اخبار تركيا
استعرض مقال تحليلي للكاتب والإعلامي التركي توران قشلاقجي، تحليلاً معمقًا لتصريحات عبد الله أوجلان، زعيم تنظيم حزب العمال الكردستاني المحظور، حول التحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط في ظل تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران.
ووفقا للكاتب، يشير أوجلان إلى أن إسرائيل، بدعم أمريكي، تسعى لتطويق كل من تركيا وإيران من خلال توظيف الحركات الكردية، خاصة قوات سوريا الديمقراطية، كأدوات في مشروع إقليمي جديد يُعيد إنتاج سياسات “فرق تسد”.
كما يحذر من تحول القضية الكردية إلى مجرد ورقة في أيدي القوى الكبرى، داعيًا إلى تحالف شعبي شامل بين شعوب المنطقة لمواجهة هذه المخططات ومنع سيناريو “التحويل إلى غزة” الذي يهدد الأكراد والمنطقة بأسرها بالدمار والتفكيك. حسبما ذكر قشلاقجي.
وفيما يلي نص المقال:
برزت دولة إسرائيل كواحدة من أكثر المشاريع الجيوسياسية إثارة للجدل في القرن العشرين. في فترة تأسيسها، لم تكن مجرد بناء لدولة قومية، بل تحولت إلى حصن عسكري وثقافي متقدم للغرب في الشرق الأوسط. طوال الحرب الباردة، أصبحت إسرائيل أداة للتوازن ضد النفوذ السوفييتي في المنطقة، تحت مظلة الإمبريالية الأمريكية، بينما تمزق العالم العربي وزادت إسرائيل من قوتها وتوسعت في الأراضي. تصريح الرئيس الأمريكي الأسبق هاري ترومان لوفد يهودي زاره عام 1948، عندما قال: «أنا كورش الثاني بالنسبة لكم»، يظهر بوضوح أن إسرائيل كانت منذ البداية كيانا يخدم المصالح الأمريكية، لكن هذا السيناريو لم يعد صالحا اليوم.
التصريحات التي أدلى بها عبد الله أوجلان، مؤسس تنظيم حزب العمال الكردستاني (بي كي كي) المحظور، قبل اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران، ذات أدلة مهمة حول التطورات الحالية. الاجتماع الذي جرى في سجن إمرالي في 21 أبريل 2025 بين أوجلان ووفد من حزب ديم، لم يكن مهما فقط للسياسة الداخلية التركية، بل تضمن تقييمات صادمة تتطلب إعادة التفكير في الجيوسياسة الإقليمية والعالمية. قال أوجلان في هذا الاجتماع: «الشرق الأوسط يعاد تشكيله من جديد. هناك بحث عن توازن جديد بين إسرائيل وإيران وتركيا والعالم العربي. في هذا المشهد، إما أن يصبح الأكراد فاعلين رئيسيين، أو سيُستهلكون كبيادق في ألعاب القوى الكبرى».
في هذا السياق، أشار أوجلان إلى انتقال إسرائيل من مرحلة «ما قبل» إلى مرحلة «ما بعد»، وإلى التصميم الجديد للشرق الأوسط، الذي أفرزه تحالف نتنياهو ترامب، وكيف يُراد توظيف الحركة الكردية في هذه الخطة. وأعرب عن مخاوفه من أن يتم استخدام الحركة السياسية الكردية كرافعة جيوسياسية، من قبل القوى الغربية وإسرائيل، قائلاً: «إذا فقدت الحركة الكردية أساسها الشعبي الديمقراطي، فلن تكون أكثر من مجرد كومبارس في نسخة جديدة من سايكس بيكو. هذا الخطر قريب جدا.» وأكد أوجلان في هذا الإطار على تحول قوات سوريا الديمقراطية (قسد) إلى قوة وكيلة لاستخبارات الأمن الإسرائيلي والأمريكي.
اتفاقات إبراهيم التي أُعلنت رسميا في عهد ترامب، هدفت إلى تقليل عزلة إسرائيل في العالم العربي. لكن وراء هذه الانتصارات الدبلوماسية، تكمن خطة جيوستراتيجية أعمق وأكثر خطورة: تطويق إيران وتركيا. وتقع الكيانات الكردية في قلب هذه الخطة. وأوضح أوجلان أن الروابط غير المباشرة بين قوات سوريا الديمقراطية والموساد ووكالة المخابرات المركزية، تُستخدم لتحقيق مصالح إسرائيل، ما يؤدي إلى توظيف الأكراد كأدوات بدلاً من تمكينهم كفاعلين مستقلين.
وأكد أوجلان أن إيران هي الهدف الأول لإسرائيل، بينما أصبحت تركيا أيضا هدفا واضحا، خاصة بعد عام 2010. وأشار إلى أن دعم تركيا بقيادة أردوغان للقضية الفلسطينية قد زاد من سرعة استراتيجية التطويق الإسرائيلية. وقال: «تم العمل باستمرار على إضعاف صورة تركيا لدى الولايات المتحدة والغرب». كما أشار إلى أن هيكل قوات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا تحول فعليا إلى «ممر إسرائيلي»، وهو ما يشكل أساسا لاستراتيجية تطويق تركيا من الجنوب. وبالمثل، يتم استفزاز الحركات الكردية على الحدود الإيرانية، حيث تُستخدم الجماعات المدعومة من إسرائيل لإضعاف طهران من الداخل.
تحذير أوجلان من هذا الخطر واضح:
«لا تركيا ولا إيران يمكنهما كسر هذا الحصار بمفردهما. دون تحالف الشعوب (التركية، الفارسية، العربية، والكردية)، لا يمكن إفشال المشروع الإقليمي الذي تقوده إسرائيل. وإلا فستتم تصفية كل طرف على حدة». وجه أوجلان إنذارا إلى قوات سوريا الديمقراطية وحزب الحياة الحرة الكردستاني (PJAK)، محذرا من أنه إذا تحركت هذه الجماعات وفقا للأجندة الاستراتيجية لإسرائيل والولايات المتحدة، فسيتم استخدامهم كأدوات تفجير. وأشار بشكل خاص إلى «عملية التحويل إلى غزة» قائلاً: «إذا تم تجاهل هذا، فسيتم تنفيذ خطة التحويل إلى غزة من السليمانية إلى عفرين. إسرائيل أعدت كل البنية التحتية لهذا. إسرائيل مادة متفجرة ذات قوة عالية. إنها تريد إشراك الأكراد في هذه العملية. يجب منع هذا».
وأشار أوجلان إلى أن بعض الأوساط داخل حزب ديم، تحاول سحب الحركة الكردية إلى خطاب هوياتي بحت، متجاهلة التوازنات الإقليمية وألعاب القوى الكبرى، محذرا: «يجب أن نحدد اتجاه السياسة الكردية من ديار بكر وحلب ومهاباد، وليس من واشنطن أو تل أبيب. وإلا فسيربح الوكلاء وليس الشعب».
في غضون ذلك، أظهر البيان الذي أصدره رئيس حزب الشعوب الديمقراطي السابق صلاح الدين دميرتاش، حول التوتر بين إسرائيل وإيران في 17 يونيو 2025، توازيا مع تصريحات أوجلان. وقال دميرتاش في نهاية بيانه: «يجب ألا ننسى أن الإمبريالية لا تعطي شيئا دون أن تكسب ألفاً. نحن كمجتمع تركي سنكون في هذه المرحلة واحدا ومتحدين؛ وسنتحول عند الضرورة إلى جيش شعبي من 86 مليونا من أدرنة إلى هكاري؛ وسندافع عن وطننا المشترك بأرواحنا».
ختاما؛ في هذه العتبة التاريخية التي يعاد فيها تشكيل الشرق الأوسط والعالم، تواجه الحركات الكردية خيارا مصيريا: إما أن تصبح مؤسسة لنظام جديد مع شعوب المنطقة، أو أن تتحول إلى مجرد أدوات في استراتيجيات «فرق تسد» التي يقودها نتنياهو وترامب. تقييمات عبد الله أوجلان من سجن إمرالي ليست تحذيرا للشعب الكردي فحسب، بل لتركيا وإيران والعالم العربي وجميع شعوب المنطقة. في مواجهة استراتيجية التطويق التي تنفذها إسرائيل كدولة أمنية ما بعد قومية، أصبح التحالف بين شعوب المنطقة بناءً على الروابط التاريخية والثقافية والجغرافية ضرورة ملحة. تهديد «التحويل إلى غزة» ليس خطرا على مجموعة عرقية معينة فحسب، بل هو سيناريو دمار يشمل الشرق الأوسط بأكمله والعالم.