اخبار تركيا

أزمة الأمن في أوروبا.. هل تشكل فرصة لتركيا؟

نهال بينغيسو قراجة خبر تورك ترجمة وتحرير اخبار تركيا

في وقت تتعمق فيه الصدوع في المناطق المضطربة حول العالم، اهتزت أيضًا تصورات الأمن الأوروبي.

أصبح مؤتمر ميونخ للأمن 2025، الذي عُقد بين 14 و16 فبراير، منصة لعرض هذا التحول.

زيارة زيلينسكي إلى تركيا كانت الدافع الذي جعلني أخيرًا أكتب عن المؤتمر الذي كنت أفكر في تغطيته.

ذلك لأن الحرب في أوكرانيا، واستراتيجيات الدفاع الأوروبية، والعلاقات عبر الأطلسي، وفكرة جيش أوروبي، وتوازنات القوى العالمية كانت من أبرز عناوين المؤتمر. وكانت القضية الأكثر إلحاحًا هي ما إذا كانت أوروبا ستفقد مظلة الحماية الأمريكية أو ستتمكن من التحرر من قيود هذه المظلة.

أمن أوروبا لم يعد أولوية لواشنطن

كانت إحدى أبرز جلسات المؤتمر بلا شك تلك المخصصة لقضية أوكرانيا. بينما أكد فولوديمير زيلينسكي أن “الأوكرانيين أنفسهم، وليس الآخرين، هم من يجب أن يقرروا مصير أوكرانيا”، تم الإعلان عن أن الولايات المتحدة وروسيا ستبدآن مفاوضات في السعودية. بمعنى آخر، الأطراف الرئيسية في الحرب تجلس إلى الطاولة، وتم اختيار السعودية مكانًا للقاء لتكريم محمد بن سلمان، لكن أوكرانيا لم تُدعَ إلى الطاولة. كانت أوكرانيا تواجه وضعًا أسوأ من عدم دعوة تركيا إلى اجتماع “مستقبل سوريا” الذي عُقد في روما في يناير.

في ميونخ، كان النقاش الأكثر لفتًا للانتباه هو ما إذا كانت أوروبا ستتمكن من الصمود أمام روسيا دون دعم أمريكي. أدت رسالة الإدارة الأمريكية الجديدة القائلة بأن “أمن أوروبا لم يعد أولوية لواشنطن” إلى طرح الحاجة إلى زيادة الإنفاق الدفاعي وتطوير استراتيجيات عسكرية مستقلة. ومع ذلك، يبقى من غير الواضح ما إذا كان يمكن تحقيق هذه الاستقلالية حقًا.

هل هي مفارقة تاريخية أم حتمية استراتيجية؟ لا أحد يعرف، ولكن ما نعرفه هو أن فكرة الجيش الأوروبي عادت إلى الطاولة. بينما قال زيلينسكي إن “أوروبا يجب أن تنشئ جيشها الخاص”، تبادل قادة الاتحاد الأوروبي الأفكار حول مشاريع الدفاع المشترك وهيكل عسكري منسق. كانت كلمات أورسولا فون دير لاين “يجب أن تكون أوروبا أكثر براغماتية وحزمًا” اعترافًا بنقص شعر به الجميع منذ فترة طويلة.

ولكن ليس هناك دعم متجانس لهذه الفكرة داخل أوروبا. بينما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز إن “الاعتماد على الولايات المتحدة لم يعد مستدامًا”، أعربت دول البلطيق وشرق أوروبا عن تحفظاتها بقولها إن “الجيش الأوروبي لا يمكن أن يحل محل الناتو”. بالنسبة للدول التي تشعر بالتهديد الروسي عن قرب، يظل الناتو مظلة لا يمكن الاستغناء عنها.

هل يقبل الجيش التركي بحماية أوروبا مقابل العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي؟

بينما نوقشت توازنات القوى العالمية على نطاق واسع في المؤتمر، لفت الموقف الدولي لتركيا الانتباه بشكل خاص. أكد تقرير ميونخ للأمن على المهارات الدبلوماسية لتركيا، وتقدمها في تقنيات الدفاع، وموقعها الجيوسياسي. لم تعد تركيا مجرد قوة إقليمية؛ بل يُنظر إليها الآن كفاعل موازن في الخط الأوروبيالشرق أوسطي. في هذا السياق، تثير جهود أوروبا لتعزيز قدراتها الدفاعية ومناقشات الجيش الأوروبي سؤالًا مهمًا لتركيا: هل تقبل تركيا بتخصيص قواتها المسلحة للقوة الدفاعية المشتركة للاتحاد الأوروبي مقابل العضوية الكاملة؟

قد تكون إجابة هذا السؤال أحد أهم العوامل التي ستحدد مستقبل العلاقات الأوروبيةالتركية في الفترة المقبلة. لأن القوات المسلحة التركية هي أهم أصول تركيا.

من الناحية التاريخية، فإن امتلاك تركيا لثاني أكبر جيش في الناتو، وصعود صناعتها الدفاعية، وفعاليتها في إدارة الأزمات، يجعلها بالفعل شريكًا استراتيجيًا لأوروبا. ولكن بما أننا طرحنا السؤال، فلنرسم الخط الأحمر بسرعة: لقد أبقى الاتحاد الأوروبي هدف تركيا في العضوية الكاملة في طي النسيان لسنوات. لدرجة أنه لم يعد هناك حماس أو هدف أو دوافع في تركيا. بعيدة جدًا عن تراث الاتحاد الأوروبي. ولكن هناك مشاكل أكبر في الاتحاد الأوروبي الآن من مدى ملاءمة تركيا كمرشح.

ماذا لو قدم الاتحاد الأوروبي حزمة تشمل الاستفادة من القوة العسكرية لتركيا واستكمال عملية العضوية الكاملة؟ الإجابة بسيطة: سيتم النظر فيها.

ولكن إذا طلب الاتحاد الأوروبي دعمًا دفاعيًا مع إبقاء خيار العضوية الكاملة مغلقًا أو مؤجلًا، فيجب أن يُقال بوضوح: لن يتم تقديم أي شيء. لأن أي احتمال غير “العضوية الكاملة” لن يكون مقبولًا بل قد يعتبر خيانة للوطن. سيكون من الخطأ للغاية تقديم دعم دفاعي مقابل وعود وهمية مثل “الشراكة الاستراتيجية”.

خاتمة

أظهر مؤتمر ميونخ للأمن الحادي والستون شيئًا واضحًا: من المحتوم أن تشهد سياسات الأمن والدفاع الأوروبية تغييرات جذرية. ذلك لأن اهتمام الولايات المتحدة بالقارة يتضاءل بشكل واضح. وأوروبا تسعى لأن تصبح قوة عسكرية مستقلة. ولكن بينما تحاول الإدارة الأمريكية الجديدة التأثير على السياسة الداخلية الأوروبية، كما فعل JD Vance في المؤتمر بتشجيعه الصريح لليمين المتطرف الأوروبي، فإن القول “نعم، أوروبا يمكنها تحقيق ذلك” ليس بهذه السهولة.

الدول الأوروبية مضطرة للبحث عن تحالفات.

وهذا الاضطرار يهم تركيا بالطبع.

يجب على تركيا أن تتحرك بحساب واستراتيجية تتناسب مع مصالحها الوطنية دون أن تعتبر نفسها لا غنى عنها.

سيكون البحث الأوروبي عن الأمن اختبارًا وفرصة لتركيا.

عن الكاتب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *