: مهووسة بالأمن، لكنها متآكلة من الداخل.

“الصلابة لا تنقذ الكيان حين يكون الباطل عقيدته الأساسية”.

خاتمة: إسرائيل تكتب نهايتها بنفسها

حين تقتل الأطفال، وتغتال الأمل، وتمنع الأذان، وتحاصر الناس بالماء والكهرباء… فإنها لا تؤسس لأمن، بل لرفضٍ كونيٍّ يتراكم حتى يصبح زلزالًا.

إسرائيل، اليوم، لا تواجه حماس فقط، بل تواجه:

       • وعي الشعوب.

       • تيار المقاومة الممتد.

       • وحتى التاريخ، حين يعود ليصحّح نفسه.

نعم، قد تكون قوية الآن…

لكنها قوة من ورق على رياح الوعي.

(فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا).

شاركها.