اخبار تركيا

تناول تقرير للكاتب والمحلل السياسي التركينيدرت إيرسانال، تطورات أسطول الصمود العالمي الهادف إلى كسر الحصار المفروض على غزة، مسلطا الضوء على أهميته الإنسانية والسياسية كأداة مقاومة مدنية في ظل غياب أي تحرك دولي فعّال لوقف الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل.

يناقش التقرير الذي نشرته صحيفة يني شفق الصعوبات والتأجيلات التي تواجه الأسطول قبل انطلاقه، إلى جانب المخاوف من الضغوط الدولية والمناورات السياسية الرامية إلى إفشال مهمته، خصوصًا في ظل طرح خطط سلام مشبوهة وتحركات دبلوماسية موازية.

ويبرز الكاتب كذلك دور الإعلام والدعم الشعبي في مواجهة محاولات التشويه والتضليل، مؤكداً أن الرأي العام العالمي هو السلاح الأقوى في هذه المعركة. وفيما يلي نصالتقرير:

يعد أسطول الصمود العالمي ذا أهمية بالغة للبشرية جمعاء. فقد تجاوز هذا الأسطول منذ زمن طويل كونه مجرد حركة مدنية رمزية، وأصبح للأسف “القوة الوحيدة” التي نمتلكها في مواجهة الإبادة الجماعية الإسرائيلية. فقد فقدنا الأمل في أي جهة أخرى منذ زمن طويل.

ولذلك، من الضروري أن يزداد ثقله وتأثيره الإعلامي على المستويين العالمي والمحلي، إذ لم يحصل بعد على الاهتمام الذي يستحقه. أتوقع وآمل أن يزداد الاهتمام بالأسطول عندما يبدأ رحلته ويقترب من فلسطين، وأن تتابع الدول التي ينتمي إليها النشطاء التطورات عن كثب. وقد أظهرت إسرائيل موقفها العدائي بالفعل من خلال الهجوم بالطائرات المسيّرة على إحدى السفن في ميناء سيدي بوسعيد بتونس، الأمر الذي يُعد دليلًا على مخاوفها ورغبتها في قمع الحراك قبل أن يبدأ.

وكما تعلمون، يشارك إرسين جليك في الأسطول، حيث يُطلعنا على التطورات تحت عنوان «يوميات الأسطول» عبر صحيفة “يني شفق” و”TvNet” و”ويوتيوب”. ولابد من الاعتراف بأنه يؤدي عمله بجدية ومهنية عالية.

إلا أنّ مقاله الأخير بعنوان “عبء العالم على أكتاف الشعوب الإنسانية” أثَّر فيَّ كثيرا.

وجاء في بعض سطوره مايلي:

“تأجلت مغادرة الأسطول من ميناء صقلية مجددا”.

“كان من المفترض أن نكون في عرض البحر منذ فترة طويلة.”

“هناك الكثير من الأسئلة بحاجة إلى إجابات. مع استمرار تأجيل موعد الانطلاق، وعدم تحديد موعد العودة بعد، يتساءل الجميع عن سبب هذا الغموض. وبصراحة لم تقدم البعثة الأوروبية رداً مقنعاً في هذا الشأن. في هذه الحالة، سيكون هناك من يحتاج للعودة إلى وطنه أو عمله أو دراسته. والآن يتم مراجعة القوائم بناءً على هذه الإشعارات”

“عندما علمنا مساء الأمس بتأجيل المغادرة من الميناء، تأثرت معنوياتنا بطبيعة الحال..”

“لقد تأخرنا، وصبرنا بدأ ينفد. هناك لحظات نشعر فيها بالإرهاق النفسي، ولكن معرفة أننا في قلب الفوضى التي أوجدها النظام العالمي الحالي، وأننا جزء من مسؤولية تاريخية تتمثل في الوصول إلى غزة وكسر الحصار ووضع حد للإبادة الجماعية، يجدد عزيمتنا على الفور.”

قبل هذا النوع من الفعاليات، يكون حال المشاركين أشبه بجنودٍ يتأهبون للإنزال على الساحل عبر سفنٍ تندفع بسرعة صوب الشاطئ. فيكونون متوترين ومستعدين. وكلما طالت المدة، زاد التوتر والإرهاق. لكن من الواضح أنهم سيتجاوزون كل ذلك، فالهدف أسمى بكثير من أي ضغط عاطفي أو نفسي.

أما أنا فمخاوفي وقلقي تأخذ منحى آخر..

فبينما ينتظر أسطول الصمود العالمي، تحدث بعض التطورات..

من جهة، يعرض ترامب وإدارته على حركة حماس خطة سلام جديدة قائلين لها: «هذه فرصتك الأخيرة». فتقبلها حماس، بينما يجري تهميش السلطة الفلسطينية وإقصاؤها من اجتماعات الأمم المتحدة، لتهيئة أرضية “أكثر نقاء” لبقية الأطراف. وإسرائيل من جانبها تُبدي قبولاً بالخطة، لكنها في الوقت ذاته تواصل عمليتها العسكرية الجديدة في غزة، وتزيد من وحشيتها وقسوتها يوما بعد يوم، وتمارس ضغوطاً هائلة لدفع الفلسطينيين إلى مغادرة المنطقة والتوجه نحو الحدود المصرية. أما القاهرة، فتنظر بقلق وتقوم بتعزيز قواتها على الحدود.

في الحقيقة، هذا الوضع ليس سوى امتدادٍ للسياسة الإسرائيلية ذاتها منذ البداية: مشروع ممرّ استيطاني ينفذ بشكل متدرج، من خلال احتلال وضم أراضٍ جديدة. أي أن شيئاً لم يتغير. لكن خطابهم يوحي بالتجاوب مع العرض الأميركي الذي جرى وصفه بأنه «الأخير». أما مَن يصدق فهذا شأن آخر، بل حتى لو وافقوا، لن يكون هناك ضمان لما سيحدث بعد ساعة واحدة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن “الثلاثي القذر” يعود إلى الواجهة مجددا..

فقد عقد الصهر كوشنر، والمبعوث الخاص ستيف ويتكوف، ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، اجتماعًا حول غزة، ولكن في ميامي هذه المرة (وهل هناك مكان أنسب منه لـ “خطة ريفيرا”؟). وقد سبق أن اجتمع هؤلاء أنفسهم في البيت الأبيض، مصطحبين معهم توني بلير الوقح.

إن مثل هذه التطورات قد لا تفضي إلى سلام حقيقي كما نفهمه أو نقبله، لكنها قد تفتح الباب لحالة من “التجميد”، أو ربما لاحتمال تشكيل طاولة مفاوضات، أو طرح هدنة جزئية ومحدودة. وسيسوّقون ذلك على أنه “مفاوضات سلام” ليغذوا به الرأي العام العالمي. لكن النتيجة النهائية قد تكون على النحو الآتي: “انظروا، ها هو السلام يلوح في الأفق، وها قد قبلت إسرائيل التوقف أخيراً، والأطراف كلها هنا، وبعد كل هذا الجهد المضني الذي بذلناه للوصول إلى هذه اللحظة، ما الداعي لأسطولكم الآن وما الذي تسعون لتحقيقه؟”

يا إلهي، إنهم يحاولون جعلنا نبكي بحرقة كطفل أُخذت منه حلوياته، لا يمكن الوثوق بهم أبدًا.

فقد يمارسون ضغوطًا هائلة من هذا النوع على إدارة “أسطول الصمود العالمي” ولا تظنوا أنهم لا يفعلون ذلك الآن لزعزعة توازنها. مع أن هذا الأسطول قد انطلق إلى البحر المتوسط من “ترسانة الإرادة الشعبية” لمواجهة هذه الدناءة بالتحديد.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك “متذمرين” داخل الأسطول، أو بالأحرى في وحداته المنتشرة في مختلف الدول. ولن أخوض في التفاصيل، لكن إسماعيل كيليش أرسلان أشار إلى بعض جوانب ذلك في مقال بعنوان (“إنهم لا يحبون غزة أبدًا”).

خلاصة القول: هذا الأسطول ليس ذاهبًا لاقتحام هيئة الأركان العامة الإسرائيلية، بل هو ذاهب لكسر الحصار ومد يد العون للمدنيين الأبرياء. سلاحه الوحيد هو “قلبه”. إن محاولة نصب فخ له، أو إفساد مهمته، أو التلويح بالعصا العسكرية، أو زرع الألغام السياسية، هي أعمال شيطانية.

وعندما وصلت إلى كتابة هذا الجزء من المقال اتصل بي أرسين جليك، وتبادلنا الهموم قليلا، إنه يرى أن هذه التأجيلات ليست إلا جزءاً من عملية التفكير الاستراتيجي للأسطول. وهم بطبيعة الحال على وعي تام بالتعقيدات الكبرى التي ينطوي عليها الأمر، وبالاحتمالات التي ذكرتها آنفاً. هناك رغبة في أن ينطلق الأسطول بالتزامن مع اجتماع الأمم المتحدة. نأمل أن يصدر إعلان دعم رسمي من هناك. لا شك أن هذه المسألة ستُناقش في الجمعية العامة. وحتى لو سكت الجميع فإن الرئيس أردوغان سيوجّه إليهم خطاباً يقضّ مضاجعهم. ومن المؤكد أن الأسطول سيستمد زخماً من هذه الموجة.

ومن المتوقع أن تُبحر السفن خلال أيام قليلة، والتاريخ محدّد، لكنني أُحجم عن ذكره. نسأل الله أن تسير الأمور على ما يرام. وما يقع على عاتقنا هو ألا نضعف الدعم الإعلامي، بل أن نقويه ونعززه. كونوا على يقين بأن الرأي العام التركي والعالمي هو ما تخافه إسرائيل فقط.

شاركها.