إردوغان رئيساً للمرّة الثّالثة بدعم المعارضة؟
د. سمير صالحة أساس ميديا
اُنتخب الرئيس التركي رجب طيّب إردوغان رئيساً لأوّل مرّة في عام 2014. منحه التعديلالدستوريالمتعلّق بتغيير شكل النظام من برلماني إلى رئاسي في 2017 حقّ الترشّح مرّتين متتاليتين ابتداء منالانتخاباتالتي جرت في 2018، ثمّ في انتخابات عام 2023، وتمكّن من الفوز فيهما. يدور الحديث عن سيناريو ترشّح إردوغان مجدّداً للرئاسة. لكنّ المشهد البرلماني والدستوري القائم اليوم يقول إنّ الأمور تحتاج هذه المرّة إلى دعم المعارضة. فهل تقدّم له مثل هذه الهديّة؟
فسّر البعض كلام الرئيس إردوغان في مؤتمر حزبي عُقد قبل 3 أسابيع في مدينة أورفا وهو يردّ على سؤال للمطرب الشعبي إبراهيم طاطليساس عن احتمال ترشّحه لفترة أخرى فيالانتخاباتالرئاسية المقبلة، قائلاً وهو يبتسم: “إذا كنت أنت مع ذلك، فأنا أيضاً معه”، بأنّه خطوة لجسّ نبض الشارع السياسي والحزبي والإعلامي حول الموضوع. وهذا موقف يتعارض مع موقف آخر لإردوغان خلال الحملات الانتخابية الأخيرة، حين دعا أنصاره إلى “التصويت له للمرّة الأخيرة”، وهو ما كان فُهم منه أنّه لن يسعى إلى الترشّح مرّة أخرى. فهل يترشّح إردوغان مجدّداً؟ وهل يحقّ له ذلك؟ وكيف ستأتي ردود الفعل والسيناريوهات المحتملة؟
هناك الكثير من التطوّرات المهمّة التي تسهّل لإردوغان مراجعة موقفه السابق الذي أعلنه في عام 2023 خلال حملاته الانتخابية:
الإصلاحات الاقتصادية التي بدأت تعطي نتائجها على طريق استرداد تركيا لعافيتها.
الصعود العسكري التركي ونجاح أنقرة في تقديم تصنيعها الحربي بديلاً مهمّاً للصناعات الغربية.
التمدّد والانتشار الاستراتيجي التركي في أكثر من دائرة جغرافيّة بعيدة.
سقوط نظام الأسد فيسورياوسط إجماع سياسي إقليمي على أنّ تركيا هي بين أبرز الرابحين هناك.
مواكبة كلّ ذلك للمبادرة التي أطلقها دولت بهشلي حليف إردوغان قبل 4 أشهر باتّجاه سياسة جديدة في التعامل مع الملفّ الكردي، رحّب بها ودعمها “حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب” المحسوب على الصوت الكردي في مناطق جنوب شرق تركيا.
اجتراح معجزات
هناك أصوات كثيرة تدعم فكرة بقاء إردوغان لفترة ثالثة، ويأتي رئيس “حزب الحركة القومية” دولت بهشلي في مقدَّم هؤلاء، بعدما دعا في تشرين الثاني الماضي إلى تعديل دستوري بهذا الاتّجاه. قابله إردوغان وقتها بالشكر على هذه البادرة، مؤكّداً أنّه سيخدم الشعب التركي ما بقي على قيد الحياة، وهو ما وصف بمناورة “الضوء الأخضر” السياسية في “تحالف الجمهور”. لكنّ معركة الانتخابات الرئاسية المقرّرة بعد 3 سنوات ونصف ستكون أكثر تعقيداً بالنسبة للرئيس إردوغان وحزبه إذا ما قرّر الترشّح لفترة ثالثة. حتماً لن يكون السبب التحدّيات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها تركيا، بل الشقّ السياسي والدستوري الذي يحتاج إلى اجتراح معجزات لتحقيق ذلك.
لا يسمح الدستورالتركي لرئيس الجمهورية بالترشّح لثلاث فترات متتالية، ولذا سيبحث الرئيس عن فرصة إجراء تعديل دستوري أو قرار برلماني يقود نحو انتخابات مبكرة قبل انتهاء فترته الثانية ليتمكّن من الترشّح لولاية أخرى. من أجل ذلك يحتاج “تحالف الجمهور” الحاكم إلى دعم نوّاب المعارضة الذين لن يسهّلوا خطوة بهذا الاتّجاه دون عقد صفقة سياسية متعدّدة الجوانب مع إردوغان.
يُعرف عن إردوغان براغماتيّته وحبّه لمفاجآت آخر لحظة. سيدرس الاحتمالات والسيناريوهات حتماً قبل الإقدام على خطوة سياسية صعبة من هذا النوع في هذه الآونة. صحيح أنّ هناك فترة زمنية طويلة تفصلنا عن الصناديق، لكنّ هناك أيضاً استطلاعات الرأي التي ما يزال الكثير منها يعطي “حزب الشعب الجمهوري” المعارض فرص التقدّم على حزب العدالة في أيّ معركة انتخابية تجري اليوم.
تذهب تصريحات نائب رئيس حزب العدالة مصطفى أليطاش باتّجاه وجود توجّه داخل الحزب لتقديم موعد الانتخابات إلى تشرين الأوّل أو تشرين الثاني 2027. لكنّه يعرف أنّ الفرص الدستورية محدودة بين خيارين لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة في تركيا. الأوّل يتمثّل في دعوة رئيس الجمهورية إلى إجراء انتخابات مبكرة، لكن في هذه الحالة لا يحقّ للرئيس الترشّح مجدّداً للمنصب. أمّا الخيار الثاني فهو الحصول على قرار من البرلمان يتطلّب موافقة 3 أخماس أعضاء مجلس الأمّة، أي ما لا يقلّ عن 360 نائباً من أصل 600. وهنا يواجه “تحالف الجمهور” مشكلة فقدانه لهذه الأغلبيّة المطلوبة وحاجته إلى التنسيق مع أحزاب المعارضة، وهو ما يستدعي تحالفات جديدة أو توافقات قد تكون صعبة في ظلّ الانقسام الحادّ بين الكتل البرلمانية.
المرشّح الأقوى… ولكن!
قد تكون شعبيّة إردوغان هي التي مكّنته من الفوز قبل عام ونصف، لكنّ حزبه خسر معركة الانتخابات المحلّية، خصوصاً في المدن الكبرى التي كان يسعى إلى استرداد السيطرة عليها من حزب “الشعب الجمهوري”. ألن يعتبر إردوغان ذلك عقبة ينبغي التعامل معها بجدّية قبل طرح فكرة التفاهم مع المعارضة على مثل هذه الخطوة؟ ألن يأخذ الرئيس التركي بردود فعل حزبية وشعبية، قد تظهر حتى في صفوف داعميه، قد لا تروق لها خطوة عقد صفقة مع المعارضة تحقّق ذلك؟
هناك الكثير من الإنجازات ذات الأبعاد الاستراتيجية التي تحقّقت في عهد إردوغان على مستوى الداخل والخارج، خصوصاً في الأعوام الأخيرة، وعلى رأسها، والسياسات الإقليمية الجديدة التي توّجت بتطوّرات المشهد السوري، لكن على إردوغان وحزبه أيضاً إخراج البلاد من أزماتها الاقتصادية وتنفيذ الرزم الإصلاحية الدستورية والقضائية والاجتماعية التي تحدّثا عنها لسنوات. لن يدخل إردوغان في نقاش تعديل الدستور أو التفاهم مع “الشعب الجمهوري”، أو البحث عن دعم “حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب” المحسوب على الصوت الكردي، قبل التعامل بجدّية مع متطلّبات ومشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية ينتظر المواطن التركي حلّها.
حقّق حزب “العدالة والتنمية” العديد من النجاحات في الداخل والخارج، وأخطأ في تقدير التعامل مع ملفّات إقليمية عديدة، دفعته لتبنّي سياسة تصفير المشاكل مجدّداً مع الخارج التي بدأ يحصد ثمار نتائجها. بالمقابل تدرك المعارضة أنّ الرئيس التركي ما يزال المرشّح الأقوى والأبرز للانتخابات المقبلة، متسلّحاً بما يملك من خبرة سياسية وكاريزما وإنجازات وسجلّ حافل من الانتصارات السياسية. لكنّ كلا الطرفين يعرف جيّداً أنّ الانتخابات التركية البرلمانية والرئاسية والمحلّية المبكرة في 2023 أرهقت المواطن التركي، وأن لا أسباب حقيقية تدفعه لقبول الذهاب إلى الصناديق مبكراً مرّة أخرى، وأنّ من سيدعو إلى ذلك عليه تحمّل ارتدادات خطوة بهذا الاتّجاه. المواطن التركي غير مستعدّ اليوم لجدال من هذا النوع، فهو ليس بين أولويّاته. وإردوغان الذي يعرف ذلك لن يقحم تركيا في نقاش كهذا، قبل تحقيق خطوات إصلاحية جذرية في الداخل، وأن يبدأ جني ثمار تحوّلات سياسته الإقليمية.