في الأول من يونيو عام 1984، قبل 41 عاماً، شهدت صالات السينما العرض الأول لفيلم Once Upon A Time In America، رائعة المخرج الإيطالي سيرجيو ليوني، وبطولة النجم روبيرت دي نيرو. لم يكن الفيلم مجرد قصة عن عصابات أو عن الحلم الأميركي المجهض، بل ملحمة إنسانية متكاملة عن الزمن، والخيانة، والندم، صاغها ليوني بصبر ودقة نادرة، وأحاطها بموسيقى خالدة وضعها المؤلف الأسطوري إنيو موريكوني.
كتب موريكوني ذات يوم عن تلك التجربة قائلاً: “حين كلّمني سيرجيو عن كان يا ما كان في أمريكا، أدركت على الفور أنها ستكون مغامرة ضخمة. كان سيرجيو معروفًا بكماله الفني، ويبحث عن شيء استثنائي لهذا الفيلم. قال لي إنه يريد للموسيقى أن تروي القصة بقدر ما تفعل الصور”.
“نودلز” و”ديبورا”.. رقصة الرقة والحزن
كان ليوني يبحث عن لحن يجمع بين الرقة والحزن لمشهد الرقصة بين “نودلز” و”ديبورا”. يروي موريكوني: “جلست إلى البيانو، وبدأت أعزف. وما خرج مني أصبح لاحقاً لحن ديبورا. حين سمعه سيرجيو لأول مرة، تأثر بشدة. لقد وجد فيه ما كان يبحث عنه تماماً”.
لم يكن اللحن مجرد مقطوعة رومانسية، بل استحضاراً موسيقياً故 لذاكرة مفقودة، وحب لم يكتمل، وزمنٍ لا يُستعاد.
ويضيف موريكوني: “الموسيقى التصويرية لهذا الفيلم هي من بين أحبّ أعمالي وأقربها إلى قلبي. لطالما حاولت أن أنقل مشاعر عميقة من خلال موسيقاي، ومع هذا الفيلم شعرت أنني بلغت تلك الغاية. لقد كان تعاوني مع سيرجيو ليوني من بين الأخصب في مسيرتي، وهذا الفيلم يُمثّل ذروة ذلك التعاون”.
نسختان… وروح واحدة
لم يكن كان يا ما كان في أمريكا فيلماً سهلاً أو مريحًا. قُدّم في نسختين مختلفتين، حيث خضعت النسخة الأميركية لتدخلات في المونتاج جعلتها سرداً خطياً سطحياً لا يُشبه ما أراده ليوني، أما النسخة الأوروبية الكاملة، التي امتدت لأكثر من أربع ساعات، فقد حفظت روح الفيلم ووضعته في مصاف الكلاسيكيات الخالدة.
درَس سيرجيو ليوني وإنيو موريكوني في المدرسة الثانوية نفسها في روما، وافترقا لفترة قبل أن تجمعهما السينما والموسيقى من جديد، تعاونا في أفلام ليوني الشهيرة التي ضمت نجوماً ككلينت إيستوود، هنري فوندا، جان ماريا فولونتييه، كلوديا كارديالي، وتشارلز برونسون.
إحياء الذكرى الـ41 لهذا الفيلم ليس مجرد استعادة لشريط سينمائي استثنائي، بل هو احتفاءٌ بندرة فنية: صداقة وصدام، شغف وتكامل، صنعَا معًا صورةً تُغني وموسيقى تُبكي، وجعلَا الزمن نفسه يتحول إلى حنينٍ عارم.