اخبار تركيا
في مسعى جديد لكسر الجمود الدبلوماسي، انطلقت اليوم الاثنين في مدينةإسطنبولجولة ثانية من المحادثات المباشرة بينروسياوأوكرانيا، في محاولة لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار وإنهاءالحربالمستمرة منذ أكثر من عامين. وفقا لتقرير نشرته شبكة الجزيرة القطرية.
وأشارت الجزيرة إلى أن المحادثات تعقد في قصر “شيراغان” التاريخي المطل علىمضيق البوسفور، بحضور وفدين رسميين، يقود الجانب الروسي مستشار الكرملين فلاديمير ميدينسكي، بينما يرأس الوفد الأوكراني وزير الدفاعرستم عمروف.
وتُعد الجولة الحالية امتدادا لمسار تفاوضي أعادتتركياتحريكه منتصف الشهر الماضي، حين استضافت إسطنبول أول لقاء مباشر بين الجانبين منذ عام 2022، والذي عُقد في قصر “دولمة بهتشة” الرئاسي في 16 مايو/أيار، وأسفر عن اتفاق لتبادل واسع للأسرى شمل إطلاق سراح ألف محتجز من كل طرف.
تأتي هذه الجولة تتويجا لحراك دبلوماسي مكثف قادته أنقرة خلال الأسابيع الأخيرة لإعادة موسكو وكييف إلى طاولة المفاوضات. ففي أواخر مايو/أيار الماضي، أجرى وزير الخارجية التركيهاكان فيدانزيارتين متتاليتين إلى كل من روسيا وأوكرانيا لتهيئة الظروف السياسية واللوجيستية لانعقاد جولة جديدة في إسطنبول.
وخلال زيارته إلى موسكو يومي 26 و27 مايو/أيار، التقى فيدان الرئيس الروسيفلاديمير بوتين، ووزير الخارجيةسيرغي لافروف، وعددا من كبار المسؤولين الروس، حيث عبّر عن رغبة بلاده في استضافة جولة تفاوض جديدة.
واعتبر أن اختيار إسطنبول يعكس مستوى التفاهم مع موسكو بشأن ضرورة تحقيق الاستقرار الإقليمي. ولاحقا، أعلن لافروف موافقة بلاده على عقد الجولة الثانية في إسطنبول، بعد تلقي رسالة رسمية منأنقرةموجهة إلى الرئيس بوتين.
وفي 30 مايو/أيار الماضي أيضا، توجه فيدان إلى كييف حيث أجرى مباحثات مع الرئيس الأوكرانيفولوديمير زيلينسكي، ومدير مكتبه أندريه يرماك، إضافة إلى وزير الخارجية بالإنابة أندريه سيبيها. ودعا في مؤتمر صحفي مشترك إلى تغليب لغة الحوار على لغة السلاح، مؤكدا أن جولة 16 مايو/أيار شكّلت “نقطة انطلاق جديدة” على طريق التسوية السلمية.
كما أشار الوزير التركي إلى إمكانية عقد قمة ثلاثية في تركيا تجمع قادة روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة، إن تحقق تقدم ملموس في المحادثات، في حين شددت كييف على ضرورة أن تقدمموسكوتصورا مكتوبا ومفصلالوقف إطلاق النارقبل الانخراط في مفاوضات جوهرية.
يدخل الطرفان جولة إسطنبول بمواقف متباعدة تعكس الفجوة العميقة بين رؤيتيهما لوقف إطلاق النار والتسوية المحتملة. فبينما تبدي موسكو انفتاحا حذرا على الحوار، فإنها تضع شروطا مسبقة، من أبرزها وقف الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا، وإنهاء حالة التعبئة، إضافة إلى مطلب “حياد كييف” ووقف مساعيها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وهي شروط تعتبرها أوكرانيا تدخلا مباشرا في سيادتها.
من جانبها، تتمسك كييف بوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار كمدخل أساسي لأي تفاوض، وتعرض خطة تبدأ بهدنة لمدة 30 يوما، تتبعها عمليات تبادل للأسرى وإعادة الأطفال الأوكرانيين الذين تقول إنهم رُحلوا إلى روسيا، كما تتضمن الخطة عقد قمة مباشرة بين بوتين وزيلينسكي، ورفض أي قيود على القدرات العسكرية الأوكرانية، وعدم الاعتراف بسيطرة روسيا على أراضٍ أوكرانية، إلى جانب المطالبة بتعويضات مالية لإعادة الإعمار.
وتنعقد جولة إسطنبول في ظل تصعيد ميداني لافت بين الجانبين، إذ شنت أوكرانيا قبيل انطلاق المحادثات هجمات مكثفةبطائرات مسيرةاستهدفت قواعد جوية روسية في عمق الأراضي الروسية، وردت موسكو بقصف عنيف استهدف مناطق واسعة من أوكرانيا، وصفه مراقبون بأنه الأعنف منذ اندلاع الحرب عام 2022.
ورغم التوتر الميداني، تعول أنقرة، ومعها أطراف دولية أخرى، على أن تشكل هذه الجولة خطوة أولى نحو تهدئة قابلة للتثبيت، تمهد الطريق لمفاوضات سياسية أوسع، وربما لقاء قمة بين زعيمي البلدين إذا نضجت الظروف الملائمة.
يرى الأكاديمي والمحلل السياسي التركي علي فؤاد جوكشه أن فرص التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار خلال جولة إسطنبول الحالية تبدو “محدودة”، نظرا للتصعيد الميداني وتباعد مواقف الطرفين.
وفي حديثه للجزيرة نت، اعتبر جوكشه أن الهجمات الأوكرانية بطائرات مسيرة على العمق الروسي قبيل بدء المحادثات حملت رسالة مفادها أن كييف لا تزال تمسك بزمام المبادرة ميدانيا، مما يضعف فرص انفتاح موسكو على أي تهدئة غير مشروطة في هذه المرحلة.
ورغم ذلك، لم يستبعد جوكشه حدوث تقدم في ملفات إنسانية مثل تبادل الأسرى وعودة الأطفال، مشيرا إلى أن إدراج هذه القضايا إلى جدول الأعمال يعد تطورا إيجابيا قد يُبنى عليه لاحقا.
وفيما يخص الدور التركي، أشار إلى أن أنقرة تملك قدرة تفاوضية متميزة مقارنة بوسطاء آخرين، موضحا أن موسكو تتحفظ على المبادرات الأوروبية، بينما تبدي كييف توجسا من أدوار دول آسيويةكالصينأوكوريا الجنوبية. أما تركيا، فتمتلك علاقات قوية مع الطرفين، ويستند دورها إلى ثقة متبادلة وعلاقات شخصية مباشرة بين الرئيسرجب طيب أردوغانونظيريه بوتين وزيلينسكي.
من جهته، يرى الأكاديمي والمحلل السياسي التركي مصطفى يتيم أن تركيا باتت تمثل نقطة الارتكاز الأبرز في جهود الوساطة بين موسكو وكييف، بفضل سياستها المتوازنة وموقعها الجغرافي والدبلوماسي الحيوي.
وفي حديثه للجزيرة نت، أشار يتيم إلى أن أنقرة، ومنذ اندلاع الحرب، تبنت موقفا مبدئيا برفض اجتياح أوكرانيا من جهة، وعدم تأييد سياسة عزل روسيا من جهة أخرى، مما جعلها وفق تقديره الجسر الوحيد الذي يحظى بثقة الطرفين، ويؤهلها للقيام بدور الوسيط الفعّال في أي مفاوضات.
وأضاف أن موافقة الجانبين على تكرار اللقاءات في إسطنبول دليل على الثقة الإقليمية والدولية بالوساطة التركية، خصوصا في الملفات الإنسانية واللوجيستية، كملف الأسرى وأمن الغذاء والطاقة.
وبشأن إمكانية عقد قمة رئاسية، رأى يتيم أن الطرح كان قائما، لكن رفض الرئيس الروسي المشاركة يعكس برأيه غياب قناعة روسية بجدوى التسوية في الوقت الراهن، مؤكدا أن الأمر لا يرتبط بدور تركيا، بل بغياب الإرادة الروسية لإنهاء الحرب.
وختم يتيم بالإشارة إلى أن فرص الوساطة التركية قد تتزايد مستقبلا مع ارتفاع كلفة الحرب بالنسبة لروسيا، خاصة إذا استمرت المعارك بلا حسم عسكري واضح، مما قد يدفع موسكو إلى إعادة النظر في حساباتها السياسية.