اخبار عمان

هل من أزمة اجتماعية واقتصادية؟

 

 

مسعود أحمد بيت سعيد

[email protected]

 

لوحظ في الفترة الأخيرة نبرة امتعاض اجتماعي تطفو على السطح على نحو أكثر وضوحًا عن ذي قبل، وهي في العُمق تعبير عن حالة من عدم الرضا الذي يختمر في أحشاء المجتمع منذ فترة، نتيجةً لتراجع الأوضاع الاقتصادية، وهي حالة لم تحظ حتى الآن بالمعالجات السليمة المأمولة؛ الأمر الذي يتطلب استحثاث الفعالة الفكرية وتنشيط العقل الجمعي لجهة الإحاطة بالمشهد الوطني برؤية أكثر شمولية، وبحيث تتمكن من المساهمة في الإضاءة على طبيعة المعضلات الاجتماعية ومساراتها وتفاعلاتها واستنباط الحلول التي تستجيب للواقع الموضوعي.

وحتى نقف على الأرض الأصلب لا بُد من إعادة طرح السؤال من جديد: هل توجد أزمة اجتماعية واقتصادية؟ أم أن الموضوع برمته مجرد افتعال وانفعالات عاطفية طائشة؟

على ضوء الإجابة تتوفر الأرضية الفكرية التي تسمح بتناول الموضوع بواقعية، ومن ثم البحث في كيفية اشتقاق أفضل السبل المُمكِنة في التصدي للمُعضلات الاجتماعية المُتراكِمة والمتفاقِمة؛ وبما يضمن الخروج الآمن من عُنق الزجاجة. وبطبيعة الحال فإن الأجهزة الرسمية لا تخفى عليها حقيقة الأوضاع الاجتماعية وصعوبتها، ولا كُنه المُمارسات التي أدت إليها، وفي هذا السياق فإن حالة الاستهجان والاستغراب التي يُبديها البعض من حيث عدم استيعاب مشروعية مطالب المواطنين المُحِقَّة، يبدو أنها غير موفقة. وفي كل الأحوال لا بُد من التنويه من مغبة الانزلاق نحو استحضار وتوظيف الثوابت الوطنية التي لم تعد محل جدل، وزجها في أتون المعارك الاجتماعية والاقتصادية المطلبية، بحيث يُستشف منها أن مجرد إثارة حق العمل وتحسين الظروف الاقتصادية وغيرها، بمثابة المساس بتلك النواظم العُليا؛ الأمر الذي يُؤسِّس لمنحى خاطئ في التعاطي مع الإشكاليات الاجتماعية، ولا يُسهم في توفير مناخات رحبة تستوعب ردود الفعل الاجتماعي، مهما كانت حدتها.

ومن نافلة القول إنه بعد صدور قانون الحماية الاجتماعية والذي أقر ولأول مرة بوجود طبقة فقيرة وتبرير صدوره بانتشالها من لُجة الفقر فإن من المفترض أن أسباب الاحتقان الاجتماعي لم تعد قضية جدلية أو خلافية، وأن الخلاف إن وُجِد فإنه يتمحور بالدرجة الأولى حول تعدُّد الرؤى والاجتهادات الاجتماعية التي ستبقى قائمة في ظل الوعي المتنامي في صفوف الجماهير والنشاط الثقافي الخصب المُستمِد مشروعيته من حرية الرأي والتعبير في هذه المرحلة، والتي نحن في أحوج ما نكون إلى توسيعها أكثر من أي وقتٍ مضى؛ باعتبارها السلطة الرقابية الأكثر فاعلية في العصر الراهن.

ولا شك أن النهضة المُتجددة شهدت تنفيذ حزمة من الإصلاحات المهمة وبعضها أخذت طريقها إلى حيز التطبيق العملي، ورغم ضرورتها وأهميتها إلّا أنها غير كافية، وستبقى المقاربات العامة الاقتصادية والاجتماعية تجافي الصواب، طالما لم تطرأ تغييرات ملموسة على واقع القطاع العريض من المواطنين المضغوطين بالهموم المعيشية الصعبة، خصوصًا وأن وزارة العمل تُحدِّث باستمرار قوائم الباحثين عن العمل، الذين يُقدَّر عددهم بنحو 100 ألف باحث وباحثة عن عمل، ومعظمهم تجاوز 10 سنوات على دكة الانتظار، وأعمارهم تقارب الأربعين سنة، والرقم كما هو معروف قابل للزيادة السنوية بمعدلات كبيرة؛ مما يُعقِّد هذا الملف الوطني الضخم أكثر فأكثر. وبهذا المعنى لا تخلو أسرة تقريبًا من باحث أو اثنين عن عمل، وبحسب وجهة نظر الأغلبية فإنَّ حل مشكلة البطالة يجب أن يكون له الأولوية، على ما عداها من مشكلات، بحيث تأخذ الخُطط مداها الزمني في أجواء اجتماعية ونفسية مريحة، وإذا ما أُمعن التفكير بتجرُّدٍ، فإن الحُجة ذات صفة منطقية.

وبما أن الاستراتيجيات عادةً ذات نفس طويل وتحتاج إلى صبر أيوب في قطف ثمارها، فإن “ضغط المِعدَة” مداها أقصر، ولا تستطيع التحمُّل طويلًا، ويكفي تتبُّع ما يُتداول في وسائل التواصل الاجتماعي حتى نلمس حجم الامتعاض الاجتماعي. وإذا أُخذت هذه المعطيات، فلا يستطيع من هو حريص على الاستقرار السياسي والاجتماعي إلّا أن يلتمس لها العذر، وأن يُقدِّر دوافعها وأسبابها، مهما كانت صيغتها ووسيلتها التعبيرية. ولا ريب أن المسؤولية الوطنية تقتضي التعامل معها بمرونة وعقلانية وتفهُّم مُبرِّرَاتها وحيثياتها، التي تُعبِّر عن نفسها بأشكال أحيانًا قد لا يستسيغها البعض، مع ضرورة ترتيب الأولويات الوطنية.

ربما هذه نقطة خلاف رئيسية مع صانعي السياسات الاقتصادية والخطط التنموية البعيدة المدى، وستبقى قضية التوظيف هي التحدي الأكبر وأحد أهم مقاييس النجاح والفشل، وأن طي هذا الملف سيُطيح بجزء كبير من الإشكاليات الاجتماعية التي بات إغلاقها ضرورة مُلحَّة لا يجوز التغافل عنها، مهما كانت التبعات، وهو المدخل الأساس للاستقرار والسلم الاجتماعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *