أحمد الفقيه العجيلي
مع تصاعد العدوان الإسرائيلي وامتداده خارج حدود فلسطين، لم تعد تداعيات الحرب محصورة في غزة أو الضفة.
الضربة الأخيرة التي استهدفت مقرًا لحركة “حماس” في قلب العاصمة القطرية الدوحة، شكّلت نقطة تحوّل صادمة، ورسالة مفادها أن لا أحد في منأى عن النيران، حتى الدول التي لا تملك حدودًا مع فلسطين.
في هذا السياق، جاءت اتفاقية الدفاع المشترك بين المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان، كحدث مفصلي يُقرأ في ضوء هذا التهديد المتوسع.
توقيع الاتفاق بعد أيام فقط من الاعتداء على قطر يطرح تساؤلًا مشروعًا: هل كانت الهجمة عاملًا مُسرّعًا للاتفاق؟
البيان الرسمي ركّز على “تعزيز التعاون العسكري والاستراتيجي”، لكن توقيت الإعلان يحمل دلالات لا تخفى على المتابع.
فمنذ سنوات والحديث عن تعاون أمني سعوديباكستاني قائم، لكن الظروف لم تنضج لإعلانه بالشكل الصريح إلا الآن.
والسؤال البالغ الأهمية: هل استشعرت الرياض أن المنطقة مقبلة على موجة عدوان غير مسبوقة؟ وهل أرادت أن توجّه رسالة ردع إقليمية؟
الإجابة: ربما كلا الأمرين!
إضافة لذلك، فإن ضعف موقف القمة العربية الإسلامية الطارئة، وتوقعات الشعوب التي خابت مرة أخرى، كلها عناصر عززت الحاجة إلى موقف أمني واقعي خارج نطاق “البيانات”.
اليوم، لم يعد التهديد الصهيوني موجهًا لفلسطين وحدها؛ بل يتصرف الكيان كمن يختبر حدود القوة العربية، الواحدة تلو الأخرى. ومع تراجع الخطاب العربي الرسمي، فإن توازنات الردع أصبحت أداة بيد من يملك التحالفات والخطوط الحمراء.
وقد رحب المحللون الباكستانيون بالاتفاق، واعتبروه تتويجًا لتحالف تاريخي يتحول اليوم إلى التزام أمني رسمي، خاصة في ظل التغيرات الجيوسياسية والتوترات المتصاعدة.
أما من داخل المملكة العربية السعودية، فيُنظر إلى الاتفاق على أنه خطوة لتعزيز الردع الإقليمي، خاصة بعد التحديات الأمنية الأخيرة، ومنها حادثة الاعتداء على الدوحة، والتي أظهرت هشاشة بعض الضمانات الدولية التقليدية، وضرورة بناء منظومة ردع ذاتية.
وأشار مراقبون غربيون إلى أن هذا الاتفاق يحمل دلالات تتجاوز مجرد التعاون الثنائي؛ بل يؤشر إلى بداية تحولات في موازين الأمن في العالم الإسلامي، وربما يمهد لتشكيل منظومة دفاع أوسع، في ظل الإحباط المتنامي من الأداء الأمريكي وازدواجية المعايير الدولية.
هذه الاتفاقية ليست مجرد ورقة؛ بل إعلان عن بداية مسار جديد، وإن لم تتحول هذه الخطوة إلى نواة لتحالف دفاعي إسلامي متماسك، فستظل مجرد رد فعلًا مؤقتًا. لكن إذا استُثمرت جيدًا، فقد تكون مفتاحًا لإعادة بناء توازن القوة، ووسيلة لتثبيت مفهوم “السيادة الفاعلة” في زمنٍ تذوب فيه الحدود تحت وطأة المصالح الكبرى.
والاتفاقية لا تعني فقط تعاونًا عسكريًا؛ بل تحمل رسالة سياسية مفادها أن الأمن لم يعد يُستجدى من أمريكا والغرب؛ بل يُبنى بالإرادة والموقف والتعاون بين الدول الإسلامية والعربية. وربما تكون هذه الخطوة هي بداية تشكيل مظلة دفاع إسلامية حقيقية، طال انتظارها.
وإذا كانت الشعوب تنتظر الفعل لا البيان، فإن هذه الاتفاقية قد تكون أول مظهر حقيقي لتحوّل استراتيجي في التعامل مع التهديدات القادمة.
السيادة لا تُحمى بالبيانات؛ بل بالتحالفات والعزم.
والله من وراء القصد.