.. ويسألونك عن “الدكتوراه”! | جريدة الرؤية العمانية

محمد بن عيسى البلوشي **
يبدو أنَّ المقال الذي نشره الأستاذ عبدالوهاب البلوشي بعنوان “دكتواره في الجهل”، والمقال الذي لحقه للأستاذ مرتضى بن حسن بن علي بعنوان “العودة إلى موضوع دكتوراه في الجهل”، وكلا المقالين نُشرا عبر صحيفة اخبار عمان العُمانية، كان لهما تفاعل حضاري محمود عبر المنصات الإعلامية، والواضح أنَّ المقالين حرَّكا المياه الراكدة حول مسألة شهادات الدكتوراه وأبعادها وتأثيرها على تعامل المجتمع مع أصحاب الشهادات.
لن أقف بعيدًا عن هذا المسار، فحلم كل طموح وشغوف للعلم والتعليم والتعلم والبحث أن يحصل على هذه الدرجة العلمية، ولكنه دائمًا ما يُراجع نفسه بسؤال: ماذا سأقدم بعد الحصول على هذه المرتبة العلمية العُليا؟
أعتقدُ أنَّه من الأهمية بمكان أن تكون هناك معايير واضحة للحاصلين على شهادة الدكتوراه الذين اجتهدوا وجدوا وعملوا للوصول إلى هذه الدرجة العلمية، بحيث يحافظون على الرخصة التي منحتهم أفضلية نسبية للبحث والدراسة والكتابة والتفكير العلمي المتقدم، فكما هو معمول به في بعض الشهادات المهنية كالطيارين الحربيين والمدنيين والذين يمارسون الطيران أن يقوموا بمهام ورحلات طيران بعدد ساعاتٍ معينة سنويًا للمحافظة على صلاحية الرخصة الممنوحة لهم، وكذلك الحال للأطباء الذين يمارسون مهنة الطب، والبروفيسور في مجاله والذي يمارس مهنته بأن يقدم أبحاثه ودراساته المُستمرة. ونعتقد أن الحاصل على شهادة الدكتوراه لا بُد أن يكون لديه التزام وواجب علمي نحو تخصصه ومهنته ومجتمعه ووطنه.
هنا نعتقد أنه من الأهمية بمكان أن يستمر أصحاب الشهادات العليا في عطائهم وأن يعملوا على إنتاج الدراسات والأبحاث والكتب بشكل مستمر في المواضيع الوطنية والعامة، وأن يقدموا المحاضرات في الجامعات والكليات أو في المجالس المتخصصة والعامة لتنوير الفئات المستهدفة، وأيضا أن يكون لهم إسهام فاعل في تقديم دراساتهم المتخصصة للظواهر الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية أو الإنسانية أو التخصصية، وبذلك يستفيد الوطن والمجتمع من أصحاب هذا الفكر والحاصلين على الشهادات العليا، وأيضا يطور الباحث من أدواته ويجددها بتطور المجتمعات والمعطيات، ويحافظ على فاعلية هذه الدرجة العلمية العليا بتقديم سلسلة من العطاءات البحثية، ويكون ذلك إلزامًا.
أما في الجانب الآخر، فعلينا أن نتأكد من سلامة الشهادات العُليا الممنوحة عبر فحصها حتى لا نقع في أزمة “الشهادات المضروبة” التي غزت بعض المجتمعات وللأسف الشديد، وهنا نناشد مؤسسات الدولة وعلى رأسها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار وجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، وننوه إليهم بضرورة التحري عن الشهادات قبل التعيين سواء في وظيفة عامة أو خاصة أو في مجالس متخصصة أو في اللجان الرسمية التي يتم فيها تعيين أصحاب الشهادات، وذلك لتحقيق أعلى معايير السلامة ولنقطع دابر الشك باليقين ونحقق أعلى درجات الحوكمة في سلامة مخرجات التعليم العالي.
وأعتقد أن على مجلس الوزراء دور في متابعة هذا الملف، وهو بلا شك حريص على ذلك، وليس ببعيد عنه، بتوجيه الجهات المختصة للبدء في هذا المشروع الوطني والذي بحوكمته سيعمل على تعظيم العائد الفكري وتجويد المنتج البحثي بما يحقق تطلعاتنا نحو “عُمان 2040″، ولكي نقدم نموذجًا يحتذى به في تشجيع وتمكين العلماء في مختلف المجالات والقطاعات.
** مستشار إعلامي واقتصادي