اخبار تركيا
سلط مقال للكاتب والمحلل التركي طه قلينتش، الضوء على زيارة مثيرة للجدل قام بها حسن الشلغومي، إمام مسجد بضواحي باريس، إلى إسرائيل برفقة وفد من أئمة أوروبيين، في ظل عدوان عنيف على غزة.
وتناول الكاتب في مقاله بصحيفة يني شفق الدور الدعائي الذي يؤديه الشلغومي في خدمة الرواية الإسرائيلية، وكيف يُقدَّم في الإعلام الغربي كرمز لـ”الإسلام المعتدل”، رغم رفض غالبية المسلمين له. كما ناقش الخلفيات السياسية للزيارة، وردود الفعل الغاضبة عليها، خاصة بيان الأزهر الذي أدانها بشدة.
واعتبر الكاتب أن الترويج لمثل هذه المبادرات تحت شعارات “التعايش” و”السلام” هو تزييف للواقع وتبرير للعدوان، وأن خطورة هذه الشخصيات لا تكمن في حضورها الإعلامي فقط، بل في استمرار بعض المسلمين في اعتبارهم رموزًا دينية.
وفيما يلي نص المقال:
“نحن جميعًا أبناء إبراهيم، إننا نحارب المتطرفين الذين يسعون لتدمير الوئام بيننا. ما تفعلونه في هذه الزيارة، وفي عملكم الشجاع، يعكس الأغلبية الصامتة في الشرق الأوسط وحول العالم الذين يتوقون لهذا النوع من الحياة المشتركة. في هذا الوقت العصيب الذي تتصاعد فيه حدة التوتر بين اليهود والمسلمين، اخترتم أن تتصرفوا بطريقة مختلفة تمامًا.” بهذه الكلمات، أشاد الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ، صباح الإثنين الماضي، بضيوفه الأوروبيين الذين استقبلهم في مكتبه بالقدس.
وقد ضمّ الوفد أئمة من فرنسا وبلجيكا وهولندا وبريطانيا وإيطاليا، يتقدمهم حسن الشلغومي، الذي اعتاد الظهور بتصريحاته المثيرة للجدل في الإعلام العبري. وبحسب الصحافة الإسرائيلية، فقد تم تنظيم الزيارة من قِبل منظمة تزعم أنها “مؤسسة مستقلة”، لكنها في واقع الأمر تضطلع بدور لوبي نشط يخدم المصالح الإسرائيلية على مستوى أوروبا بأسرها.
وقد سبق لحسن الشلغومي أن زار إسرائيل عام 2019 ضمن وفد كبير أيضًا، وأطلق حينها تصريحات أدهشت حتى الأوساط اليهودية نفسها، حيث قال: “أنتم الجيش الإسرائيل، بقوتكم هذه قادرون على دحر قوى الشر التي تعيث فسادًا في الدول العربية. أنتم ستكونون وسيلة لتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. قبل مجيئي إلى هنا كنت أعتقد أن الفلسطينيين يُبادون على يد إسرائيل ويعانون منهم أشد المعاناة. لكنني صُدمت حين رأيت العرب واليهود يعيشون هنا بحرية معا. كل ما كنت أعرفه كان كذبًا. سأعود إلى بلدي حاملاً أفكارًا مختلفة تمامًا عن إسرائيل.”
وُلد حسن الشلغومي في تونس عام 1972، وتلقّى تعليمه في مرحلتي الثانوية والجامعة ما بين سوريا وباكستان، إلا أن مؤهلاته الدراسية ومستوى تحصيله لا تزال محلّ شك. وقد لجأ إلى فرنسا عام 1996، وتولى إمامة مسجد في ضواحي باريس في الرابعة والعشرين من عمره. وفي عام 2009 أسّس “منتدى أئمة فرنسا”، ومنذ ذلك الحين بات يعمل بشكل كامل ضمن أجندة الحكومة الفرنسية الرسمية، ويعبّر عن توجهاتها في كل المحافل التي يظهر فيها.
ورغم أنه لا يحظى بأي شرعية في أوساط الغالبية الساحقة من المسلمين، إلا أن الاهتمام المبالغ فيه الذي يحظى به حسن الشلغومي في الإعلام الغربي يبدو مثيراً للسخرية ومثيراً للتساؤل في آنٍ واحد. ففي مقالات تغصّ بكلمات مثل “التسامح”، و”التعايش”، و”الوئام”، و”السلام”، و”الإسلام المعتدل”، يُغدَق عليه المديح بلا حدود. بيد أن من المعلوم لدى من له أدنى إلمام بالإعلام الغربي، أن هذه الكلمات متى ما ذُكرت في سياق الحديث عن المسلمين، نادراً ما تنطوي على نوايا طيبة أو تقديم صورة إيجابية عنهم. فـ”التسامح” في عرفهم يعني السكوت عن الباطل، و”الانسجام” يعني الخضوع للقهر، و”الإسلام المعتدل” ليس سوى نسخة مشوَّهة ومنزوعة الأنياب والقوة من الإسلام الأصيل.
وقد تزامنت الزيارة الأخيرة لحسن الشلغومي والوفد المرافق له إلى إسرائيل، مع قصف عنيف تتعرض له غزة، يُترك فيه الناس للموت جوعًا، مما دفع الأزهر إلى إصدار بيان شديد اللهجة يدين هذه الزيارة رسميًا وبصورة صارمة. وجاء في البيان أن الشلغومي ومن معه قد خانوا القيم الدينية والإنسانية، مؤكّدًا على ما يلي: “في ظل استمرار الجرائم والمجازر والإبادة بحق الشعب الفلسطيني، فإن تبرير مثل هذه الزيارات تحت عناوين كـ’التعايش’ هو تحريف للواقع وتزييف للحقيقة. حسن الشلغومي يتحرك بعمى مطبق وكأنه لا تربطهم بهذا الشعب أية أواصر إنسانية أو دينية أو أخلاقية. هذه الفئة الضالة لا تمثل الإسلام ولا المسلمين، أمثال هؤلاء عادة ما ينتهي بهم تاريخهم وصنيعهم إلى صفحات التاريخ السوداء”. والواقع أن هذا التصريح، في ظل الخلفية السياسية للأزهر، يُعدّ تصريحًا جريئًا إلى حدٍّ كبير.
إن الدول توظّف أشخاصًا معينين، وأولئك الأشخاص يتقدمون طوعًا لهذه الأدوار. وقد درجت الأنظمة على تجنيد أفراد من داخل المسلمين وتسخيرهم لخدمة أجنداتها. وهذه الظاهرة وإن كنت لا أراها مشروعة إلا أنني أفهمها. ولكن ما لا أفهمه حقاً هو: من هؤلاء الذين لا يزالون يُصلّون خلف حسن الشلغومي في مسجده بباريس؟ أخشى أن يكون بينهم مسلمون عاديون، لا يأبهون بالخلفيات السياسية ولا يشغلهم عمق القضية. والحال أن أقسى عقوبة يمكن أن تُوجَّه لمثل هذه الشخصيات الكاريكاتورية هي أن يُتركوا وحدهم في عزلة تامة، فإذا توقف الناس عن معاملتهم كـ”أئمة”، فلن يروا أنفسهم كذلك. ولكن مشكلتنا الكبرى تبقى أن هذه الدمى لا تفقد مكانتها واعتبارها أبدًا.