اخبار تركيا
تمتلك تركيا على سواحل البحر الأبيض المتوسط ثروة طبيعية وثقافية تجعلها أكثر من مجرد وجهة للاستجمام. فإلى جانب البحر الفيروزي النصف شفاف والشواطئ الذهبية الممتدة تحت أشعة الشمس على مدار العام، تزخر المنطقة بجمال جبال طوروس المهيبة المغطاة بالثلوج، والأنهار المتدفقة من سفوحها، والغابات الكثيفة من الصنوبر والأرز، والوديان العميقة التي تُضفي سحرًا لا ينضب على جنوبي البلاد.
هذه الأنهار، التي تتدفق من جبال طوروس صوب المتوسط، لم تكن مجرد موارد طبيعية تتيح ممارسة الرياضات المائية والابتعاد عن صخب المدن، بل تحولت في كثير من الأحيان إلى شلالات بديعة شكّلت علامات بارزة في المشهد الطبيعي التركي.
ومن أبرز هذه الأنهار: نهر سيهان، ونهر جيهان، ونهر غوكصو، ونهر كوبرولو، ونهر أشان (زانثوس قديمًا)، ونهر ديمره، ونهر دودان (وشلالاته الشهيرة)، ونهر ماناوغات، ونهر أكسو.
نهر أشان (زانثوس قديمًا)
يمتد نهر أشان بطول 120 كيلومترًا، ويمر وسط منطقة سيدي كمر. عُرف في العصور القديمة باسم “زانثوس”، وهو يمنح المدينة القديمة التي تحمل نفس الاسم جمالًا طبيعيًا استثنائيًا. يشكّل النهر بيئة مثالية لممارسة رياضة التجديف على مدار أكثر من موسم انطلاقًا من وادي صاقلي كَنت، كما يعد مناسبًا لعدد من الرياضات المائية الأخرى.
زانثوس، التي شكّلت قلب إقليم ليقيا القديم، تقع قبالة منطقة كينيك الحالية. وغالبًا ما ورد اسم “زانثوس” في المصادر القديمة مرادفًا لليقيا بأسرها. وإلى الجنوب منها بنحو أربعة كيلومترات تقع منطقة ليتون الأثرية، حيث يظهر بوضوح تمازج التقاليد الليقية مع التأثير اليوناني، خصوصًا في فنون الدفن.
وعند مصب نهر زانثوس تقع مدينة باتارا، التي كانت ميناءً طبيعيًا مهمًا في العصور القديمة، وارتبطت مصائرها بالمد والجزر والتيارات البحرية. وقد استقطبت باتارا عبر التاريخ قادة ومفكرين وشخصيات روحية بارزة، ولا تزال حتى اليوم وجهة لزوار يبحثون عن الجمال الطبيعي والتاريخي معًا.
نهر كوبر جاي (كوبرو تشاي Eurymedon قديمًا)
يُعد نهر كوبرو من أبرز أنهار أنطاليا، ويصب في البحر المتوسط قرب مدينة سيريك. ينحدر من جبال طوروس قرب منطقة “سوتجولر” في إسبرطة، ويمتد بطول 178 كيلومترًا، فيما يصل ارتفاع منبعه إلى 2151 مترًا.
كان يعرف في العصور القديمة باسم “يوريميدون”، وقد ارتبط بمجريات تاريخية مهمة. ففي عام 460 ق.م هزم القائد الأثيني كيمون الأسطول الفارسي عند مصب النهر في معركة يوريميدون الشهيرة، التي شهدت مواجهتين برية وبحرية في يوم واحد. وفي عام 190 ق.م، وقعت معركة أخرى عندما تغلب الأسطول الروماني بقيادة لوسيوس أميليوس ريجيلوس على الأسطول السلوقي لأنطيوخس الثالث، بقيادة القائد القرطاجي حنبعل.
اليوم، يشتهر وادي كوبرولو بأنه أحد أفضل مواقع التجديف في تركيا، حيث يستقطب السياح ومحبي الرياضة والمغامرة من أنحاء العالم.
نهر ماناوغات
يقع في شرق أنطاليا، وينبع من المنحدرات الشرقية لجبال طوروس الغربية، قبل أن يتدفق لمسافة 90 كيلومترًا تقريبًا نحو الجنوب، ليصب في المتوسط عبر السهل الساحلي حيث تشكّل شلالات ماناوغات الشهيرة.
تُعد منطقة ماناوغات غنية بالكهوف الطبيعية مثل كهف “ألتن بيشيك”، وتغطيها غابات كثيفة وسهول خصبة تُزرع فيها مختلف المحاصيل والفواكه والخضروات والزهور. كما تحتضن مياه النهر أنواعًا متعددة من الأسماك مثل الشبوط والسلمون المرقط وجراد البحر.
يُقدَّر الحد الأقصى لتدفقه بـ 500 متر مكعب/ثانية، في حين يبلغ المتوسط 147 مترًا مكعبًا/ثانية. وعلى مجراه، شُيّد سدان رئيسيان: “أويمابينار” و”ماناوغات”. أما الشلالات الكبيرة والصغيرة فتُعتبر من أبرز المواقع السياحية في المنطقة.
نهر سيهان
يمتد نهر سيهان بطول 850 كيلومترًا، من جبال طوروس الوسطى في جنوب سيواس مرورًا بمدينة أضنة، قبل أن يصب في المتوسط. ويتغذى من رافدين رئيسيين هما نهرا زمانتي وغوكصو.
أُقيمت على مجراه عدة سدود كهرومائية مثل سد يديغوز وجَتلان وسيهان، فيما تُستخدم مياهه لري الحقول في سهول جوكور أوفا الخصبة، خصوصًا القطن. وتُناقَش منذ سنوات خطط لتصدير فائض مياهه إلى بعض دول الشرق الأوسط كالأردن وإسرائيل.
من أبرز معالم أضنة نهر سيهان نفسه، حيث تنتشر مطاعم وحدائق شاي على ضفافه، ويعبره جسر “تاش كوبرو” (الجسر الحجري) الذي بُني في عهد الإمبراطور الروماني هادريان ورُمم في عهد جستنيان، وما يزال 14 من أقواسه الـ21 قائمًا حتى اليوم.
نهر جيهان (بيراموس قديمًا)
يبلغ طول نهر جيهان 509 كيلومترات، وينبع قرب منطقة البستان في قهرمان مرعش، قبل أن يصب في خليج الإسكندرونة. وقد عُرف في العصور القديمة باسم “بيراموس”، ويُستخدم اليوم مثل سيهان لري الحقول الزراعية في جوكور أوفا.
يتغذى النهر من ينابيع سوغوتلو وحورمه، ومن روافده أنهار أكسو وجاكور وصوصاص. وتصل ذروة تدفقه في الشتاء بفعل الأمطار، وفي الربيع بسبب ذوبان الثلوج، فيما يتراجع منسوبه في أشهر الصيف.
من أبرز معالمه مدينة مسيس القديمة (ياقه بينار حاليًا)، التي تعود إلى العصر الحثي قبل ثلاثة آلاف عام، حيث بُني جسر روماني من تسعة أقواس لا يزال شاهدًا على عراقة الموقع.
نهر العاصي (Orontes قديمًا)
يُعرف نهر العاصي تاريخيًا باسم “أورونتس”، ويبلغ طوله 571 كيلومترًا. ينبع من لبنان، ويجري شمالًا عبر سوريا قبل أن يدخل تركيا ليصب في البحر المتوسط قرب مدينة سمانداغ (سلوقية بيرا قديمًا).
كان النهر شريانًا حضاريًا لمنطقة الشام القديمة، حيث ازدهرت على ضفافه مدن مثل حمص وحماة وجسر الشغور وأنطاكيا. وتُعد أنطاكيا تحديدًا واحدة من أهم مدنه، إذ تقع في سهل خصب محاط بالجبال، وقد شكلت عاصمة للإمبراطورية السلوقية.
وتُظهر آثار سمانداغ عراقة التاريخ، حيث بُني “نفق تيتوس” الروماني في القرن الأول الميلادي بطول 1330 مترًا لتصريف المياه ومنع تراكم الطمي. كما توجد بجواره مقابر صخرية منقوشة في المنحدرات، أبرزها كهف “بشيكلي”.
تكشف أنهار منطقة البحر الأبيض المتوسط في تركيا عن وجه آخر للبلاد، حيث يلتقي جمال الطبيعة بالعمق التاريخي. فهي ليست مجرد مجاري مائية، بل شواهد حية على حضارات قديمة ومعارك كبرى، وفي الوقت ذاته فضاءات للرياضة والاستجمام. إنها لوحة بانورامية تمتد من جبال طوروس حتى البحر، لتجعل من جنوب تركيا نقطة التقاء استثنائية بين الماضي والحاضر.
المصدر: موقع Go Türkiye الترويجي التركي الرسمي