محمد عبد العظيم العجمي

 

هذه الهَبَّة التي استشرى هوسها في المنطقة، لاهثة إثر مكتشفات من الآثار توشك أن تغير خارطة المنطقة وتاريخها! وكأنَّه كلما زاد عمر النقش، زاد التنافس في العمق الحضاري!

فهل الحضارة نقش وكفى؟! وهل الحضارة بعض من رتوش ونقوش ورقوم طال عليها الأمد، ثم أثمرت على إثرها بدعة وجمالًا وأثرًا يُروى؟! أم الحضارة حال من الأثر الإنساني النابض بالحياة وبالعلم والثقافة والدين والجمال!

الحضارة المصرية على سبيل المثال لم تستلهم عبقها من نقوش وزخارف ورقوم طال عليها الأمد؛ بل كانت منظومة من البدعة الإنسانية المتكاملة التي أجمع التأمل البشري والفحص العلمي الدقيق، والذوق الإنساني التاريخي، والمعرفة البشرية المتراكمة في ثنايا العقل الإنساني.. أجمع كل هذا وذاك على أنه كانت هنا لمسة بشرية حضارية فوق العادة لا مجرد طائف عابر من سذاجة الحياة التي لا يحتفل العالم أن يتوقف لديها متأملًا.

لقد جمعت الحضارة المصرية القديمة بين هيكل الحضارة المُبهر، وثقافة الإنسان المُتحضِّر، وتلك هي الفاصلة؛ فأنتجت ثقافة الأسرة والطفل والحقل والحرب والسلم والجوار، وكل ما يتعلق بالثقافة والفنون.

بدعة هذه الحضارة وإعجازها أنها لم (تتقادم) مع الزمن، ولم تبهت رقومها في ثنايا التاريخ حتى تعيد اكتشافها؛ إنما فرضت بدعتها فرضا على العقل والذوق الإنساني حتى أقر لإعجازها مذعنا.

ثم هي تستهل كل يوم، بل كل لحظة على الكشف الإنساني بجديد يذهل عقله، وخوارق يسلم لها العلم مقرا حيالها بعجزه، بل يرجئ كثيرا من تفسيرها إلى حين من الدهر، حتى يمن الزمان عليه بجواب.

الأمر عصيٌّ على التحليل، وأبيٌّ على المطاولة والمنافسة.. ومن الجميل أن يقف العقل البشري العالم راضخًا مُسلِّمًا أمام هذه المنح العبقرية، التي لم يغفل قدرها التاريخ ولا الجغرافيا منذ نشأة الكون والإنسان. أما هوس المراهنات والمسابقات فلا يصدق فيه إلا قول المتنبي:

إِذا شاءَ أَن يَلهو بِلِحيَةِ أَحمَقٍ

أَراهُ غُباري ثُمَّ قالَ لَهُ اِلحَقِ

شاركها.