اخر الاخبار

The Amateur.. عودة نصف ناجحة لرامي مالك

في السينما، لم يخرج رامي مالك من عباءة فريد ميركوري بعد، والتي حصل بفضلها على أوسكار أفضل ممثل عن دوره في فيلم Bohemian Rhapsody في 2018.

وفي التليفزيون، لم يخرج مالك بعد من عباءة إليوت أندرسون، بطل مسلسل Mr. Robot، بمواسمه الأربعة التي امتدت من 2015 حتى 2019، والتي حققت نجاحاً كبيراً متتالياً.

خلال هذه السنوات الست لم يشارك مالك سوى في بطولة فيلم بوليسي متوسط النجاح هو The Little Things، بجانب بعض الأدوار الصغيرة في أفلام أخرى أهمها No Time to Die، آخر أفلام جيمس بوند، وOppenheimer.

ولكن هذا لا يتناسب بالقطع مع نجم بشعبيته يحمل الأوسكار، إذ غالباً ما تكون الجائزة قاعدة انطلاق قوية للحاصلين عليها، وفي التليفزيون أيضاً لم يشارك مالك في عمل بحجم Mr. Robot، مكتفياً بمسلسل “إذاعي” (بودكاست) هو  Blackout، بجانب مشاركة “صوتية” أخرى في مسلسل التحريك BoJack Horseman.

The Amateur، أي “الهاوي” وللدقة “غير المحترف”، هو أحدث فيلم تحاول فيه هوليوود توظيف رامي مالك في بطولة جديدة تناسب إمكانياته وتكوينه والصورة الذهنية التي صنعت شعبيته.. محاولة أصابت بعض النجاح وكثير من الإخفاق!

ملامح خاصة جداً

يملك رامي مالك ملامح وجه خاصة جداً، هي ميزة حين تكون مناسبة للشخصية التي يؤديها، ومشكلة حين تتعارض مع طبيعة الشخصية. ملامح عصبية شفافة، عظام فك ووجنتين بارزة، وعيون جاحظة قلقة وشفتين كبيرتين مقارنة بوجهه الصغير، توحي بأن صاحبها على وشك الانهيار العصبي.

هذه الملامح خدمت مالك في Mr. Robot بجزئيه، الذي لعب فيه شخصية شاب إنطوائي يعاني من الفصام موهوب في الكمبيوتر، كما خدمته أكثر في  Bohemian Rhapsody، الذي لعب فيه شخصية المغني الموهوب غريب الأطوار فريد ميركوري.  

في The Amateur يلعب مالك شخصية شاب اسمه تشارلي يعمل في المخابرات الأمريكية CIA، متخصص في فك الشفرات وتحليل المعلومات، وزوج سعيد لشابة جميلة تتعرض للقتل على أيدي إرهابيين أثناء رحلة عمل في لندن.

يكتشف تشارلي، لصدمته، أن مديره ونائبه في المخابرات يديران عمليات قذرة يروح ضحيتها مئات الأبرياء، من بينهم حلفاء لأميركا نفسها، ومنهم زوجة تشارلي، بعد الصدمة والحزن يتخذ الفيلم مسار نوع الانتقام المعتاد، إذ يقرر تشارلي، الذي لم يمسك بمسدس في حياته، ولا يعرف كيف يقتل دجاجة، أن ينتقم بنفسه من الإرهابيين الدوليين، مهمة تبدو مستحيلة، ولكن يتبين مرور الوقت أن تشارلي موهوب في شيئين أخطر من المسدسات: الوصول إلى المعلومات وتحليلها (المعرفة) وتصنيع المتفجرات والأفخاخ.

القاتل البرئ

يلعب رامي مالك شخصية تشارلي (ذلك الاسم اللطيف الطيب عادة) كشاب شديد البراءة ضعيف البنية مهزوز عاطفياً وعلى وشك الانهيار في أية لحظة، في الوقت نفسه، وبعد تردد في ارتكاب فعل القتل، يقوم بتدبير اغتيالات محكمة لبعض الإرهابيين، من بينهم مشهد مبتكر يقوم فيه بتفجير حمام سباحة زجاجي على سطح برج فندقي، وعملية تفجير أخرى، رغم أنه في النهاية، ولزوم تصنيع بطل أخلاقي، يرفض قتل زعيم الإرهابيين في نهاية مرتبكة لا داع لحرق تفاصيلها.

وبعيداً عن تقليدية القصة، التي رأيناها مئات المرات في السينما، فإن العبرة عادة ما تكون بالمعالجة المختلفة والتنفيذ الجيد، وللأسف كل من المعالجة والتنفيذ في The Amateur متواضعين.

الفيلم مقتبس عن رواية بالاسم نفسه من تأليف روبرت ليتل صدرت في بداية ثمانينيات القرن الماضي، عندما لم يكن هناك أياً من التقنيات الرقمية الحديثة التي يستخدمها البطل في الفيلم، وأعتقد أن مهاراته كانت تقتصر على إعداد المتفجرات وبعض الاستخدام البدائي للكمبيوتر.

الفكرة الأساسية هي كيف يمكن لشخص عادي جداً أن يواجه عصابة من أعتى الارهابيين وأقوى جهاز مخابرات في العالم بمفرده، بإمكان أبطال السينما أن يفعلوا ذلك، وأكثر، لكن السيناريو ليس مقنعاً في كثير من الأحيان بأن هذا البطل يمكنه فعل ذلك، إضافة إلى “تلفيق” بعض الأحداث بشكل غير منطقي، وفوق ذلك لا يساعد أداء رامي مالك على تصديق قدراته لإنه يركز على إبراز جانبه الضعيف المهزوز، خاصة مع استخدامه المفرط لعينيه وشفتيه.

شخصيات كارتونية

من ناحية ثانية تبدو بقية شخصيات الفيلم “كارتونية” إلى حد كبير: الزوجة التي تؤدي دورها ريتشل بروسنان المبتسمة دوماً كأنها تصنع إعلاناً عن معجون أسنان. المعلم، أو “المينتور”، الذي يعهد إليه بتدريب البطل، الكولونيل هندرسون، بأداء العظيم لورانس فيشبورن، ولكن حتى فيشبورن لا يستطيع إعطاء هذه الشخصية سيئة الكتابة حياة أو مصداقية، خاصة أنها غامضة التصرفات من البداية وحتى النهاية، ذلك أن صناع الفيلم قرروا دمج نمط “المنتور” مع نمط “متقلب الوجوه”، الذي يتبين أنه خائن أو صديق بشكل غير متوقع.

لعل الشخصية الوحيدة التي تثير تجاهها أي عاطفة، حتى لو كانت النفور والكراهية، هي شخصية مدير المخابرات التي يؤديها هولت ماكلاني بملامحه الصارمة وتكوينه الجسدي الضخم، المتعارض تماماً مع ملامح وتكوين رامي مالك، خاصة وهو يصرح بوقاحة: عندنا مهمة هنا يجب أن نؤديها، وهي حماية بلدنا بأية وسيلة ممكنة”.

أما أغرب شخصيات الفيلم على الإطلاق فهي زعيم الإرهابيين التي يؤديها الممثل المتمكن مايكل شولبارج في دور قصير غير مفهوم، إذ يتبين بالنهاية أنه شخص طيب صاحب دوافع مشروعة، ومستعد لدفع ثمن أفعاله بمنتهى السهولة، وربما لا يوجد شخصية أبهت منها سوى رئيسة المخابرات التي تستبعد وتعاقب الفاسدين بالنهاية، ولكن أداءها لا يشي بأي قوة.

تشويق ومطاردات سياحية

ينتمي The Amateur لنوعية التشويق والأكشن، وهو يحتوي بالفعل على بعض التشويق وبعض المطاردات والمعارك الجيدة، ولكنها قليلة مقارنة بزمن الفيلم الذي يتجاوز الساعتين، مخرج الفيلم جيمس هوز حقق أعمالا متميزة في التليفزيون وفيلماً روائياً واحداً، ينتمي معظمها لنوعي الدراما الإنسانية والسير التاريخية، ومنها حلقة من مسلسل الرعب التكنولوجي Black Mirror، لعلها سبب ترشيحه لإخراج هذا الفيلم. 

يبدأ الفيلم بشكل تقليدي حتى لحظة وفاة الزوجة، ويتباطأ الايقاع لأكثر من نصف ساعة قبل أن يدخل البطل عالم المغامرة مع التحاقه بمعسكر التدريب، ولكن معسكر التدريب نفسه مبتسر، إذ سرعان ما ينتهي بعد أيام، ولذلك يصعب فهم المهارات التي اكتسبها البطل بهذه السرعة، ولا سبب الصداقة التي تجمعه بالـ”منتور”.

ويبدأ الفيلم فعلياً في الدقيقة الأربعين تقريباً، مع رحلة فرار تشارلي من قتلة الـCIA ومطاردته للارهابيين. وكالعادة في مثل هذه الأعمال (على طريقة أفلام جيمس بوند) تدور الأحداث في مدن كثيرة عبر العالم، من واشنطن إلى لندن وباريس وإسطنبول ورومانيا وبحر البلطيق وفنلندا، ويجيد صناع الفيلم استخدام هذه الأماكن لاعطاء الانطباع بالحركة الواسعة و”سياحية” المهمة التي يقوم بها البطل.

The Amateur اختبار صعب لنجومية رامي مالك، ومحاولة لتقديمه كبطل أكشن شعبي، لكن يمكن القول أنه نجح في الاختبار بدرجة متوسط.. لم يتقدم خطوة للأمام تتجاوز نجاحاته الأولى، ولكنه لم يفشل تماماً أيضاً، إنه يحتاج الآن لدور مختلف يغير فيه أداءه حتى لا يسقط في فخ التكرار والشخصية الواحدة.

* ناقد فني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *