اخبار تركيا
تواجه تركيا أزمة متصاعدة في قطاع البندق بعد موسم زراعي شهد تراجعا حادا في الإنتاج وارتفاعا غير مسبوق في الأسعار، ما أشعل خلافا علنيا مع شركة فيريرو الإيطالية، أكبر مشتر للبندق عالميا. وفقا لتقرير نشرته شبكة الجزيرة القطرية.
وبحسب الجزيرة، تبادل الطرفان الاتهامات حول الاحتكار والمضاربة والتلاعب بالسوق، في حين تحركت السلطات التركية عبر قرارات تنظيمية تهدف إلى حماية المنتجين المحليين وضبط السوق.
وتأتي التطورات في وقت حساس اقتصاديا، إذ تعد تجارة البندق مصدر دخل حيوي لعشرات الآلاف من المزارعين، وعصبا أساسيا في صادرات تركيا الزراعية.
تراجع إنتاج تركيا من البندق
سجل قطاع البندق في تركيا خلال العام الجاري واحدا من أسوأ مواسمه التاريخية، بعد تراجع الإنتاج إلى 453 ألف طن فقط، مقارنة مع 717 ألف طن في الموسم الماضي بانخفاض يقارب 37%، بفعل ظروف مناخية قاسية وآفات زراعية ضاربة.
وتعد تركيا المنتج الأكبر للبندق عالميا، وتستحوذ على نحو 64% من إجمالي المعروض العالمي، ويصدر حوالي 80% من محصولها السنوي، بإيرادات تجاوزت 2.5 مليار دولار عام 2024.
وأرجعت المؤسسة هذا التراجع إلى موجة صقيع مفاجئ ضربت البساتين في أبريل/نيسان الماضي، بالإضافة إلى انتشار آفة “البق البني” التي تسببت في تلف مساحات واسعة من المحصول.
وارتفعت أسعار البندق خلال العام الجاري إلى مستويات قياسية بفعل تراجع المحصول وشح المعروض، وحددت مؤسسة الحبوب التركية سعرا استرشاديا عند 200 ليرة للكيلوغرام (4.7 دولارات) لصنف “غيريسون”، لكن الأسعار في السوق الحرة قفزت سريعا إلى نحو 380 ليرة (9 دولارات) في ذروة الأزمة.
وتسببت شائعات عن توقف شركة فيريرو الإيطالية عن شراء البندق التركي في هبوط مؤقت للأسعار، لكن المزارعين رفضوا البيع بهذه الأسعار، ما أعاد الأسعار لمسار صعودي، وسط توقعات بوصولها إلى 400 ليرة (9.5 دولارات) مع استمرار نقص المعروض.
فيريرو الإيطالية تخفض مشترياتها من البندق التركي
دفعت الارتفاعات الحادة في أسعار البندق والانكماش الكبير في المحصول التركي شركة فيريرو وهي أكبر مستهلك للبندق عالميا وصاحبة علامة نوتيلا إلى تبني إستراتيجية توريد أكثر حذرا خلال موسم 2025.
ووفق تقرير لصحيفة فايننشال تايمز أواخر أكتوبر/تشرين الأول، قلصت الشركة وتيرة شرائها من السوق التركي، معتمدة بشكل أكبر على مخزوناتها طويلة الأجل التي راكمتها مسبقا، فضلا عن تنويع مصادر التوريد عبر الاستيراد من دول مثل تشيلي والولايات المتحدة.
وأكد المدير العام للشركة ماركو بوتا هذا التوجه، موضحا أن الشركة تمتلك مخزونا يكفيها للانتظار، في ظل ارتفاع الأسعار العالمية وشح الكميات المعروضة، ووصف بوتا وضع السوق التركي بأنه أقرب إلى “لعبة انتظار”، لافتا إلى أن المنتجين المحليين والتجار يتطلعون إلى اللحظة التي تعود فيها “فيريرو” للشراء، في حين تختار الشركة التريث على أمل انخفاض الأسعار مع مرور الوقت.
وأثارت أنباء تقليص مشتريات الشركة مخاوف واسعة من فقدان جزء من الحصة السوقية لصالح منافسين عالميين، إلا أن فيريرو سارعت إلى نفي ما تردد بشأن وقف مشترياتها من البندق التركي بالكامل، مؤكدة أن تركيا لا تزال أكبر مورد لها، وأنها “لم تصدر أي تصريح” حول التخلي عن المحصول التركي.
تحرك تركي لحماية تجارة البندق
أثار تباطؤ شركة فيريرو في شراء البندق التركي بكميات كبيرة استياء واضحا لدى صانعي القرار في أنقرة، الذين اعتبروا سلوك الشركة محاولة للضغط على السوق المحلية في موسم يتسم بندرة المحصول وارتفاع الأسعار.
وردت هيئة المنافسة التركية بتحرك سريع، مستندة إلى تحقيق موسع كانت قد أجرته عام 2024 حول هيمنة شركة فيريرو على سلسلة توريد البندق.
وأسفر ذلك التحقيق في ذلك الوقت عن فرض التزامات تنظيمية صارمة على الشركة، شملت إلزامها بشراء حد أدنى يبلغ 45 ألف طن في الفترة بين سبتمبر/أيلول وديسمبر/كانون الأول، وعدم الشراء بأسعار تقل عن السعر المرجعي الذي تحدده الدولة، إضافة إلى وضع سقف عند 100 ألف طن للمشتريات السنوية بهدف منع أي تمركز احتكاري في السوق.
ومع بدء موسم 2025 بتراجع حاد في الإنتاج وتدهور جودة المحصول، طلبت شركة فيريرو رسميا تعديل التزاماتها بدعوى الظروف الاستثنائية، وبعد مراجعة الملف، قرر مجلس المنافسة مطلع نوفمبر/تشرين الثاني خفض الحد الأدنى لمشتريات الشركة إلى 30 ألف طن لهذا الموسم فقط، باعتباره استثناء مؤقتا لعام واحد.
اتهامات متبادلة
وخرج رئيس هيئة المنافسة بيورول كوله بتصريحات شديدة اللهجة، أكد فيها أن الأزمة الحالية نتيجة مباشرة لعوامل طبيعية مناخية وبيئية ضربت المحصول، وليست انعكاسا لممارسات مضارِبة.
وأشار كوله إلى أن التحقيق الشامل الذي أجراه مجلس المنافسة عام 2024، وما أسفر عنه من التزامات صارمة فرضت على فيريرو، يثبت عكس الصورة التي تحاول بعض الجهات رسمها.
وأوضح أن المزارعين في موسم يعاني شح المعروض يلجؤون بطبيعتهم لبيع المحصول تدريجيا وليس دفعة واحدة، وهو سلوك اقتصادي “طبيعي وسليم” وفق المعايير العالمية.
من جانبها، أكدت وزارة الزراعة ومؤسسة الحبوب التركية استمرار دعمهما للمزارعين، ودعت المنتجين إلى عدم بيع محاصيلهم بأسعار متدنية تحت ضغط الشائعات، مذكرة بأن سعر التدخل الحكومي هو السعر المرجعي.
في هذا السياق، أكد رئيس غرفة الزراعة في مدينة أوردو، أتاكان أكشا، أن الشائعات التي تحدثت عن توقف “فيريرو” عن شراء البندق لم تكن سوى “مناورة لإثارة الذعر ودفع المزارعين للبيع بسعر زهيد”.
وأوضح أن هذه الشائعات أدت بالفعل إلى هبوط السعر من 380 ليرة (9 دولارات) إلى 280 ليرة (6.6 دولارات) لفترة قصيرة، قبل أن يدرك المزارعون الهدف من ورائها ويحجموا عن البيع.
تحذير مبكر
ويؤكد المحلل الاقتصادي شكري جوفان أن تفوق تركيا في سوق البندق ما يزال قائما، وأنه تفوق هيكلي يصعب تجاوزه في الأمد القريب، باعتبارها المنتج الأكبر عالميا.
لكنه يرى في توجه شركة فيريرو لتنويع مصادر التوريد إشارة تحذير جادة، نظرا إلى أن الشركة تستهلك وحدها ربع الإنتاج العالمي، ما يعني أن أي تراجع في اعتمادها على تركيا سيضعف قدرة المنتجين الأتراك على تحديد السعر ويقلل من الوزن التفاوضي لتركيا داخل سلاسل القيمة الدولية.
ويضيف جوفان في حديث مع الجزيرة نت أن خطوة فيريرو لا تعني التخلي عن تركيا، فالبندق المنتج في البحر الأسود يتمتع بجودة ونكهة فريدة يصعب استبدالها، إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في المدى المتوسط، فإذا لم تعزز تركيا إنتاجيتها، وتضبط آليات السوق، وتدعم التعاونيات المحلية، فقد تنجح الشركات العالمية في بناء شبكات توريد بديلة تقلل تدريجيا من اعتمادها على تركيا.
