اخبار تركيا

تناول مقال للكاتب والباحثة المصرية صالحة علام، التوترات الأخيرة بين إسرائيل وتركيا بعد الضربة الإسرائيلية التي استهدفت اجتماعًا للوفد التفاوضي لحركة حماس في الدوحة، وردود الفعل التركية على مختلف الأصعدة: العسكري، والدبلوماسي، والإعلامي.

في مقالها الذي نشره موقع الجزيرة مباشر،تسلط الكاتبة المصرية الضوء على الإجراءات الدفاعية التي اتخذتها أنقرة لتعزيز جاهزيتها وحماية أمنها القومي، بما في ذلك رفع حالة التأهب، نشر أنظمة الدفاع الجوي، وتعزيز الوجود البحري والجوي.

إلى جانب ذلك، توضح الكاتبة تحركات تركيا في المجال الدبلوماسي لتعزيز التعاون العربي والإسلامي، وجهودها في حشد الرأي العام الدولي لمواجهة السياسات الإسرائيلية العدائية، مع التأكيد على استعدادها للدفاع عن سيادتها دون الانجرار إلى صراع عسكري مباشر.

وفيما يلي نص المقال:

عقب الضربة الإسرائيلية التي استهدفت اجتماعًا للوفد المفاوض لحركة حماس في الدوحة، وما تلاها من تضامن واسع على الصعيدين العربي والإسلامي مع قطر، الدولة المضيفة للمفاوضين لوقف الحرب في غزة، وإعادة الأسرى من الجانبين، جاءت تعليقات المسؤولين الإسرائيليين عن الحدث صادمة للمجتمع الدولي. فعوضًا عن تبرير موقفهم من استهداف أراضي دولة وسيطة، والاعتذار عما بدر منهم من فعل إجرامي بحقها يخالف جميع الأعراف الإنسانية والقوانين الدولية، اتسمت تصريحاتهم بالحدة والعدائية تجاه دول المنطقة دون استثناء، متوعدين بالاستمرار في سياستهم الرامية لملاحقة قيادات حماس في الخارج على أي أرض، وفي أي مكان يوجدون به. وهي التهديدات التي بدت موجهة لكل من مصر، والأردن، ولبنان، وتركيا، وهي الدول التي تحتضن عددًا من قيادات الصفين الأول والثاني للحركة لديها.

إلا أن تركيا وفق تلميحات مسؤولي دولة الاحتلال تتصدر لائحة الدول المستهدفة من جانبهم قياسًا لحجم التدهور الذي تمر به العلاقات بين البلدين، وحالة التصعيد غير المسبوقة في التصريحات المتبادلة بينهما، وما سببه ذلك من خسائر على الصعيدين الأمني والاقتصادي لكل منهما، إضافة إلى تضارب مصالحهما في العديد من الملفات الاستراتيجية.

فتركيا، إلى جانب دعمها المعلن لحماس واستضافتها لعدد من قياداتها على أراضيها، وانتقادها الدائم للسياسات التي تنتهجها إسرائيل تجاه الفلسطينيين، وحرب الإبادة التي تشنها على المدنيين في قطاع غزة، وإعلانها ملاحقة مسؤوليها قانونيًا في المحافل الدولية لمحاكمتهم كمجرمي حرب، وقرارها قطع علاقاتها الاقتصادية، وإيقاف تعاونها في مجالات عدة، ورفضها مخططات تقسيم المنطقة وإعادة رسم جغرافيتها مرة أخرى بما يخدم الأهداف الإسرائيلية الرامية لإقامة «إسرائيل الكبرى»، كل ذلك على الرغم من كافة المغريات التي قُدّمت لها.

ووقوفها إلى جانب إيران، وإدانتها لما تعرضت له من هجوم بحجة تدمير برنامجها النووي، ومساندتها الدبلوماسية والأمنية لكل من العراق ولبنان في مواجهتهما لاعتداءات جيش الاحتلال عليهما، وتصديها لمحاولات تقسيم الدولة السورية، أصبح يمثل عائقًا فعليًا أمام مخططات التوسع الإسرائيلية. فضلًا عن عرقلتها لمصلحة إسرائيل في شرق المتوسط، وما يمثله وجودها العسكري في شمال قبرص من تهديد لأمنها القومي ترى ضرورة العمل على القضاء عليه.

المسؤولون الأتراك يدركون تمامًا أن التصريحات الإسرائيلية وإن جاءت مبهمة وغير محددة التوجه، إلا أنها تُعد مؤشرًا قويًا على نوايا الحكومة الإسرائيلية وخططها الرامية إلى توسيع نطاق دائرة المواجهة في المنطقة، الذي يمكن ملاحظته من خلال ضرباتها على كل من لبنان، وإيران، واليمن، واستهدافها لأراضي قطر. وهو ما عدّوه تهديدًا مباشرًا وصريحًا لأمن تركيا القومي، في ظل ما تكشفه خريطة الاستهدافات التي تدور في نطاق جغرافية الخطط التوسعية لإقامة «إسرائيل الكبرى».

مؤكدين أنهم يتابعون بقلق بالغ هذه السيناريوهات التي يروّجها بشدة الإعلام الإسرائيلي حاليًا، وتعدها أنقرة بمنزلة محاولة لجس النبض لقياس مدى جدية رد الفعل التركي الرسمي، وجاهزيته العسكرية والاستراتيجية، وخططه للمواجهة إذا ما قررت إسرائيل فعلًا توجيه ضربة عسكرية لإحدى مدنهم. وأنهم يتخذون كافة الإجراءات الدفاعية والاحترازية اللازمة لمواجهة أية مخاطر قد تتعرض لها الأراضي التركية.

في هذا الإطار أعلن وزير الخارجية هاكان فيدان أن المنطقة لم تعد تواجه إسرائيل في ملف القضية الفلسطينية فقط، لكنها أصبحت تواجه توسعًا وأطماعًا يجب التصدي لها، مطالبًا الدول العربية والإسلامية بضرورة السعي لإيجاد حل يضمن تحقيق الأمن الإقليمي على أسس قانونية ومؤسسية لديها القدرة على التصدي لأية تهديدات توسعية.

في إطار أخذها التهديدات الإسرائيلية على محمل الجد، تتنوع الإجراءات التي تم اتخاذها من جانب تركيا لمواجهة التهديدات الإسرائيلية على كافة المستويات العسكرية، والإعلامية، والدبلوماسية.
فعلى الصعيد العسكري أعلنت أنقرة عن رفع حالة التأهب في قواعدها العسكرية، خاصة في المناطق الحدودية مع كل من سوريا والعراق. كما قامت رئاسة الأركان بنشر أنظمة للدفاع الجوي مثل صواريخ إس400 الروسية، وصواريخ «حصار» محلية الصنع في المواقع الاستراتيجية لتعزيز قدراتها الدفاعية ضد أي تهديد جوي محتمل.

إضافة إلى تعزيز وجودها البحري في البحر المتوسط بالمناطق القريبة من قبرص وسوريا لضمان حماية مصالحها البحرية، مع زيادة عدد الدوريات الجوية والبحرية، وإجراء المناورات التدريبية الكفيلة بضمان جاهزية القواعد والأفراد، واتخاذ إجراءات أكثر صرامة لتحصين المدن والمرافق الحيوية خاصة في كل من أنقرة وإسطنبول، وضمان تماسك جبهتها الداخلية.

كما تم وضع خطط عسكرية لمواجهة مختلف السيناريوهات المحتملة، بما في ذلك إمكانية تعرض المنشآت العسكرية أو الدبلوماسية في الخارج لأية تهديدات من جانب إسرائيل. ولعل تسريع أنقرة لبرنامجها الخاص بتطوير الصواريخ المصنعة محليًا مثل «تايفون»، و«حصار»، و«سونغور» يعد جزءًا من سياسة تعزيز الاكتفاء الدفاعي الذاتي الذي وصل لأكثر من 80% من احتياجاتها، في ظل ازدواجية المعايير الغربية التي يتم التعامل بها مع التوازنات الإقليمية، والتصدي لأية محاولة لتطوير الجيوش الإسلامية في مقابل الترسانة العسكرية الإسرائيلية.

إعلاميًا بدأت تركيا حملة واسعة النطاق على كافة المنصات الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي، والتواصل مع المنظمات الحقوقية والإنسانية، تستهدف بواسطتها تعزيز موقفها أمام الرأي العام العالمي، وتحضيره نفسيًا لأية مواجهة لأي تهديد محتمل بالعدوان على أراضيها، وحثه على ممارسة ضغوطه على قيادات دولة الاحتلال لوقف تصعيدها ضد دول المنطقة، والامتثال لقواعد القانون الدولي التي تنظم العلاقة بين مختلف الأطراف.

وعلى الصعيد الدبلوماسي سعت تركيا لتعزيز تعاونها مع الدول العربية والإسلامية، ودفعت باتجاه تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي وتبادل الخبرات العسكرية. كما عقدت القيادة السياسية اجتماعات متعددة مع أطراف إقليمية عربية وإسلامية للتشاور بشأن سبل الرد على العربدة الإسرائيلية، وسياسة التصعيد التي تمارسها قياداتها ضد دول المنطقة.

الرئيس أردوغان شدد في تصريحاته خلال عودته من الدوحة بعد حضور القمة العربية الإسلامية على ضرورة أن تقوم الدول الإسلامية بتطوير آليات تعاون مشترك تتضمن تبادلًا للمعلومات الاستخباراتية وإدارة الأزمات.

وبعيدًا عن أن أي عدوان إسرائيلي على تركيا سيُعد خرقًا لميثاق الأمم المتحدة التي يجب أن تتصدى لمثل هذه الانتهاكات، فإن اختيار تركيا لمحيطها الإقليمي، واستخدامها له حائط صد وركيزة أساسية يمكنها التعويل عليها في مواجهة المخاطر والتهديدات التي تواجهها من جانب إسرائيل، إنما يأتي من منطلق إدراكها أنه في حال اندلاع مواجهة بينها وبين إسرائيل فإن مواقف الدول الأوروبية ستتباين وفق مصلحة كل منها الخاصة.

مع أنها إحدى دول حلف الناتو، التي تنص المادة الخامسة من معاهدته المبرمة بين أعضائه على أن أي هجوم تتعرض له أية دولة بالحلف يُعد هجومًا على جميع الدول الأعضاء به، لكنها تدرك أن تفعيل هذه المادة لا يتم أوتوماتيكيًا، بل يحتاج لإجماع سياسي، وهو أمر يصعب التنبؤ بنتائجه خاصة من جانب كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا.

ورغم كونها حليفًا للولايات المتحدة، إلا أنها تعي تمامًا أنه في حال حدوث مواجهة بينها وبين تل أبيب فإن الإدارة الأمريكية لن تقف إلى جوارها. أو كما قال هاكان فيدان، وزير الخارجية: «عندما يتعلق الأمر بعلاقات واشنطن بتل أبيب، فهناك دومًا مجال استثناء في النظام السياسي الأمريكي، وهذا الاستثناء للأسف يتفوق فجأة على جميع العلاقات الأخرى… وهذا وضع يثير استياء حلفائها ويضعها في موقف صعب».

لذلك كل ما تأمله تركيا في هذا الصدد هو أن تنجح في دفع واشنطن لممارسة ضغوطها على تل أبيب لوقف أعمالها العدائية ضد دول المنطقة، خفضًا لحالة التصعيد والتوتر الذي تسببه مغامراتها المجنونة.

ورغم جميع الإجراءات التي تم اتخاذها تحسبًا لأية تهديدات إسرائيلية يمكن أن تمس أراضيها أو تعرض أمنها القومي للخطر، فإن أنقرة لا ترجّح الدخول في صراع عسكري مع دولة الاحتلال. وهي تهدف من وراء هذه التحركات إرسال رسائل لمن يهمه الأمر بأنها لن تتردد لحظة واحدة في استخدام كافة الوسائل المتاحة لديها، والكفيلة بالحفاظ على أمنها القومي، والدفاع عن سيادتها ووحدة أراضيها، ومصلحتها مع دول المنطقة.

شاركها.